توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«مؤشر الفتيا»... ضرورة القراءة النقدية

  مصر اليوم -

«مؤشر الفتيا» ضرورة القراءة النقدية

بقلم : فهد سليمان الشقيران

من المعروف لدى المتخصصين في الشريعة وأصول الفقه أن الفتوى تعني بيان الحكم في ظرفين: زماني، ومكاني؛ ولا بد للفُتيا أن تتطوّر تبعاً لنمو وعي الناس، وتغيُّر جغرافيتهم، وتعدد نوازلهم، لذلك عدّ المعاصرون المسائل التي تنزل على الناس من دون سابق إنذارٍ فيشعرون بالخوف من الحكم بها، من «فقه النوازل»، وهذا كتب عنه عضو هيئة كبار العلماء الراحل بكر أبو زيد. والمفتي يبيّن الحكم الذي يُسأل عنه، ولا يتدخل في كل صغيرة وكبيرة، فثمة أصل لا يمكن العدوان عليه في الشريعة، إذ أُسس الدين الإسلامي على أن الأصل في الدنيا وما حوته الإباحة إلا ما ورد بتحريمه نص، كما أن الأصل بالعبادات وممارستها المنع إلا ما ورد في تشريعه، فالحياة تجري، والدين ثابت. وحين تُستغل الفتوى للتسييس والحشد والتأليب تتحول إلى خطاب سياسي وتصير خارج الوظيفة الفقهية والمعنى التشريعي، ولذلك كان لزاماً على المؤسسات الدينية أن تفحص عملها وأن تراجع وتنتقد وتفحص.
دار الإفتاء المصرية اقتربت من فحص الخلل، حين درست حال الفُتيا في العالم الإسلامي وبخاصة لدى الجماعات المتطرفة، فقد أصدرت في ثلاثة مجلدات «المؤشر العالمي للفتوى» (Global fatwa index) من (2018) إلى (2021) تحت إشراف شوقي علام، والمؤشر لم يُطبع للعموم وإنما نُسخُه خُصصت لصناع القرار. فهو يدرس مؤشر الفتوى على 24 دولة، واعتمد في تحليلها على مليونين وستمائة ألف فتوى، وقد قدّم لها قراءة مهمة الأكاديمي المصري حسين القاضي، نشرها مركز «المسبار للدراسات والبحوث»، وسأعرض ما كتبه حول المؤشر في هذه المقالة من أجل تبيان استغلال الفتوى ومصيرها. لقد قصّرت المؤسسات عن تطوير نفسها مقابل نمو العمل الحكومي، مما جعلها إما عبئاً على الحكومات وإما محل تململ من المجتمعات، والأخطر أن المؤسسات المنتمية إلى الإسلام السياسي أكثر نمواً من المؤسسات الدينية وذلك لضعف النظرية الدنيوية لدى المنظّر الفقهي، مما جعله خارج سياق التطوّر، ولذلك عليه ألا يغضب حين تتجاوزه الحكومات وتعد نشاطه غير فاعل ولا مفيد.
في قراءة القاضي فإن المؤشر يرصد فتاوى التنظيمات الإرهابية: «فبدايةً من عام 2018، على الرغم من أن تنظيم (القاعدة) استمر في تراجعه الحركي وبقائه في أوضاعه المتدهورة منذ سنوات، فإنه كان من أكثر التنظيمات كثافة في الفتاوى التي يصدرها في ظل وجود عدد من منظّريه النشطين، وعلى رأسهم زعيم (القاعدة)، أيمن الظواهري، الذي تراجع ظهوره في الأعوام الأخيرة، وندر في عام 2021، حيث لم يظهر إلا مرة واحدة. كما أن القيادي أبا قتادة الفلسطيني الذي كان يعمد لإطلاق الفتاوى الاجتماعية عبر برنامجه الإفتائي، الذي كان يتلقى خلاله تساؤلات المستفتين اختفى بين عامي 2019 و2020 بسبب التضييق على النشاط الإلكتروني للتنظيمات الإرهابية، ليعود عام 2021 بصورة محدودة جداً، مقدماً سلسلة حلقات رمضانية بعنوان (في ظلال الأخلاق)».
أما عن مؤشر فتاوى تنظيم «داعش» فيضيف القاضي: «كشف المؤشر أن الكثافة الإفتائية الأكبر من الفتاوى القتالية لتنظيم (داعش) كانت بين عامي 2018 و2019، وكانت النسبة الأكبر في 2018، ثم بدأت في التراجع التدريجي لتصل لأقل نسبة لها عام 2020، ثم عادت للارتفاع مرة أخرى خلال النصف الأول من عام 2021. تفسير هذه الحالة من الصعود والهبوط يعود إلى أن عامي 2018 و2019 مثَّلا حالتي نقيض، ففي عام 2018 كانت أوضاع التنظيم مستقرة، ولا يزال يتمتع بالقوة، وتالياً استغل هذه الحالة في التحريض على تكثيف عملياته الإرهابية من خلال إطلاق الفتاوى القتالية، بعكس عام 2019 الذي يُعد العام الأصعب للتنظيم بسبب خسائره، ومقتل زعيمه؛ لذلك اهتم بتكثيف الفتاوى القتالية حفاظاً على بقائه ومنع تفككه. فيما جاء التراجع الطفيف لهذه الفتاوى خلال عام 2020 إلى استمرار معاناة التنظيم من الهزيمة ومحاولته استغلال جائحة (كورونا) للعودة إلى الساحة، ولم يكن التنظيم بقوته السابقة نفسها، ليعود التنظيم مرة أخرى لتكثيف هذه الفتاوى خلال عام 2021 بعد استقرار قيادته الجديدة بزعامة أبي إبراهيم القرشي والبحث عن مناطق جديدة للتمدد مثل أفريقيا وآسيا، والسعي نحو تهريب سجناء التنظيم».
ماذا عن «القاعدة»؟!
يقول القاضي قارئاً للمؤشر: «بعكس تنظيم (داعش) اتخذت الفتاوى لدى تنظيم (القاعدة) شكلاً تصاعدياً انتقل من التراجع إلى التزايد التدريجي؛ بل اتخذ شكلاً أكثر عنفاً من حيث مضمون الفتاوى التحريضية على مدى سنوات، ليصل لحد التحريض على انتهاج نهج (الذئاب المنفردة) بدايةً من 2020 حتى 2021، فخلال 2020 استغل التنظيم تراجع تنظيم (داعش) وهزيمته في محاولة العودة للظهور والتحريض ضده، وبيَّن المؤشر أن الفتاوى القتالية لدى تنظيم (القاعدة في الجزيرة العربية) أخذت منحى تنازلياً، فكان التنظيم أكثر نشاطاً وبروزاً خلال عامي 2018 و2019، وعُدَّ منافسا قوياً لتنظيم (داعش) في اليمن، حتى تعرض للاختراق الداخلي خلال عام 2019، وكانت نهايته بمقتل زعيمه قاسم الريمي الذي يُعرف بأبي هريرة الصنعاني مطلع 2020، ليصل التنظيم إلى أقل معدل له في الفتاوى عموماً، وللفتاوى القتالية التي يركز عليها التنظيم خصوصاً، وتَعمّق هذا التراجع باختفاء زعيمه الجديد خالد باطرفي منذ منتصف 2020 وسط أنباء عن اعتقاله أو مقتله، ليحاول التنظيم خلال عام 2021 العودة الطفيفة مرة أخرى، في ظل عودة ظهور محدود وإعادة نشر الفتاوى الجهادية للزعيم السابق (الريمي)».
أما جماعة «الإخوان» ففتاواها كانت «للتأليب ضد الحكومات العربية والإسلامية التي تعارضها: وهي الفتاوى التي بلغت نسبة مرتفعة - إلى حد كبير - من إجمالي فتاوى الجماعة خلال فترة الدراسة (35%) التي رصدها المؤشر، حيث تعمد هذه الفتاوى للتشكيك الدائم في الحكومات العربية والإسلامية التي تحاول معارضة أفكار الجماعة، باتهامها بالخيانة، وموالاة الأعداء، وعدم الأمانة في مراعاة مصالح وأحوال شؤون الشعوب والظلم، وذلك بهدف إسقاط هذه الحكومات وتشويهها تحقيقاً للفوضى والتخريب».
في هذا المؤشر، وبعرض استثمار الفُتيا لدى ثلاثة تنظيماتٍ أساسية في العالم الإسلامي وهي أكبر المنظمات الإرهابية نشاطاً، نعثر على تركيز متصاعد للفُتيا من أجل التغلغل في المجتمعات الإسلامية. صحيح أن المؤشر صادر عن دار الإفتاء، ولكن لا بد أن يصدر مثل هذا الجهد لمراجعة التقصير لدى المؤسسات الدينية الرسمية لمعرفة سبب تفوق جماعة «الإخوان» مثلاً على بعض المؤسسات الدينية الأخرى.. هل هذا صعب؟! لا أعتقد، يمكن دراسة ذلك والاستفادة من الأخطاء الكارثية ربما.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«مؤشر الفتيا» ضرورة القراءة النقدية «مؤشر الفتيا» ضرورة القراءة النقدية



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon