توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرديد... الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية

  مصر اليوم -

فرديد الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

بدقته المعهودة، لم يفت على عبد الجبار الرفاعي نقد الاستعمال الآيديولوجي للفلسفة من قِبل أحمد فرديد، فالرفاعي له جهده الحثيث في المجال الفلسفي ترجمة وتأليفاً؛ لذلك بحث في فكرة أحمد فرديد حول الفلسفة، وراح يطالع في أسباب هذا اللوذ بهيدغر، وبظاهرة التفكير الفلسفي لدى فرديد وسواه من الإيرانيين، ووجدتُ أن نقد الرفاعي هو الأهم لفرديد بالإضافة إلى ما قدمه شايغان الذي يرى بمحاولات فرديد مجرد «استخدام لأدواتٍ مفهومية، تعود إلى بنية مغايرة تماماً لبنيته الثقافية، من أجل أن يفهم عالمه الخاص، العالم الذي ابتعد عن الغرب وحاد عنه». امتاز الرفاعي بتحديد الظاهرة ومحاولة القبض عليها من جذورها، ولذلك كتب بحثاً بعنوان «أحمد فرديد فيلسوف ضد الفلسفة» في «مجلة الكوفة» (صيف 2013).
يقسّم الرفاعي تصنيف اتجاهات التفكير الديني في إيران إلى: هايدغريين، نسبة لهايدغر، وغينونيين نسبة إلى رينيه غينون، وماركسيين، وبوبريين نسبة إلى كارل بوبر، ويعتبر هذا التقسيم بوصلة غير أنه لا يفي بكل التوجهات؛ ففي الحوزات من ينتمي إلى مدارس أخرى. ويفتتح الدراسة بنشأة أحمد فرديد الذي غير لقبه من «مهيني يزدي» إلى «فرديد» وتعني «الرؤية المتسامية، النظرة الواسعة الأفق»، قرأ لغوستاف لوبون، وبرغسون، جرّب الدراسة في السوربون وبعد ثماني سنوات عاد إلى طهران عام 1955 ولم ينجز دراسته. عُرفت «حلقة الفرديدية» بضم مجموعة منهم: داريوش آشوري، أمير حسن جهانبكلو، أبو الحسن جليلي، شاهرخ مسكوب، داريوش شايغان، وآخرون، والعجب وجود اسم شايغان الذي صار من أكبر ناقديه على الإطلاق.
من أبرز ملامح استغلال فرديد لهيدغر، لخصه شايغان بنقل الرفاعي أنه «شخصية عجيبة، امتد تأثيرها على جيلٍ كامل من المستنيرين الإيرانيين. كان مفكراً هايدغرياً، متيّماً بهايدغر، بنحوٍ أضحى هايدغر صنماً يعبده. وباعتباره مطلعاً على العرفان النظري، كان لغزاً يحير العقول والأذهان، فمثلاً يعبر عن (غياب الوجود) الهايدغري، بـ(حوالة الوجود) وهو يشتق ذلك من خلال كشف الأسماء الإلهية في العرفان الإسلامي».
وصف الرفاعي قراءة فرديد لهايدغر، بأنها قراءة ملتبسة، لكن ما وجه التباسها؟! يرى أن «فرديد صاغ رؤيته استناداً إلى علم الأسماء الإلهية عند ابن عربي، وفلسفة هايدغر، واللسانيات وعلم اللغة المقارن والفيلولوجيا، منقباً عن جذور الألفاظ والكلمات وأنسابها، ويدمج أنظمة معرفية متباينة، ويخلط بينها في إطار بناء مقولاته، فيوحّد بين ابن عربي وهايدغر، والفيلولجيا وفلسفة التاريخ في مزيجٍ غير متجانس، تختلط فيه عناصر مختلفة، ويعمل على صياغة مقولاتٍ يجترح لها تسمياتٍ خاصة»؛ مما جعل شايغان يشبّه عمل فرديد بطبخ مجموعة غذائية لا تنتج طعاماً سائغاً.
عن تأثير ترجمة كوربن على فرديد، يكتب الرفاعي «قرأ فرديد الترجمات الفرنسية لهايدغر، التي أنجزها تلميذ هايدغر (هنري كوربن) وهي ترجمات تتجلى فيها بصمة فهم كوربن، وتكوينه، وأفق انتظاره، وتخصصه بالفلسفة والعرفان والميراث المعنوي الإيراني الإسلامي. يشبّه كوربن منهج هايدغر بالأداة المفتاحية التي اعتمدها في حلّ مغاليق الميتافيزيقيا الإيرانية الإسلامية. ويمكن ملاحظة أثر تطبيق هيرمنيوطيقا هايدغر ومنهجه في آثار كوربن ومقدماته على بعض كتب التراث الفلسفي والعرفاني، كما في مقدمته على رسالة (المشاعر) لملا صدرا الشيرازي».
لذا؛ فإن السقاية العرفانية في تأويل هيدغر أتت من تأثر فرديد العميق به، بل امتد كما يضيف مبحث الرفاعي «إلى توظيف فرديد لهرمنوطيقا هايدغر في صياغة ما يسميه الحكمة الإنسانية، ويصرح فرديد في مناسباتٍ متعددة بوحدة خطابه مع هايدغر واستناده إلى منهجه ومنطقه الهرمنوطيقي في تفكيره».
لم يكتفِ فرديد بسحب هيدغر معه في التأويل العرفاني، بل «بعد انتصار الثورة الإيرانية حرص فرديد على ابتكار تفسير ثوري إسلامي لهايدغر، يطابق أفكاره مع الجمهورية الإسلامية»، كما أفصح عن ذلك بقوله «فسّرت هايدغر بالإسلام. إنه المفكر الوحيد الذي ينسجم مع الجمهورية الإسلامية، يتّحد قولي مع هايدغر، حيال ظهور النهضة، لا تناقض مع تفكير هايدغر، وتلك هي الثورة الإسلامية. تفكير هايدغر قريب جداً للثورة الإسلامية» ولفرط تبجيل فرديد لهايدغر منحه مرتبة ملكوتية لا ينالها سوى العرفاء، يقول فرديد «إن هايدغر في مرتبة الواعي الذاتي، وصل من قرب النوافل إلى قرب الفرائض».
كنتُ قارنتُ قبل قراءة بحث الرفاعي بين طرح طه عبد الرحمن وفرديد، وسعدتُ بوقع الحافر على الحافر مع الرفاعي، حيث عنون أحد فصول البحث بـ «غواية اللغة وإبهامها» ثم يفصّل «يختبئ بعض المفكرين وراء الألفاظ، فيشتقّون مصطلحاتٍ بالعودة إلى جذورها اللغوية، أو يزاجون ويركبون مصطلحاتٍ أخرى باستعارتها من معجمٍ تراثي، ويسقطونها على مفهومٍ مستعار من الفلسفة والعلوم الإنسانية الغربية الحديثة والراهنة... لعل غواية وإبهام اللغة الفرديدية تماثل غواية وإبهام لغة المفكر المغربي طه عبد الرحمن، الذي يعمد إلى نحت مصطلحاتٍ بديلة لما هو شائع ومتعارف بالعربية، فيخلع تلك المصطلحات التي صاغها في أفق فلسفة اللغة والمنطق الحديث، على محاولاته في إعادة إنتاج التراث، ويلوّن بها آراءه ومواقفه السلفية المغلقة، ليصطاد الكثير من الشباب الإسلاميين المسكونين بالحنين إلى الأصول».
إن فرديد وظاهرته تعبّر عن ظاهرة «التفلسف الأصولي» لدى عددٍ من المفكرين المسلمين في المشرق والمغرب وإيران وغيرها، وجد أولئك أن الفلسفة ضرورية لتكرير «الآيديولوجيا» وتحويرها لجعلها أكثر انسجاماً مع رؤى التنمية التي تجترحها الحكومات الصاعدة، فيميلون نحو هذه الوسيلة للذوبان مع المشاريع، بعضهم نعرفهم جيداً دخلوا وتسللوا وهم في جذرهم الفكري العميق منتمون إلى «الإخوان» المسلمين، ولظاهرة الأصولية، لكنهم يجدون بثرثرتهم حول العلوم الطبيعية والفلسفة وسيلة لضخ الآيديولوجيا، وهم يتهادون نحو رؤى الأصوليين ومشاريعهم ولكنهم بأشكالٍ حديثة، وبمفرداتٍ جديدة، والفلسفة غنية بالمفردات والمفاهيم فيجدون بمدوناتها «الغطاء الحضاري» للمشروع الأصولي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرديد الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية فرديد الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon