توقيت القاهرة المحلي 10:46:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشكلة التكنولوجيات الحديثة

  مصر اليوم -

مشكلة التكنولوجيات الحديثة

بقلم : محمد زهران

منذ أكثر من عشر سنوات والمنافسة محتدمة بين الصين وأمريكا حول الوصول إلى كمبيوتر فائق السرعة تصل سرعة إلى ما يسمى اكزاسكيل (exascale)، اليابان تنظر للمنافسة من المركز الثالث ودول الاتحاد الأوروبى تنظر من بعيد، هذا الاسم المعقد للكمبيوتر فائق السرعة معناه أن هذا الجهاز يمكنه عمل (واحد وبجانبه ثمانية عشر صفر) عملية حسابية فى الثانية الواحدة. الوصول لهذه السرعة معناه نظم محاكاة وتحليل قوية جدا بإمكانها عمل قفزات واسعة فى الطب وفى التأمين والتشفير وفى تصنيع الأسلحة إلخ. كانت المشكلة التى تواجه الدول أن جهازا بهذه السرعة يحتاج كما مهولا من الطاقة، وحيث أن الممول الرئيسى لهذه النوعية من الأجهزة فى أمريكا هى وزارة الطاقة فإن المطلوب هو الوصول لتلك السرعة وعدم استهلاك طاقة أكبر من قدر معين حددته الوزارة. هذا طبعا وضع الشركات ومعامل الأبحاث فى مأزق علمى، واستمرت الأبحاث العلمية سنوات طويلة. الصين أيضا كانت تواجه نفس المشكلة لأن استهلاك طاقة كبيرة له تأثير سيئ اقتصاديا وبيئيا أيضا. المهم أنه فى مايو من هذا العام نجحت أمريكا فى تصنيع هذا الجهاز وأسمته (Frontier) وتركيبه فى معامل (ORNL) المملوكة لوزارة الطاقة الأمريكية وبتكلفة تخطت النصف مليار دولار. السؤال هنا: إذا افترضنا جدلا أن أمريكا أعطتنا فى مصر هذا الجهاز هدية فهل نقبله؟ وهل سنستفيد منه؟ قبل أن تقفز عزيزى القارئ إلى الإجابة بنعم دعنا نحلل الموقف.
جهاز مثل هذا يحتاج إلى كم كبير من الطاقة حتى مع التصميم الجديد الذى قلل من استهلاكه للطاقة، لنقل إنه يحتاج طاقة تكافئ حيا صغيرا فى القاهرة، فهل نحن على استعداد لدفع تلك التكلفة؟ الاستفادة من هذا الجهاز تستلزم كتابة برمجيات بطريقة مختلفة تماما عما يتم تدريسه فى جامعاتنا، ما يتم تدريسه هو فقط المبادئ والقشور لهذه النوعية من البرمجة. هذه النوعية من الأجهزة تحتاج إلى صيانة مستمرة، فهل نحن على استعداد وعندنا القدرة على ذلك؟ وأخيرا وليس آخرا هل عندنا مشكلات تحتاج فى حلها إلى جهاز بهذا الحجم والتكلفة فى الصيانة والطاقة إلخ؟
ما أردت قوله إننا لا يجب أن نحاول الحصول على أحدث التكنولوجيات بدون تفكير لأن النتيجة قد تكون تكلفة كبيرة على خزانة الدولة دون عائد حقيقى. لكن هنا يأتى سؤال مهم: ماذا يجب أن نفع حيال هذه النوعية من التكنولوجيات الحديثة جدا؟ الإجابة أننا يجب أن نستعد لها، كيف؟
نستطيع الحصول على جهاز أصغر وأرخص لكن يعتمد على نفس الطريقة فى البرمجة، بل يمكن تجميعه عندنا فى مصر بتكاليف أقل، ثم نبدأ بتدريب طلبة الهندسة والحاسبات على برمجته وعقد مسابقات بينهم لاكتشاف تلك المواهب. الخطوة الثانية هى تنمية تلك المواهب وتكليفهم باستخدام هذا الجهاز لحل (أو محاولة حل) بعض المشكلات التى نحتاج إلى حلها فى مصر مثل الصناعات الدوائية وتطبيقات للذكاء الاصطناعى فى مجالات عديدة وبناء نظم محاكاة للطرق والمرور وتصميم أجهزة إلخ. هذا من ناحية البرمجة. الباحثون فى مجال تصميم لغات البرمجة يمكنهم دراسة، بل وابتكار لغات برمجة جديدة مبتكرة لهذه النوعية من الأجهزة. الباحثون فى مجال تصميم الحاسبات يمكنهم دراسة وتجربة وسائل تطوير هذا الجهاز ليكون أسرع ويستخدم طاقة أقل ويصاب بأعطال أقل ويصعب اختراقه. بعد عدة سنوات سنكون مستعدين للحصول على جهاز مثل الذى ذكرناه أعلاه، بل وبناء ما يقاربه.
التعاطى مع أحدث التكنولوجيات يجب أن ينبع من عدة محاور: هل نحتاج تلك التكنولوجيا الحديثة جدا فى بلادنا الآن؟ هل نستطيع التعامل معها لحل مشكلات ملحة عندنا؟ هل نملك ثمنها وثمن صيانتها؟ هل عدم استخدام تلك التكنولوجيا (أو التأخير فى استخدامها) سيكون له تأثير على علاقتنا بالعالم الخارجى؟ مثلا إذا كنا تأخرنا فى استخدام التكنولوجيا الرقمية سيكون تبادل البيانات والتعامل الخارجى، بل والداخلى أبطأ بكثير. هل لهذه التكنولوجيا تبعات اجتماعية يجب أن نكون مستعدين لها؟ مثلا السيارات ذاتية القيادة (عندما تصبح جاهزة للاستخدام على نطاق واسع) تعنى أن مهنة القيادة ستتقلص بشدة، فهل نحن جاهزون لذلك؟
الإجابة على تلك الأسئلة سيحدد متى يجب أن نستخدم تكنولوجيا جديدة ومتى يجب أن نتمهل، لكن فى كل الأحوال يجب أن نكون مستعدين لها كما أسلفنا القول. عندنا فى مصر مواهب ضخمة فيما يتعلق بالعلم والتكنولوجيا، حسن توجيه تلك المواهب سيجعلنا مصدرا للتكنولوجيا وليس فقط مستخدمين لها.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة التكنولوجيات الحديثة مشكلة التكنولوجيات الحديثة



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 00:01 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

"لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا"
  مصر اليوم - لطفي لبيب يودع الساحة الفنية ويعلن اعتزاله نهائيًا

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon