توقيت القاهرة المحلي 07:17:05 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المغرب وتجربة تدبير التطرف العنيف

  مصر اليوم -

المغرب وتجربة تدبير التطرف العنيف

بقلم : فهد سليمان الشقيران

لم يعد التطرف في شمال أفريقيا بمعزلٍ عن مؤثرات المشرق، ولا عن النموّ المتزايد في الساحل الأفريقي. الجبهات المفتوحة اليوم تشكل تهديداً جدياً، ثمة وعي دولي بخطورة الاضطرابات الجارية في نيجيريا لجهة إمكانات تهيئة الأجزاء لإعادة التموضع في أطراف القارة. تجربة المغرب في مكافحة التطرف لم تنعزل عن نظائرها في أوروبا من جهة، وفي الشرق من جهة أخرى. تعاون أمني كبير وتنسيق عالي المستوى جعلا ضربات الإرهاب أقل سطوة، من ينسى التزامن بين تفجيرات الرياض والدار البيضاء ولندن؟! إنه تشابك ميداني ونظري لا بد من الانتباه له بكل ما أوتيت الدول من مؤسسات، وبكل ما أوتي القادة من قوة. وما كانت تجربة المغرب خارج سياق الدراسات الرصينة المتينة، وآية ذلك ما وقع بين يدي من أبحاثٍ تضمنها كتاب مركز «المسبار للدراسات والبحوث» في دبي الصادر مؤخراً بعنوان: «تجربة المغرب في تدبير التطرف العنيف: المؤسسات والأفراد». وهو كتاب قيّم ومفيد وسأعرض لخلاصة بعض أبحاثه؛ تعميماً للفائدة وتسهيلاً على المهتمين.

هدف الكتاب دراسة التجربة المغربية في مكافحة التطرف، ويبني على كتابيه السابقين - كما في تصدير الكتاب - وهما: «السلفيون في دول المغرب العربي» (الكتاب التاسع والأربعون، يناير «كانون الثاني» 2011)، و«الإسلام السياسي والتطرف في المغرب 2011 – 2021» (الكتاب السابع والثمانون بعد المائة، يوليو «تموز» 2022)، ويخصص هذا الكتاب لمقاربة تعامل المؤسسات الدينية والقانونية والإصلاحية والحزبية والفكرية والإعلامية والدرامية مع التطرف والإرهاب، فيختبر أثر التفاعل الديني المؤسساتي، ويعيد دراسة برنامج مصالحة، ويبحث مواقف الأحزاب السياسية من التطرف، ويقرأ المنتوج الفكري المغربي سواء الذي اضطلعت به المراكز البحثية ومختبرات التفكير، أو الذي قام به المفكرون المغاربة في مواجهة التطرف العنيف. ورصد الكتاب التغطية الإعلامية المغربية لملف الإرهاب، وكيفية تفاعل صنّاع السينما مع الظاهرة، عبر مراحل، ما قبل تفجيرات الدار البيضاء 2003، وبعد ظهور «داعش» 2013 التي نقلت الأزمة المغربية إلى خطوط جديدة لسفر مجموعة من الشباب إلى مناطق النزاع.

تناولت دراسة الباحث المغربي منتصر حمادة، الاستراتيجية التي تبنّتها المؤسسة الدينية المغربية في التعامل مع التطرف العنيف، التي تبلورت بعد أحداث 16 مايو (أيار) الإرهابية 2003، وتمخض عنها إعادة هيكلة الحقل الديني، وتأهيله وتجديده؛ تحصيناً للمغرب من التطرف والإرهاب، وحفاظاً على هويته، فأُحِدثت مديرية التعليم العتيق، وأُنشئت وحدات أخرجت المؤسسة إلى الفاعلية، وأُدمِجت فعاليات نسائية في تدبير الشأن الديني، وأُسِّس المجلس الأوروبي للعلماء الأفارقة. ثم سعى المغرب إلى سحب البساط عن الإسلاموية، وتدعيم المنسحبين منها، بتمكينهم في خطاب المؤسسات الرسمية، فتوظفت الجهود لتفكيك فورة الأدبيات الإسلاموية المقاتلة والعنيفة، ومفهوم الحاكمية والتكفير، وأطلقت المنتدى الأول للوسطاء للوقاية الاجتماعية من التطرف.

تناولت دراسة الباحث المغربي عبد الله الشرقاوي العلاج القانوني للتطرف برصد قوانين مكافحة الإرهاب، وتنزيلها على السوابق في المحاكم المغربية. أرّخت الدراسة لبداية الأحداث الإرهابية بأحداث تفجير فندق (أطلس آسني) في أغسطس (آب) 1994، ثم إيقاف أفراد خلية تابعة لتنظيم «القاعدة» سنة 2002. ثم ركّز الباحث على تكييف وضع العائدين من مناطق الصراع في سوريا والعراق، مشيراً إلى القانون رقم (86,14) المتعلق بتجريم الالتحاق أو محاولة الالتحاق بشكل فردي أو جماعي بجماعات إرهابية، ولو كانت الأفعال الإرهابية لا تستهدف المملكة المغربية. ثم قدّمت الدراسة سرداً للموقوفين ومحاكماتهم، مع تقديم نبذة عن نماذج مثل خلية الفرنسي (روبير أنطوان) المفككة سنة 2003، وجماعة أنصار المهدي (2006) وخلية الدم بمكناس، وصولاً إلى خلايا شمهروش (2018)، مدققةً في السجالات القانونية، ومداولاتها، مع ملاحظة أن أغلب المعتقلين في التطرف هم شباب لا ينتمون للأحزاب السياسية أو النقابات، وتكوينهم الدِّيني ومستواهم التعليمي متدنٍّ، فمن أصل (842) مداناً وجد أن (47) لم يَلِجوا المدرسة، و(209) بلغوا الابتدائية، و(240) انتهوا إلى الإعدادية المتوسطة، و(180) بلغوا الجامعة، بينما أنهاها (166) فقط!

أطلقت السلطات المغربية برنامج «مصالحة» لتشجيع المتطرفين السابقين على اتِّباع مسار النقد الذاتي والمصالحة مع النص، عبر ضبط التأويل بالمذهب المالكي، وتأمين مفاهيم السكينة والمصالحة مع المجتمع. تناولته الباحثة المغربية لمياء العمراني، مشيرةً إلى أنّ البرنامج يقدم الخيارات القانونية المرسخة لمبدأ المواطنة القائمة على الحقوق والواجبات، ويرعى التأهيل النفسي ويوفر الرعاية الاجتماعية والاقتصادية، ويهدف إلى الإدماج السياسي للمتطرفين المتراجعين؛ إذ سعى في جانبه السياسي إلى استيعاب تحوّلات المتراجعين عن التطرف داخل السجون، ودمجهم في العملية السياسية الوطنية وأدواتها القانونية، فانخرط إثر ذلك بعض المتراجعين في الأحزاب السياسية الوطنية.

تناول الباحث المغربي هشام الطرشي موقف الأحزاب السياسية المغربية من قضية التطرف والإرهاب؛ إذ بلورت مواقف عكستها تصريحات سياسية، فأشار إلى أنّ ديدن حزب «العدالة والتنمية» - مثلاً - كان التشكيك، بل اتّهام أجهزة الدولة الأمنية، وأنه كان يختزل الإرهاب في «جرائم عادية يعاقب عليها القانون الجنائي»، بينما راوح حزبا «النهضة» و«الفضيلة» في التعامل بين مخاطبة الأسباب، وإدانة النتائج. واعتمد حزب «الأصالة والمعاصرة» مواجهة التطرف العنيف على منظمات المجتمع المدني، والتفاعل بمساءلة وزارة الأوقاف حول «حكم المرتد»، ومبادرات تسوية ملفات معتقلي التطرف العنيف، والاهتمام باستصدار موجِّهات برلمانية حول «وقف تسفير المغاربة للقتال في سوريا»، ومبادرة اللجنة الاستطلاعية حول الأطفال والنساء المغاربة في مناطق التوتر.

الخلاصة التي يطرحها الكتاب أن تناول تجربة التطرف في المغرب، وتدبير السياسي لثقافة العنف التي انتشرت في موجة ما بعد الحادي عشر من سبتمبر (أيلول) يجب أن يكونا مصحوبَين ليس فقط بالقوانين والتشريعات، ولا بالسياسات الأمنية، ولا بالأفكار النخبوية، وإنما لا بد من توجيه المسار الفني بما فيه السينمائي؛ لغرض ضرب ولجم التطرف من أساسه، وبخاصةٍ أن الأجيال الشابة بالمغرب تتطلع نحو الحيوية الدنيوية، وترغب فعلياً بتجاوز تلك الحقبة الكئيبة، ولا يمكن الفصل بين مجالٍ وآخر في مكافحة الإرهاب وإيقاف تسويقه، وردم منابع انتشاره.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب وتجربة تدبير التطرف العنيف المغرب وتجربة تدبير التطرف العنيف



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

GMT 10:04 2024 الأحد ,22 أيلول / سبتمبر

نصائح لتصميم مكتب منزلي جذّاب
  مصر اليوم - نصائح لتصميم مكتب منزلي جذّاب

GMT 07:00 2024 الإثنين ,23 أيلول / سبتمبر

علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات
  مصر اليوم - علاقة مفاجئة بين شرب القهوة وبناء العضلات

GMT 11:42 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

أفكار يدوية لتزيين وتجديد من ديكور المنزل

GMT 20:10 2020 الأربعاء ,25 آذار/ مارس

تسجيل ثاني حالة بـ نادي جيرونا بفيروس "كورونا"

GMT 09:10 2020 الثلاثاء ,10 آذار/ مارس

سر خلاف يسرا مع رغدة بسبب أحمد زكي

GMT 08:53 2020 الثلاثاء ,11 شباط / فبراير

مريم حسين تعلق على براءتها من تهمة هتك العرض

GMT 09:47 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

أحمد فهمي يطمأن جمهوره على حالته الصحية

GMT 15:02 2019 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

ضبط أكثر من ألفي قضية تنقيب وتعد على أرض آثار

GMT 18:55 2019 الأربعاء ,17 تموز / يوليو

حسين الجسمي يرد على إشاعة وفاته على موقع "تويتر"

GMT 06:24 2019 الأحد ,30 حزيران / يونيو

تعرَّف إلى أهمّ أسباب وأعراض الشعور بالدوّار
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon