توقيت القاهرة المحلي 22:45:33 آخر تحديث
  مصر اليوم -

فرديد... الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية

  مصر اليوم -

فرديد الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

بدقته المعهودة، لم يفت على عبد الجبار الرفاعي نقد الاستعمال الآيديولوجي للفلسفة من قِبل أحمد فرديد، فالرفاعي له جهده الحثيث في المجال الفلسفي ترجمة وتأليفاً؛ لذلك بحث في فكرة أحمد فرديد حول الفلسفة، وراح يطالع في أسباب هذا اللوذ بهيدغر، وبظاهرة التفكير الفلسفي لدى فرديد وسواه من الإيرانيين، ووجدتُ أن نقد الرفاعي هو الأهم لفرديد بالإضافة إلى ما قدمه شايغان الذي يرى بمحاولات فرديد مجرد «استخدام لأدواتٍ مفهومية، تعود إلى بنية مغايرة تماماً لبنيته الثقافية، من أجل أن يفهم عالمه الخاص، العالم الذي ابتعد عن الغرب وحاد عنه». امتاز الرفاعي بتحديد الظاهرة ومحاولة القبض عليها من جذورها، ولذلك كتب بحثاً بعنوان «أحمد فرديد فيلسوف ضد الفلسفة» في «مجلة الكوفة» (صيف 2013).
يقسّم الرفاعي تصنيف اتجاهات التفكير الديني في إيران إلى: هايدغريين، نسبة لهايدغر، وغينونيين نسبة إلى رينيه غينون، وماركسيين، وبوبريين نسبة إلى كارل بوبر، ويعتبر هذا التقسيم بوصلة غير أنه لا يفي بكل التوجهات؛ ففي الحوزات من ينتمي إلى مدارس أخرى. ويفتتح الدراسة بنشأة أحمد فرديد الذي غير لقبه من «مهيني يزدي» إلى «فرديد» وتعني «الرؤية المتسامية، النظرة الواسعة الأفق»، قرأ لغوستاف لوبون، وبرغسون، جرّب الدراسة في السوربون وبعد ثماني سنوات عاد إلى طهران عام 1955 ولم ينجز دراسته. عُرفت «حلقة الفرديدية» بضم مجموعة منهم: داريوش آشوري، أمير حسن جهانبكلو، أبو الحسن جليلي، شاهرخ مسكوب، داريوش شايغان، وآخرون، والعجب وجود اسم شايغان الذي صار من أكبر ناقديه على الإطلاق.
من أبرز ملامح استغلال فرديد لهيدغر، لخصه شايغان بنقل الرفاعي أنه «شخصية عجيبة، امتد تأثيرها على جيلٍ كامل من المستنيرين الإيرانيين. كان مفكراً هايدغرياً، متيّماً بهايدغر، بنحوٍ أضحى هايدغر صنماً يعبده. وباعتباره مطلعاً على العرفان النظري، كان لغزاً يحير العقول والأذهان، فمثلاً يعبر عن (غياب الوجود) الهايدغري، بـ(حوالة الوجود) وهو يشتق ذلك من خلال كشف الأسماء الإلهية في العرفان الإسلامي».
وصف الرفاعي قراءة فرديد لهايدغر، بأنها قراءة ملتبسة، لكن ما وجه التباسها؟! يرى أن «فرديد صاغ رؤيته استناداً إلى علم الأسماء الإلهية عند ابن عربي، وفلسفة هايدغر، واللسانيات وعلم اللغة المقارن والفيلولوجيا، منقباً عن جذور الألفاظ والكلمات وأنسابها، ويدمج أنظمة معرفية متباينة، ويخلط بينها في إطار بناء مقولاته، فيوحّد بين ابن عربي وهايدغر، والفيلولجيا وفلسفة التاريخ في مزيجٍ غير متجانس، تختلط فيه عناصر مختلفة، ويعمل على صياغة مقولاتٍ يجترح لها تسمياتٍ خاصة»؛ مما جعل شايغان يشبّه عمل فرديد بطبخ مجموعة غذائية لا تنتج طعاماً سائغاً.
عن تأثير ترجمة كوربن على فرديد، يكتب الرفاعي «قرأ فرديد الترجمات الفرنسية لهايدغر، التي أنجزها تلميذ هايدغر (هنري كوربن) وهي ترجمات تتجلى فيها بصمة فهم كوربن، وتكوينه، وأفق انتظاره، وتخصصه بالفلسفة والعرفان والميراث المعنوي الإيراني الإسلامي. يشبّه كوربن منهج هايدغر بالأداة المفتاحية التي اعتمدها في حلّ مغاليق الميتافيزيقيا الإيرانية الإسلامية. ويمكن ملاحظة أثر تطبيق هيرمنيوطيقا هايدغر ومنهجه في آثار كوربن ومقدماته على بعض كتب التراث الفلسفي والعرفاني، كما في مقدمته على رسالة (المشاعر) لملا صدرا الشيرازي».
لذا؛ فإن السقاية العرفانية في تأويل هيدغر أتت من تأثر فرديد العميق به، بل امتد كما يضيف مبحث الرفاعي «إلى توظيف فرديد لهرمنوطيقا هايدغر في صياغة ما يسميه الحكمة الإنسانية، ويصرح فرديد في مناسباتٍ متعددة بوحدة خطابه مع هايدغر واستناده إلى منهجه ومنطقه الهرمنوطيقي في تفكيره».
لم يكتفِ فرديد بسحب هيدغر معه في التأويل العرفاني، بل «بعد انتصار الثورة الإيرانية حرص فرديد على ابتكار تفسير ثوري إسلامي لهايدغر، يطابق أفكاره مع الجمهورية الإسلامية»، كما أفصح عن ذلك بقوله «فسّرت هايدغر بالإسلام. إنه المفكر الوحيد الذي ينسجم مع الجمهورية الإسلامية، يتّحد قولي مع هايدغر، حيال ظهور النهضة، لا تناقض مع تفكير هايدغر، وتلك هي الثورة الإسلامية. تفكير هايدغر قريب جداً للثورة الإسلامية» ولفرط تبجيل فرديد لهايدغر منحه مرتبة ملكوتية لا ينالها سوى العرفاء، يقول فرديد «إن هايدغر في مرتبة الواعي الذاتي، وصل من قرب النوافل إلى قرب الفرائض».
كنتُ قارنتُ قبل قراءة بحث الرفاعي بين طرح طه عبد الرحمن وفرديد، وسعدتُ بوقع الحافر على الحافر مع الرفاعي، حيث عنون أحد فصول البحث بـ «غواية اللغة وإبهامها» ثم يفصّل «يختبئ بعض المفكرين وراء الألفاظ، فيشتقّون مصطلحاتٍ بالعودة إلى جذورها اللغوية، أو يزاجون ويركبون مصطلحاتٍ أخرى باستعارتها من معجمٍ تراثي، ويسقطونها على مفهومٍ مستعار من الفلسفة والعلوم الإنسانية الغربية الحديثة والراهنة... لعل غواية وإبهام اللغة الفرديدية تماثل غواية وإبهام لغة المفكر المغربي طه عبد الرحمن، الذي يعمد إلى نحت مصطلحاتٍ بديلة لما هو شائع ومتعارف بالعربية، فيخلع تلك المصطلحات التي صاغها في أفق فلسفة اللغة والمنطق الحديث، على محاولاته في إعادة إنتاج التراث، ويلوّن بها آراءه ومواقفه السلفية المغلقة، ليصطاد الكثير من الشباب الإسلاميين المسكونين بالحنين إلى الأصول».
إن فرديد وظاهرته تعبّر عن ظاهرة «التفلسف الأصولي» لدى عددٍ من المفكرين المسلمين في المشرق والمغرب وإيران وغيرها، وجد أولئك أن الفلسفة ضرورية لتكرير «الآيديولوجيا» وتحويرها لجعلها أكثر انسجاماً مع رؤى التنمية التي تجترحها الحكومات الصاعدة، فيميلون نحو هذه الوسيلة للذوبان مع المشاريع، بعضهم نعرفهم جيداً دخلوا وتسللوا وهم في جذرهم الفكري العميق منتمون إلى «الإخوان» المسلمين، ولظاهرة الأصولية، لكنهم يجدون بثرثرتهم حول العلوم الطبيعية والفلسفة وسيلة لضخ الآيديولوجيا، وهم يتهادون نحو رؤى الأصوليين ومشاريعهم ولكنهم بأشكالٍ حديثة، وبمفرداتٍ جديدة، والفلسفة غنية بالمفردات والمفاهيم فيجدون بمدوناتها «الغطاء الحضاري» للمشروع الأصولي.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

فرديد الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية فرديد الانتصار بهيدغر للجمهورية الإسلامية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 12:35 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024
  مصر اليوم - أفضل 10 وجهات سياحية شبابية الأكثر زيارة في 2024

GMT 12:26 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف
  مصر اليوم - نصائح لاختيار قطع الأثاث للغرف متعددة الوظائف

GMT 17:17 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب
  مصر اليوم - الشرع يبحث مع فيدان في دمشق مخاوف أنقرة من الإرهاب

GMT 22:45 2024 الأحد ,22 كانون الأول / ديسمبر

زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية
  مصر اليوم - زينة تستعد للمشاركة في الدراما التركية

GMT 07:12 2024 الجمعة ,13 كانون الأول / ديسمبر

فينيسيوس الأفضل في العالم لأول مرة وهذا ترتيب ميسي وصلاح

GMT 15:43 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2019 الإثنين ,09 كانون الأول / ديسمبر

إيهاب جلال يطمئن على فريد شوقي بعد تحسن حالته

GMT 16:26 2019 الأحد ,10 آذار/ مارس

سيدة كل العصور

GMT 06:37 2018 الثلاثاء ,28 آب / أغسطس

تعرف على سعرالمانجو في سوق العبور الثلاثاء

GMT 01:04 2018 الثلاثاء ,01 أيار / مايو

وداع أندريس إنييستا يخيم على احتفالات برشلونة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon