بقلم : محمد زهران
عندما أقابل شخصا لأول مرة ويسألنى عن تخصصى وأخبره أننى متخصص فى تصميم الحاسبات فإنه يبدأ بسؤالى عن الذكاء الاصطناعى، طبعا إذا تغاضينا عن الأسئلة من نوعية «أريد شراء لابتوب بماذا تنصحنى؟». أى إن الشخص افترض أننى طالما لى علاقة بالكمبيوتر فلابد أننى أعمل فى مجال الذكاء الاصطناعى، لماذا؟ لأن الذكاء الاصطناعى أصبح «موضة» العالم هذه الأيام والاهتمام به فى الجامعات والشركات، بل والمدارس أصبح كبيرا إذا فكل متخصص فى الكمبيوتر، بل وفى أى تخصص يقترب ولو من بعيد من الكمبيوتر مثل الالكترونيات والاتصالات لابد أن يكون متخصصا فى الذكاء الاصطناعى. فى مقالنا اليوم نود أن نناقش أمر الموضة العلمية والتكنولوجية ومتى نسير وراءها ومتى لا نسير.
الموضة هى انتشار شىء ما فى أماكن كثيرة من العالم حتى أنك تشعر بالتخلف إذا لم تسر وراءه، هذا التعريف خطير لأنه قد يجعلك تختار شيئا غير مناسب لك تدفع تكلفته لكن لا تستفيد منه شيئا أو تكون الاستفادة أقل كثيرا من التكلفة. الأمر طبعا مختلف عندما نتكلم عن التكنولوجيا وليس الأزياء مثلا، تكلمنا فى مقال سابق عن الظروف التى تجعل استخدام أحدث تكنولوجيا شيئا مهما والظروف التى تحتم العكس، الأمر فى الذكاء الاصطناعى مختلف لأن هذه التكنولوجيا لها استخدامات عدة بعضها قد نحتاجه الآن وبعضه نستطيع العيش بدونه لفترة والثالث قد لا نحتاجه أبدا، كيف نعرف الفرق؟
حتى نعرف ما يجب أن نفعله يجب أن نختار الخبير المناسب للإجابة عن الأسئلة التى نريدها، بالنسبة للتكنولوجيا أو العلوم التطبيقية وما يتفرع منها من تكنولوجيات عندنا ثلاثة أنواع من الخبراء. النوع الأول هو الخبير الأكاديمى وهو من يعرف نظريات هذا العلم أو هذه التكنولوجيا وكيف جاءت وما هو مستقبلها إلخ، النوع الثانى هو الخبير بتطبيق هذه التكنولوجيا فى مختلف مجالات الحياة، أما الخبير الثالث فهو من يعرف تأثير تطبيق هذه التكنولوجيا على الناس والاقتصاد وباقى مناحى الحياة. مثلا هناك الخبير فى نظريات الذكاء الاصطناعى وأنواع الشبكة العصبية وطرق تعليم الآلة (machine learning) وما شابه، وهناك من يستخدم ذلك فى قطاع الصحة والأمن والتخطيط إلخ، وهناك من يدرس أثر استخدام ذلك على معدلات البطالة واقتصاد الدولة وحياة الناس. طبعا قد تجد الخبير فى أكثر من مجال لكن من المهم جدا أن نعرف الخبرة التى نريدها قبل أن نختار خبيرا لنسأله. مثلا لا تختر متخصصا فى علوم الكمبيوتر وكفى لأنه قد لا يكون خبيرا فى الذكاء الاصطناعى لكن فى فرع آخر من فروع هندسة وعلوم الكمبيوتر، قد تقول «لكنه أكيد يعرف الذكاء الاصطناعى»، هذا صحيح لكن لا تنس أننا نتحدث عن خبير وليس مجرد شخص يعرف شيئا عن الذكاء الاصطناعى، أيضا لا تختر خبيرا تبعا لمنصبه الإدارى لأن رئيس قسم أو عميد كلية أو رئيس جامعة لا يعنى أبدا أنه أكثر خبرة من الأساتذة فى القسم، بل قد يعنى فى الغالب العكس لأنه اختار طريق الإدارة والتى تترك له وقتا أقل للبحث العلمى. أما وقد عرفنا ما نحتاجه فى الذكاء الاصطناعى عندنا وأتينا بالخبراء فهل نركز كل جهود أقسام علوم الحاسب وهندسة الحاسبات فى الذكاء الاصطناعى؟ سيكون هذا خطأ قاتلا.
ما لا يصح الواجب إلا به فهو واجب، لو سلمنا أننا نحتاج بعض تطبيقات الذكاء الاصطناعى عندنا فى مصر فماذا نحتاج بالضبط؟ سنحتاج كوادر خبيرة فى نظريات الذكاء الاصطناعى وعلى الأخص تعليم الآلة بتفريعاتها وكوادر خبيرة فى استخدام وتطبيق تلك النظريات فى المجالات ذات الأهمية الاستراتيجية لمصر وكوادر خبيرة فى دراسة التأثير الاقتصادى والاجتماعى لهذه التطبيقات، هذا كله مهم لكنه لا يكفى. سنحتاج كوادر خبيرة فى تصميم الحاسبات سواء الصغيرة أو فائقة السرعة لمعرفة أفضل الحاسبات لكل تطبيق وسنحتاج خبراء فى أمن المعلومات لضمان الاستخدام الأمثل للمعلومات التى ستستخدم فى تعليم الآلة إلخ وسنحتاج خبراء لتجميع وتنقيح المعلومات التى ستستخدم فى تعليم الآلة حيث إننا فى عصر المعلومات الغفيرة ويجب أن ننقح المعلومات قبل استخدامها. إذا لا يجب التركيز فقط على نوع واحد من المعارف لأن الانتقال من النظرية إلى التطبيق يحتاج جيشا من الخبراء فى مجالات عدة قد تبدو للوهلة الأولى بعيدة عن التخصص الأساسى وهى ليست كذلك.
لكل تكنولوجيا جديدة يجب أن نعرف ما نحتاجه منها وأن نعرف المجالات التى نحتاجها لخدمة هذا المجال ونستعين بالخبراء المناسبين لكل فرع نحتاجه ونحن فى مصر عندنا خبراء فى مختلف المجالات وبمستويات عالمية.