توقيت القاهرة المحلي 15:34:25 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الإسلاميون ومفهوم الدولة

  مصر اليوم -

الإسلاميون ومفهوم الدولة

بقلم : فهد سليمان الشقيران

جزء أساسي من بناء الإسلام السياسي التوتر في فهم معنى «الدولة»؛ وآية ذلك ما يجري في تونس. حاولت حركة النهضة قيادة الدولة لكنها فشلت، والسبب الرئيسي أن فهمها لمعنى الدولة منقوص، لم تحسم خياراتها بين الدولة والخلافة، بين الدولة والجماعة. ويمكن فهم هذا بدراسة أدبيات الإسلاميين لموضوع «السياسة الشرعية» التي كتب عنها عدد من كبار الفقهاء منهم ابن تيمية والماوردي. ولفهم معنى الدولة لدى الإسلاميين أصدر مركز المسبار للدراسات والبحوث كتابه المهم بعنوان «الدولة في التنظير العربي والإسلامي: التأصيل والتحديات» (الكتاب التاسع والعشرون بعد المائة، سبتمبر (أيلول) 2017). ويهدف الكتاب كما في التقديم إلى دراسة حضور الدولة في النقاشات الفقهية والأدب السلطاني والفلسفة، آخذاً في الاعتبار السياقات التاريخية المعاصرة، بدءاً بالخلاصات التي أرساها بعض أقطاب الإسلام السياسي (السني والشيعي) مروراً بالدولة في الفكر الليبرالي العربي، وصولاً إلى كتابات المؤرخ المغربي عبد الله العروي الذي يُعد من أبرز المنظرين لمفهوم الدولة في المجال العربي المعاصر.
ويمكن عرض جزء من خلاصة الكتاب التي عرضها المركز، حيث كتب عبد الجواد ياسين أن النظرية السياسية لم تنشأ ترجمة لنص، بل كإفراز مباشر للواقع السياسي؛ فهي لم تقدم نفسها جملة واحدة قبل الزلزال السياسي المعروف بالفتنة الكبرى، بل كانت تسفر عن مفرداتها الواحدة بعد الأخرى استجابة للتداعيات الناجمة عن هذا الزلزال، أي كرد فعل للتطور في شكل النظام السياسي وعلاقة الدولة بالمعارضة. ويضيف أنه يمكن الحديث عن ثلاث دول متعاقبة بثلاثة أشكال للسلطة تحت مسمى الخلافة؛ الأولى: دولة الراشدين التي نتجت عن السقيفة، والثانية: هي الدولة الملكية التي انبثقت من الفتنة الكبرى، والثالثة: دولة التفويض السلطانية التي أنشأها البويهيون في القرن الرابع. ولكن التنظير لم يبدأ إلا بعد انتهاء الدولة الأولى، وأخذ يتشكل خلال الدولة الثانية، وانتهى عملياً قرب زوال الدولة الأخيرة. ويقصد بذلك أن تاريخ التنظير لم يتطابق مع تاريخ الدولة منذ البداية، وهو يستعيد أحياناً - كرد فعل لاستفزاز الواقع - حوادث الماضي للبناء عليها بأثر رجعي، وفي أحيان أخرى، يكرس المفاهيم الصادرة أيضاً عن اعتبارات الواقع ثم يصدرها إلى المستقبل بعد خدمتها إسنادياً (بالتنصيص غالباً) وإخراجها فقهياً.
بينما محمد الدوسري خلص في بحثه إلى أن الفقهاء قرروا أن الدولة من خلال النصوص الشرعية والمبادئ التي نصت عليها النصوص ذات المرجعية لتأسيس العلاقات بين الحاكم والمحكوم، هي رباط ووثاق ديني تنظمه النصوص الشرعية من خلال مفاهيم البيعة والخلافة، ومن خلال الوقائع والأحداث التي قررها المشرع في وقت التشريع، لذا فإن الدولة لا تخرج عن هذه الحقيقة لدى الفقهاء الذين كتبوا في السياسة الشرعية والإمامة، وعليه فإن استنطاق الفقهاء عن حقيقة الدولة لا يتجاوز هذه القواعد، ومن حاد عنها يتوسع: فإما متعسف أو تنقصه الدربة والدراية لما قرره الفقهاء الذين تأسست المذاهب الفقهية من خلال تصوراتهم ورؤاهم.
على المستوى الفقهي الشيعي رأى رشيد الخيون أن الشكل الوحيد الذي نجح، بين أشكال الدولة، حسب الفقه الشيعي، تراه يتعرض لأزمة، مع أن تأصيله في التراث الشيعي لم يصل إلى حد الاتفاق عليه، فقد بقيت نظرية «الانتظار» التقليدية هي الأصل، مثلما تبقى فكرة عدم الثورة أو الخروج على الحاكم المتغلب راسخة في الفقه السني، وفي الحالتين يفسر الأمر بفشل للإسلام السياسي، في شكل الحاكمية الشيعية المنوطة بالولي الفقيه، وشكل الحاكمية السنية المنوطة بتطبيق شرع الله ودستورها القرآن والسنة، حسب العنوان الواحد لكتابي الخميني والمودودي «الحكومة الإسلامية».
توفيق السيف، بحث في الكتاب تطور فهم المجتمع الديني الشيعي لفكرة الدولة والمجال العام، لا سيما في ربع القرن الأخير. شهدت هذه الفترة مراجعات عميقة - بحسب الباحث - لأبرز التعبيرات عن تلك الفكرة، أي نظرية «ولاية الفقيه». يعرض في البدء موجزاً لأبرز المنعطفات في فقه الشيعة السياسي، بغية إبراز بؤرة اهتمام المدرسة الفقهية، أي مصدر شرعية السلطة. فضلاً على كشف محرك التحولات السابقة والحاضرة على حد سواء، أي اقتراب الفقهاء من السياسة. كما تعرض الدراسة بإيجاز لآراء عالم الدين محمد مهدي شمس الدين (1936 - 2001)، الذي قدم رؤية أكثر تطوراً من «ولاية الفقيه» في نسختها المعيارية. الجزء الأخير من الدراسة مخصص لنقاش رؤية بديلة، تنطلق من مراجعة معمقة لا تقف عند مجادلة النظريات الفقهية، بل تذهب إلى مجادلة الأساس الفلسفي الذي قام عليه الفقه الإسلامي ككل. وهي تنفي قدسيته وثبات أحكامه. ومن هنا فإنها تقدم منظوراً جديداً لدور الدين في الحياة العامة وعلاقته بالدولة، يقترب كثيراً من المنظور الليبرالي، ويدعو من دون مواربة إلى ديمقراطية تكفل مشاركة المسلمين، ليس فقط في صناعة السياسة، بل وأيضاً في إنتاج وصوغ الرؤية الدينية التي تناسب زمنهم.
عبد الله السيد ولد أباه، في بحثه استعرض المحاولات الفكرية الأكثر رصانة وعمقاً في تناول مسألة «الدولة - الأمة»، من خلال تقديم وتقويم سبعة من أبرز المفكرين العرب هم: عبد الله العروي، وهشام جعيط، ومحمد عابد الجابري، وبرهان غليون، ومحمد جابر الأنصاري، وعلي أومليل، ووجيه كوثراني. ويشير إلى أن ما يجمع هذه الأسماء السبعة هو الانخراط المزدوج في العمل الفكري والسياسي، وتبني المنظور النقدي للفكر السياسي العربي في تلويناته الآيديولوجية المختلفة. ويبين أن هذه المقاربات المذكورة في تناولها لإشكالية الأمة والدولة في السياق العربي الحديث، وجدت نفسها مضطرة للتعامل مع ثلاث ثنائيات بارزة هيمنت على الخطاب الآيديولوجي العربي: ثنائية الدولة القُطرية والدولة القومية، ثنائية الدولة التحديثية والدولة التقليدية، وثنائية الدولة التسلطية والدولة المدنية.
مربط الفرس أن نفهم كيف عالج الإسلاميون مفهوم الدولة؛ حين كتب العروي عن «مفهوم الدولة» تحدث في المقدمة عن تعدد المفاهيم عبر تاريخ العرب وتنوعها وقارنها بالمعنى الأوروبي. إذا أردنا فهم تفكير الإسلام السياسي علينا بالمقام الأول إدراك معاني الدولة لديهم؛ «داعش» تعتبر نفسها «دولة»، فهي «الدولة الإسلامية» لكن هل تعرف الدولة بنفس التعريف الذي يطرحه فلاسفة السياسة مثل هوبز وراولز وروسو؟! هنا الفرق بين التسمية والمعنى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الإسلاميون ومفهوم الدولة الإسلاميون ومفهوم الدولة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 13:18 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon