بقلم : محمد زهران
في مقال سابق تحدثنا عن عقدة الخواجة عندنا وأعطينا أمثلة من نماذج عظيمة في الداخل كدليل على ما نستطيع عمله وأن الخواجة ليس هو الأفضل دائماً، في مقال اليوم أود أن أستعرض تأثير عقدة الخواجة على ذاكرتنا الجمعية تجاه علمائنا، لكن قبل أن استرسل في ذلك يجب أن نعترف جميعاً أن الخواجة ليس الأفضل دائماً ونحن لسنا الأفضل والأذكي دائماً ولكن لم نُعطى فرصة، هناك عوامل لبناء المجتمع العلمي إذا توفرت نجح هذا المجتمع وهنا الكثير والكثير من الكتب تتحدث عن ذلك منها كتاب عالمنا الكبير الدكتور أحمد زويل رحمه الله "عصر العلم" ... لنعد إلى موضوعنا
يعتبر الدكتور علي مصطفى مشرفة من أعظم علمائنا في القرن العشرين ولا نحتاج أن نقرنه بأي شخص من الخارج حتى نفتخر به ومع ذلك نجد بعض الأشياء التي يذكرها الكثيرون وهي عارية من الصحة، منها على سبيل المثال أنه ساعد أينشتاين في الوصول للنظرية النسبية، وُلد الكتور مشرفة سنة 1898 وظهر أول بحث في النسبية الخاصة لأينشتاين سنة 1905 أي كان الدكتور مشرفة في السابعة من عمره (ولم نكن آنذاك قد وصلنا إلى مرحلة طالب الإعدادية الذي حطم نظريات أينشتاين وباحث النانو تكنولوجي في الإبتدائية الذين يهلون علينا من شاشات التليفزيون في أيامن هذه وقد ناقشنا هذه الظاهرة من قبل) وظهرت نظرية النسبية العامة سنة 1916 وكان الدكتور مشرة في الثامنة عشر، وأيضا يقال أن أينشتاين قد نعا الدكتور مشرفة حين توفي ولكني لم أتمكن من التأكد من هذه المعلومة... فهل يحتاج الدكتور مشرفة إلى إقترانه بالخارج حتى نفخر به حتى لو كان هذا الخارج هو أينشتاين نفسه؟
أيضاً غالباً لا نحتفي بعلمائنا حتى يحصلون على جائزة من الخارج وهذا يرجع لعدة أسباب: أولاً لأن الصحافة العلمية عندنا لسه "بعافية شوية" وإن كانت مؤخراً قد بدأت تأخذ خطوات في الطريق الصحيح عن طريق شباب متحمس ودارس عن حق، الصحافة عندنا لا تتكلم عن أبحاث هؤلاء العلماء بل تتكلم فقط عن بعض الأخبار العلمية المترجمة من مجلات أجنبية، أعتقد أنه لابد أن يكون في صحافتنا بحثاً دائماً عن أخبار العلماء المصريين في الداخل والخارج، السبب الثاني أننا في الداخل قد لا نعلم أهمية هذه الأبحاث التي يجريها العلماء المصريون في الداخل والخارج فلا نعطيها الأهمية الكافية في صحافتنا، السبب الثالث هو عقدة الخواجة أيضا "مادام أخد جايزه من بره يبقى كويس" لذلك لا نعترف بعلمه حتى يعترف به الخارج.
عقدة الخواجة تظهر في الشهادات حيث أننا "بلد شهادات"، إذا تكلمت مع شخصين أحدهما حاصل على شهادته من الداخل والآخر من الخارج فكلام من منها ستثق فيه أكثر حتى وإن كانوا على نفس الدرجة العلمية؟ قد نقول كلاماً كثيراً عن الضعف الحالي للبنية التعليمية في الداخل ولكن من أدراك فقد يكون هذا الشخص الحاصل على درجته من الداخل أرجح عقلاً وأغزر علماً من هذا الحاصل عليها من الخارج خاصة وأن الخارج به جامعات كثيرة ضعيفة وبعضها غير معترف به؟ وقد يكون هذا الذي حصل عليها من الداخل لم يستطع السف لأسباب عائلية مثلاً
عقدة الخواجة تولدت نتيجة عقود طويلة واجه فيها علمائنا في الداخل تعنت البيروقراطية ونقص الإمكانيات وإهمال المجتمع لهم بالإضافة إلى ترسخ فكرة أهمية الترقية والمركز الوظيفي عن العلم الحقيقي فكم من أبحاث لا قيمة لها تنشر في مؤتمرات محلية فقط من أجل الترقية!
وعلى صعيد آخر في الجامعات القوية في الخارج ومراكز الأبحاث يكون البحث العلمي هو الأساس وستُعطى كل الإمكانيات مع فريقك البحثي كي تنجح، لكن يجب أن نضع في الإعتبار أن هناك منافسة شرسة في الخارج وقد لا تكون نظيفة في بعض الأحيان ... إذا فالخواجة ليس دائماً على حق.
ما الحل؟ الحل هو أن نفعل كما يفعلون: نهتم بالبحث العلمي الحقيقي ونزيل عراقيل البيروقراطية من طريقه ونشجع العلماء الحقيقيين وليس أصحاب المراكز الإدارية وهذا دور الصحافة العلمية ودور لجان علمية نزيهة من علماء أجلاء لتقييم أعمال هؤلاء العلماء، مثال جيد على ذلك حين أرادت كلية العلم بجامعة القاهرة تعيين عميد جديد لها إتصلت جامعة القاهرة بنيل بور الفيزيائي العظيم والحاصل على جائزة نوبل في الفيزياء لأخذ رأيه وهذا منتهى الحيادية لأنه لن تكون هناك مجاملات أو تربيطات وقد أشار عليهم بالدكتور علي مصطفى مشرفة.
في النهاية أحب أن أقول إننا يجب أن ننقي تاريخنا العلمي ففيه الكثير من الجواهر ولا يحتاج جواهر مزيفة تضاف إليه نتيجة نقدة الخواجة.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع