توقيت القاهرة المحلي 12:33:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشكلة التكنولوجيات الحديثة

  مصر اليوم -

مشكلة التكنولوجيات الحديثة

بقلم : محمد زهران

منذ أكثر من عشر سنوات والمنافسة محتدمة بين الصين وأمريكا حول الوصول إلى كمبيوتر فائق السرعة تصل سرعة إلى ما يسمى اكزاسكيل (exascale)، اليابان تنظر للمنافسة من المركز الثالث ودول الاتحاد الأوروبى تنظر من بعيد، هذا الاسم المعقد للكمبيوتر فائق السرعة معناه أن هذا الجهاز يمكنه عمل (واحد وبجانبه ثمانية عشر صفر) عملية حسابية فى الثانية الواحدة. الوصول لهذه السرعة معناه نظم محاكاة وتحليل قوية جدا بإمكانها عمل قفزات واسعة فى الطب وفى التأمين والتشفير وفى تصنيع الأسلحة إلخ. كانت المشكلة التى تواجه الدول أن جهازا بهذه السرعة يحتاج كما مهولا من الطاقة، وحيث أن الممول الرئيسى لهذه النوعية من الأجهزة فى أمريكا هى وزارة الطاقة فإن المطلوب هو الوصول لتلك السرعة وعدم استهلاك طاقة أكبر من قدر معين حددته الوزارة. هذا طبعا وضع الشركات ومعامل الأبحاث فى مأزق علمى، واستمرت الأبحاث العلمية سنوات طويلة. الصين أيضا كانت تواجه نفس المشكلة لأن استهلاك طاقة كبيرة له تأثير سيئ اقتصاديا وبيئيا أيضا. المهم أنه فى مايو من هذا العام نجحت أمريكا فى تصنيع هذا الجهاز وأسمته (Frontier) وتركيبه فى معامل (ORNL) المملوكة لوزارة الطاقة الأمريكية وبتكلفة تخطت النصف مليار دولار. السؤال هنا: إذا افترضنا جدلا أن أمريكا أعطتنا فى مصر هذا الجهاز هدية فهل نقبله؟ وهل سنستفيد منه؟ قبل أن تقفز عزيزى القارئ إلى الإجابة بنعم دعنا نحلل الموقف.
جهاز مثل هذا يحتاج إلى كم كبير من الطاقة حتى مع التصميم الجديد الذى قلل من استهلاكه للطاقة، لنقل إنه يحتاج طاقة تكافئ حيا صغيرا فى القاهرة، فهل نحن على استعداد لدفع تلك التكلفة؟ الاستفادة من هذا الجهاز تستلزم كتابة برمجيات بطريقة مختلفة تماما عما يتم تدريسه فى جامعاتنا، ما يتم تدريسه هو فقط المبادئ والقشور لهذه النوعية من البرمجة. هذه النوعية من الأجهزة تحتاج إلى صيانة مستمرة، فهل نحن على استعداد وعندنا القدرة على ذلك؟ وأخيرا وليس آخرا هل عندنا مشكلات تحتاج فى حلها إلى جهاز بهذا الحجم والتكلفة فى الصيانة والطاقة إلخ؟
ما أردت قوله إننا لا يجب أن نحاول الحصول على أحدث التكنولوجيات بدون تفكير لأن النتيجة قد تكون تكلفة كبيرة على خزانة الدولة دون عائد حقيقى. لكن هنا يأتى سؤال مهم: ماذا يجب أن نفع حيال هذه النوعية من التكنولوجيات الحديثة جدا؟ الإجابة أننا يجب أن نستعد لها، كيف؟
نستطيع الحصول على جهاز أصغر وأرخص لكن يعتمد على نفس الطريقة فى البرمجة، بل يمكن تجميعه عندنا فى مصر بتكاليف أقل، ثم نبدأ بتدريب طلبة الهندسة والحاسبات على برمجته وعقد مسابقات بينهم لاكتشاف تلك المواهب. الخطوة الثانية هى تنمية تلك المواهب وتكليفهم باستخدام هذا الجهاز لحل (أو محاولة حل) بعض المشكلات التى نحتاج إلى حلها فى مصر مثل الصناعات الدوائية وتطبيقات للذكاء الاصطناعى فى مجالات عديدة وبناء نظم محاكاة للطرق والمرور وتصميم أجهزة إلخ. هذا من ناحية البرمجة. الباحثون فى مجال تصميم لغات البرمجة يمكنهم دراسة، بل وابتكار لغات برمجة جديدة مبتكرة لهذه النوعية من الأجهزة. الباحثون فى مجال تصميم الحاسبات يمكنهم دراسة وتجربة وسائل تطوير هذا الجهاز ليكون أسرع ويستخدم طاقة أقل ويصاب بأعطال أقل ويصعب اختراقه. بعد عدة سنوات سنكون مستعدين للحصول على جهاز مثل الذى ذكرناه أعلاه، بل وبناء ما يقاربه.
التعاطى مع أحدث التكنولوجيات يجب أن ينبع من عدة محاور: هل نحتاج تلك التكنولوجيا الحديثة جدا فى بلادنا الآن؟ هل نستطيع التعامل معها لحل مشكلات ملحة عندنا؟ هل نملك ثمنها وثمن صيانتها؟ هل عدم استخدام تلك التكنولوجيا (أو التأخير فى استخدامها) سيكون له تأثير على علاقتنا بالعالم الخارجى؟ مثلا إذا كنا تأخرنا فى استخدام التكنولوجيا الرقمية سيكون تبادل البيانات والتعامل الخارجى، بل والداخلى أبطأ بكثير. هل لهذه التكنولوجيا تبعات اجتماعية يجب أن نكون مستعدين لها؟ مثلا السيارات ذاتية القيادة (عندما تصبح جاهزة للاستخدام على نطاق واسع) تعنى أن مهنة القيادة ستتقلص بشدة، فهل نحن جاهزون لذلك؟
الإجابة على تلك الأسئلة سيحدد متى يجب أن نستخدم تكنولوجيا جديدة ومتى يجب أن نتمهل، لكن فى كل الأحوال يجب أن نكون مستعدين لها كما أسلفنا القول. عندنا فى مصر مواهب ضخمة فيما يتعلق بالعلم والتكنولوجيا، حسن توجيه تلك المواهب سيجعلنا مصدرا للتكنولوجيا وليس فقط مستخدمين لها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة التكنولوجيات الحديثة مشكلة التكنولوجيات الحديثة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon