صدر عن الكنيست الإسرائيلي، يوم 19 يوليو الماضي، قانون، يسمى قانون القومية، والذى يتضمن أو يؤسس لجعل دولة الكيان الصهيونى (إسرائيل)، دولة دينية يهودية خالصة. وقد نجح التيار اليمينى المتشدد فى تمرير القانون بعدد (61) صوتًا من إجمالى أعضاء الكنيست (120)، أى بنسبة 50% زائد واحد وهى أغلبية محدودة، الأمر الذى يشير إلى وجود خلافات تصل إلى حد الصراعات بين أطراف العملية السياسية فى داخل الكيان الصهيوني.
وبمقتضى هذا القانون، سوف تكون دولة الكيان الصهيونى مقصورة على مقتضى الديانة اليهودية، أى اليهود فقط! وهو من ثم قرار عنصرى بامتياز.
وقد أحدث هذا القانون، ردود فعل واسعة النطاق، على المستوى العالمي، ولم يصدر عن أى دولة كبرى باستثناء إدارة ترامب الأمريكية، أى تصريحات رسمية تؤيد هذا القانون، أو تعترف به، لخطورة ذلك على الغرب قبل الشرق، ناهيك عن أن تأثيراته على المنطقة العربية والشرق الأوسط، ستكون سلبية إلى أبعد حد.
ولاشك أن المتتبع لشأن الصراع العربى الصهيوني، وتطوراته، يعرف تمامًا أن ما صدر عن الكنيست أخيرا، هو ترجمة لتجهيزات سابقة كانت تؤكد ضرورة تحقيق حلم اليهود فى إنشاء دولة يهودية خالصة، تجمع شتات يهود العالم، تجسيدًا لإرادة الرب عند اليهود الصهاينة، وهى فكرة دينية تم الترويج لها، لتمكين الاستعمار الغربى من الاستمرار فى السيطرة على مقدرات المنطقة العربية.
وقد كان الزعيم جمال عبد الناصر (قائد ثورة 23 يوليو 1952)، كثيرا ما يؤكد فى خطبه العديدة، فكرة استمرارية الاستعمار، قائلاً، أن الاستعمار قد يرحل من الباب، ويأتى عبر الشبابيك. ويقصد ناصر بذلك، أن عودة الاستعمار تأتى عبر فكرة التبعية والخيارات الاقتصادية الرأسمالية، ويستمر الاستعمار من خلال تلك الشوكة التى زرعها الاستعمار فى ظهر المنطقة العربية وهى ذلك الكيان الصهيونى المسمى بإسرائيل، ليحول دون تحقيق الوحدة العربية.
أى إن لإسرائيل، وظيفة استعمارية لا تخفى على أحد، يستهدف الاستعمار من وجودها، استنزاف موارد ومقدرات المنطقة فى صراع طويل، يتم من خلاله التلاعب بالنخب التابعين للفكر الاستعمارى الغربي.
ولذلك فإن المنطقة منذ أن زرع الاستعمار، ذلك الكيان الصهيونى فى قلبها عام (1948)، لم تحقق أى تقدم، بفعل المؤامرات الاستعمارية المستمرة، ولنا فيما حدث من نكسة 1967م المفجعة، لوأد نجاح تجربة النمو الاقتصادى المستقلة فى مصر، وسعيًا نحو وأد المشروع الناصري. وكذلك حدث فى العراق 2003م، وكاد يحدث فى سوريا لولا تفاعل الشعب والجيش والقيادة، لتنتصر سوريا، ويتم وأد المؤامرة الاستعمارية الغربية.
وعلينا أن ندرك إذن أن ما حدث خطير، ولايزال الكثيرون غير مدركين لتداعيات ذلك القرار مستقبلاً، ومازالت الأمور تسير فى مشروعات التطبيع العربى مع الكيان الصهيوني، تحت الضغوط الأمريكية المباشرة نتيجة غطرسة الرئيس الأمريكى ترامب.
فذاك الرئيس قال وفعل، حيث قرر الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، وكذلك نقل السفارة الأمريكية من تل أبيب إلى القدس، وفى ذكرى النكبة السبعين فى 15 مايو 2018م، تم عمل احتفال رسمى لوضع حجر الأساس للسفارة الأمريكية فى القدس، مؤكدًا عدم مبالاته بردود الفعل العربية والإسلامية، وكذلك مؤكدًا استمرارية المشروع الاستعمارى للمنطقة، وتأكيدا للمؤامرة الغربية المستمرة على المنطقة.
ولعل الذين يرفضون نظرية المؤامرة، أن يشرحوا لنا ما يحدث خارج نطاق المؤامرة الاستعمارية المستمرة!! كما أن هذا القرار، قد يولد صراعًا داخل الكيان الصهيوني، قد يهلك هذا الكيان، كما حدث فى جنوب إفريقيا وذلك الصراع الذى نشب بفعل سياسات الأبارتهايد التى تعنى الفصل العنصري، وهى ذات السياسات التى تتبعها إسرائيل فى مواجهة العرب والفلسطينيين خاصة المسلمين والمسيحيين (غير اليهود).
فما الذى ستفعله إسرائيل مع هؤلاء، عندما يتم تنفيذ هذا القانون العنصري؟ وما هى ردود أفعال غير اليهود المقيمين فى داخل إسرائيل؟! وهى تساؤلات تحتاج إلى إجابات ستحسمها الأيام المقبلة.
وختامًا أقول: إن هذا القانون قد يولد الصراعات داخل الكيان الصهيوني، الأمر الذى قد يسهم فى تدمير إسرائيل، وما لهذا من تداعيات على مستقبل الصراع العربى الصهيوني، ومن ثم تسقط دعاوى صفقة القرن وغيرها.
نقلاً عن الأهرام القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع