بقلم : فهد سليمان الشقيران
قدر السعودية، منذ تأسيسها، أنها لم تُحط بأعداء ومنافسين أذكياء؛ العدو الذكي يرفع من مستوى التحدي، ويشحذ أفكار المنافسة، ويحقق الجدلية المطلوبة والخلاقة، ويحقق شكل التدافع أو الجدل، وهو أساس الحركة في هذا الكون، غير أن الأعداء الذين نواجههم منذ عقود، إما دول بعثية مارقة تعيش ضمن آيديولوجيا واهمة، وسط طموحات وخطابات حالمة، تنتهي بممارسات طائشة، حال نظام صدام حسين، وربما تشكل العدو على هيئة رجل يتنقل بـ«كتابه الأخضر»، ويمزق مواثيق الأمم المتحدة، ويطرح نظريات يظنّ أنها تتجاوز ما كتب في هيكل الدولة والاقتصاد والعقد الاجتماعي مثل نظام القذافي، أو دولة تعتقد أنها بالمال يمكنها أن تأخذ الوزن الاستراتيجي السعودي، وأن دعم بضع قنوات، وجمع من المعاتيه في الخارج، وصرف الملايين على إذاعات ومواقع إلكترونية، يمكنها من السطو على النفوذ السعودي، كما في تسجيلات القادة القطريين.
والبلوى أن أصحاب هذه الكيانات المهترئة يكررون لأنفسهم، ويعاودون تجريب فشل غيرهم، كل عام، مرة أو مرتين، ثم لا يتوبون ولا هم يذّكرون. لذلك كان الأمير محمد بن سلمان، وفي حواره مع برنامج «60 دقيقة»، اعتبر الجرم الإيراني الإرهابي تجاه «أرامكو» ممارسة «حمقاء»، والهدف الاستراتيجي الوحيد للنظام الإيراني أن يثبت للعالم أنه نظام أحمق، كيف يمكن لدولة أن تستهدف قلب تغذية النفط للعالم. وهذه التصرفات لا تقوم بها دولة على الإطلاق؟!
ولذلك فإن النظام الإيراني لا يمكن بالمعنى العلمي وصفه بأنه دولة، وإنما امتداد لثورة أسست مجموعة من الميليشيات يقودها جمع من العقائديين الخرافيين ضمن مجاميع يعزّ فيها المعتوه، ويندر فيها العاقل.
هذه المسألة توضح الانحطاط الذي وصلت إليه العداوات المتوفرة بالمنطقة، إنها مجموعة من الهياكل المهترئة الحمقاء، وسط ضوء تقوده السعودية مع دول قليلة، وهناك مقاومة من قبل الحركات الإرهابية التي تدعي المقاومة من «حزب الله» وحركة «حماس» إلى «داعش» و«القاعدة» و«الإخوان المسلمين» و«بوكو حرام» و«عصائب أهل الحق» و«الحشد الشعبي»، وسواها من الفصائل التي تريد العيش في عصر ما قبل الدولة.
لقد شكل حوار الأمير محمد بن سلمان نقطة انطلاق من قائد متفائل، يصر على وضع الأمور في نصابها، وقد أجاب بحصافة سياسي استثنائي بأن الحل السياسي أفضل من العسكري، حتى الحرب في اليمن يمكن استئناف النقاش حولها، والدخول بشكل إيجابي نحو حلّ حاسم يمنع إيران من التدخل مجدداً في شؤون اليمن، أو أن تقوم بدعم الميليشيات عسكرياً.. الهدف من الحرب في اليمن بسيط وواضح، إعادة الشرعية واستعادة الدولة من قبضة الميليشيا، وشلّ حركة إيران في خاصرة الخليج، لئلا يتكون لدينا حزب إلهي جديد.
الأمير تحدث بمنطق السياسة الحديثة المعاصرة؛ التفاوض، الحل السياسي، البعد عن مبتغيات الدول الحمقاء مثل إيران التي تريد جرّ المنطقة إلى حرب، نظراً لإفلاسها الاقتصادي، وتهشم النظام السياسي داخلياً، والتململ الشعبي من النظام العقائدي الإرهابي. لذلك فإنني أعتبر الحرب الاقتصادية، والاستمرار في خنق النظام مادياً، وفي ملاحقة أذرعه بالعقوبات الاقتصادية الشرسة، أفضل وسيلة على الإطلاق لضرب هذا النظام، وإذا كان هناك تحالف دولي للقيام بضربات تأديبية ضده فهذه مهمة وضرورية، ويجب مباركتها، بالإضافة للعقوبات الاقتصادية الخانقة.
إن حوار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان يمنح المتواطئين في أنحاء العالم على السعودية، كرهاً وبغضاً، فرصة الاطلاع على منطقٍ لا يجدونه في الحملات المغرضة، ولا في خطب دول الشر، إنه منطق الدولة، وحين تحدث عن القانون، فإن القوانين ليست محل قبول من السياسي بالضرورة، ولكنها حين تكون فاعلة ونافذة، فإن العمل بها واجب، هذه نقطة أساسية في الإدارة السياسية، ولا يمكن وضع الإجراءات القانونية التي تقوم بها النيابة العامة ضد المخالفين للقوانين المعمول بها على أنها تأتي ضمن رغبة السياسي أو مبتغاه، وإنما مجموعة من القوانين الفاعلة على أساسها تتخذ الإجراءات ضد من يخالفها أو يخترقها أو يتجاوزها. هذا المنطق لا تعرفه الدول المارقة والشريرة والفاشلة في هذه المنطقة من العالم.
هذه رسالة السعودية إلى العالم، العقل، والتفاوض، والحلول السياسية، ولكن مع كل ذلك لن تتوانى عن تأديب الحمقى، والضرب بيد من حديد ضد المعاندين، ولن تقف مكتوفة الأيدي حين تضطرها الظروف للقيام بعمل عسكري ضد محاور العنف والشر.