توقيت القاهرة المحلي 05:19:37 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشكلة التكنولوجيات الحديثة

  مصر اليوم -

مشكلة التكنولوجيات الحديثة

بقلم : محمد زهران

منذ أكثر من عشر سنوات والمنافسة محتدمة بين الصين وأمريكا حول الوصول إلى كمبيوتر فائق السرعة تصل سرعة إلى ما يسمى اكزاسكيل (exascale)، اليابان تنظر للمنافسة من المركز الثالث ودول الاتحاد الأوروبى تنظر من بعيد، هذا الاسم المعقد للكمبيوتر فائق السرعة معناه أن هذا الجهاز يمكنه عمل (واحد وبجانبه ثمانية عشر صفر) عملية حسابية فى الثانية الواحدة. الوصول لهذه السرعة معناه نظم محاكاة وتحليل قوية جدا بإمكانها عمل قفزات واسعة فى الطب وفى التأمين والتشفير وفى تصنيع الأسلحة إلخ. كانت المشكلة التى تواجه الدول أن جهازا بهذه السرعة يحتاج كما مهولا من الطاقة، وحيث أن الممول الرئيسى لهذه النوعية من الأجهزة فى أمريكا هى وزارة الطاقة فإن المطلوب هو الوصول لتلك السرعة وعدم استهلاك طاقة أكبر من قدر معين حددته الوزارة. هذا طبعا وضع الشركات ومعامل الأبحاث فى مأزق علمى، واستمرت الأبحاث العلمية سنوات طويلة. الصين أيضا كانت تواجه نفس المشكلة لأن استهلاك طاقة كبيرة له تأثير سيئ اقتصاديا وبيئيا أيضا. المهم أنه فى مايو من هذا العام نجحت أمريكا فى تصنيع هذا الجهاز وأسمته (Frontier) وتركيبه فى معامل (ORNL) المملوكة لوزارة الطاقة الأمريكية وبتكلفة تخطت النصف مليار دولار. السؤال هنا: إذا افترضنا جدلا أن أمريكا أعطتنا فى مصر هذا الجهاز هدية فهل نقبله؟ وهل سنستفيد منه؟ قبل أن تقفز عزيزى القارئ إلى الإجابة بنعم دعنا نحلل الموقف.
جهاز مثل هذا يحتاج إلى كم كبير من الطاقة حتى مع التصميم الجديد الذى قلل من استهلاكه للطاقة، لنقل إنه يحتاج طاقة تكافئ حيا صغيرا فى القاهرة، فهل نحن على استعداد لدفع تلك التكلفة؟ الاستفادة من هذا الجهاز تستلزم كتابة برمجيات بطريقة مختلفة تماما عما يتم تدريسه فى جامعاتنا، ما يتم تدريسه هو فقط المبادئ والقشور لهذه النوعية من البرمجة. هذه النوعية من الأجهزة تحتاج إلى صيانة مستمرة، فهل نحن على استعداد وعندنا القدرة على ذلك؟ وأخيرا وليس آخرا هل عندنا مشكلات تحتاج فى حلها إلى جهاز بهذا الحجم والتكلفة فى الصيانة والطاقة إلخ؟
ما أردت قوله إننا لا يجب أن نحاول الحصول على أحدث التكنولوجيات بدون تفكير لأن النتيجة قد تكون تكلفة كبيرة على خزانة الدولة دون عائد حقيقى. لكن هنا يأتى سؤال مهم: ماذا يجب أن نفع حيال هذه النوعية من التكنولوجيات الحديثة جدا؟ الإجابة أننا يجب أن نستعد لها، كيف؟
نستطيع الحصول على جهاز أصغر وأرخص لكن يعتمد على نفس الطريقة فى البرمجة، بل يمكن تجميعه عندنا فى مصر بتكاليف أقل، ثم نبدأ بتدريب طلبة الهندسة والحاسبات على برمجته وعقد مسابقات بينهم لاكتشاف تلك المواهب. الخطوة الثانية هى تنمية تلك المواهب وتكليفهم باستخدام هذا الجهاز لحل (أو محاولة حل) بعض المشكلات التى نحتاج إلى حلها فى مصر مثل الصناعات الدوائية وتطبيقات للذكاء الاصطناعى فى مجالات عديدة وبناء نظم محاكاة للطرق والمرور وتصميم أجهزة إلخ. هذا من ناحية البرمجة. الباحثون فى مجال تصميم لغات البرمجة يمكنهم دراسة، بل وابتكار لغات برمجة جديدة مبتكرة لهذه النوعية من الأجهزة. الباحثون فى مجال تصميم الحاسبات يمكنهم دراسة وتجربة وسائل تطوير هذا الجهاز ليكون أسرع ويستخدم طاقة أقل ويصاب بأعطال أقل ويصعب اختراقه. بعد عدة سنوات سنكون مستعدين للحصول على جهاز مثل الذى ذكرناه أعلاه، بل وبناء ما يقاربه.
التعاطى مع أحدث التكنولوجيات يجب أن ينبع من عدة محاور: هل نحتاج تلك التكنولوجيا الحديثة جدا فى بلادنا الآن؟ هل نستطيع التعامل معها لحل مشكلات ملحة عندنا؟ هل نملك ثمنها وثمن صيانتها؟ هل عدم استخدام تلك التكنولوجيا (أو التأخير فى استخدامها) سيكون له تأثير على علاقتنا بالعالم الخارجى؟ مثلا إذا كنا تأخرنا فى استخدام التكنولوجيا الرقمية سيكون تبادل البيانات والتعامل الخارجى، بل والداخلى أبطأ بكثير. هل لهذه التكنولوجيا تبعات اجتماعية يجب أن نكون مستعدين لها؟ مثلا السيارات ذاتية القيادة (عندما تصبح جاهزة للاستخدام على نطاق واسع) تعنى أن مهنة القيادة ستتقلص بشدة، فهل نحن جاهزون لذلك؟
الإجابة على تلك الأسئلة سيحدد متى يجب أن نستخدم تكنولوجيا جديدة ومتى يجب أن نتمهل، لكن فى كل الأحوال يجب أن نكون مستعدين لها كما أسلفنا القول. عندنا فى مصر مواهب ضخمة فيما يتعلق بالعلم والتكنولوجيا، حسن توجيه تلك المواهب سيجعلنا مصدرا للتكنولوجيا وليس فقط مستخدمين لها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة التكنولوجيات الحديثة مشكلة التكنولوجيات الحديثة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon