بقلم : محمد زهران
فى الأسبوع الماضى ذهبت مع العائلة إلى إحدى قرى الساحل لعدة أيام وبدأت ألاحظ شيئا قد اعتدناه لذلك كان لا يثير أى انتباه، الذى جعلنى أنتبه له هو اقتراب موعد مؤتمر التغير المناخى (COP27) والاستعدادات المكثفة له والكم الكبير من اللقاءات والبرامج التليفزيونية والمقالات التى تتحدث عن البيئة وتلوثها وتأثير ذلك على المناخ وبالتالى الاقتصاد والصحة إلخ. هذا الشىء الذى لاحظته هو إسرافنا الشديد فى استخدام البلاستيك، انظر إلى كل زجاجات المياه المعدنية التى تستهلكها يوميا أو الأكياس البلاستيكية عندما تذهب لشراء أى شىء، عدد رهيب. لكن ما الخطر فى ذلك؟
لنبدأ ببعض الإحصائيات التى تبدو مسلية ومثيرة لكن عندما تنتهى من هذا المقال سترى كم هى محزنة. المتسوقون فى العالم يستخدمون فى المتوسط نصف تريليون كيس بلاستيك (والذى يستخدمه أغلبنا لمرة واحدة ثم نتخلص منه فى القمامة) فى السنة أى ما يكافئ 16 ألف كيس فى الثانية الواحدة، فى سنة 2014 كمثال استخدمت الولايات المتحدة أكثر من مائة مليار زجاجة مياه بلاستيكية. هل تعلم أن الزجاجة الواحدة من المياه تحتاج لتصنيعها على الأقل ضعف كمية المياه التى تحتويها؟ قد تتساءل: «واحنا مالنا؟» أو «يا عم احنا فى ايه ولا فى ايه خلينا ندور على أكل عيشنا»، الحقيقة أن الموضوع يؤثر عليك شخصيا، لننظر بعمق أكثر إلى هذا الموضوع؟
يتكلم الناس كثيرا عن تدوير المخلفات وهذا شىء جميل لكن مع المواد البلاستيكية الموضوع صعب، تدوير المخلفات البلاستيكية صعب ومكلف جدا حتى أنه فى الكثير من الأحيان تدوير زجاجات بلاستيكية لتكون زجاجات جديدة تصلح للاستخدام الآدمى يتكلف أكثر من تصنيع زجاجة بلاستيكية جديدة، لذلك إذا بدأنا تدوير البلاستيك المستخدم فى زجاجات المياه فإنه لا يستخدم مرة أخرى فى تصنيع زجاجات المياه بل يجب استخدامه فى شىء يحتاج جودة أقل (downcycling) مثل الاستخدام فى بعض المبانى ثم ينتهى الأمر بعدم تدوير المتبقى من البلاستيك الذى يظل فى البيئة ولا يتحلل لمئات وفى بعض الأحيان لآلاف السنين، وفى الكثير من الأحيان لا يتم تدوير البلاستيك من الأساس. ماذا يحدث عندما لا يتم تدوير البلاستيك وهو ما يحدث فى الغالب الأعم؟ لنعد إلى بعض الإحصاءات. أكثر من 8 ملايين طن من البلاستيك يذهب فى المحيطات مما يؤثر على جودة المياه والثروة السمكية والطيور البحرية، التأثير على الثروة السمكية والطيور البحرية يكون إما بموتها وبالتالى يزداد ثمن المأكولات البحرية أكثر فأكثر أو بابتلاعها لبعض قطع البلاستيك مما يؤثر على صحتنا نحن عندما نأكلها. الإحصاءات تقول إن الشخص يبتلع فى المتوسط 5 جرامات من البلاستيك كل أسبوع عن طريق المياه الملوثة أو الطيور أو الحيوانات التى تبتلع قطعا بلاستيكية صغيرة، لذلك لا تعجب عندما ترى شخصا فى كامل صحته ظاهريا يسقط مريضا بأمراض خطيرة دون مقدمات. تنقية المياه موضوع مكلف وسيزيد من أسعار المياه وفاتورة المياه الشهرية. فهل أنت على استعداد للتضحية بصحتك وبمالك؟ طبعا الحل هو عدم استخدام أو التقليل جدا من استخدام الزجاجات والاكياس البلاستيكية. لكن الموضوع ليس بهذه السهولة.
ماذا يحدث إذا توقفنا جميعا عن شراء المياه المعدنية والمشروبات الغازية المعبأة فى زجاجات بلاستيكية؟ سيهدد ذلك كل الشركات التى تصنع وتبيع تلك الأشياء وتهدد وظائف آلاف من الموظفين. ما العمل إذا؟ الموضوع يحتاج تفكيرا لكن رأيى المتواضع والذى يحتمل الخطأ أننا يجب أن نقلل من استخدامنا للبلاستيك عن طريق استخدام فلاتر للمياه فى البيوت واستخدام الأكياس أو الحقائب القماشية مثلا عند شراء مستلزماتنا.
هل يمكن للشركات أن تبدأ فى البحث عن وسيلة أخرى لوضع المياه المباعة؟ يمكن تغيير منتجات الشركات عند تغير احتياجات السوق، شركة مثل أى بى إم عمرها نحو 112 سنة، فهل تظن أنه كانت هناك أجهزة كمبيوتر منذ أكثر من قرن؟
يجب ألا ننسى أن الكورونا زادت من استخدامنا للبلاستيك لأن الrapid test مصنوع من البلاستيك ويستخدم مرة واحدة ناهيك عن البلاستيك المستخدم فى الكمامات، أى إن الاحتياج لتقليل استهلاكنا من البلاستيك أصبح ضرورة ملحة أكثر منه رفاهية.
عندما يحضر الضيوف إلى COP27 لنأمل ألا يروا هذا الكم المهول من البلاستيك فى مؤتمر يهتم بالبيئة، يجب أن نكون واقعيين، هذا لن يختفى فى يوم وليلة بل قد يستغرق سنوات لكن لنبدأ بخطوات صغيرة حتى يعيش أولادنا وأحفادنا فى بيئة أفضل.