بقلم : محمد زهران
تحدثنا في مقالات عدة سابقة على مدار السنوات الثلاثة الماضية عن موضوع التعليم وحاولنا تحليله من عدة زوايا، لكن بما أن التعليم في أية دولة في العالم لا يمكن النظر إليه على أنه مشكلة واحدة تستوجب الحل لكنه مجموعة من المشكلات التي ما أن نظن أنه تم حلها حتى تطل برأسها مرة أخرى، هذا يحدث في كل دول العالم لكن الفارق في درجة تأزم تلك المشكلات، لماذا يكون ملف التعليم صعبا دائماً؟ السبب الأساسي أنه متعلق بالبشر بشكل فردي ومتعلق بالنظرة المجتمعية، المشكلة الفردية أن كل شخص له طريقته في التعلم فهناك من يتعلم عن طريق القراءة وهناك من يتعلم عن طريق الكتابة وهناك من يتعلم عن طريق الحوار والمناقشة وكل شخص له الوتيرة أو السرعة التي يتعلم بها، لكننا في قاعات الدرس نفترض أن الكل يتعلم بطريقة واحدة وهي الاستماع إلى شرح شخص ما وأن الكل يجب أن يسير بوتيرة واحدة يحددها المدرس أو الأستاذ، لذلك ستجد دائماً أن هناك طلاب لا يشعرون أنهم يتعلمون وسينعكس ذلك على أسرهم التي لن تكون بالطبع سعيدة وبالتالي تتأزم العلاقة بين المؤسسة التعليمية والمجتمع ونظل دائماً في تلك الدائرة المفرغة، فما الحل؟ أعتقد أن ما قلناه هو شرح للأعراض وحتى نجد حلاً يجب أن ننظر بدقة أكثر لتلك المشكلات المتداخلة، فما هي تلك المشكلات؟
إذا تفحصنا العملية التعليمية سواء المدرسية أو الجامعية (الجزء المتعلق بالتدريس في الجامعة وليس البحث العلمي) سنجدها تتكون من عدة محاور تكون فيما بينها النظام التعليمي، هذه المحاور هي: الطالب والمدرس والمادة العلمية ذاتها وأدوات التدريس والإدارة والنظام المجتمعي.
الطالب هو المنتج النهائي للعملية التعليمية وليس المستهلك الذي يدفع نقوداً مقابل خدمة، العملية التعليمية هدفها الأسمى أن تخرج طالباً متدرباً على التفكير النقدي ويعرف علاقته ببيئته ومجتمعه ويعرف أيضاً نقاط قوتة وضعفه وأين تكمن موهبته لأن كل شخص على وجه هذه الأرض له نقاط قوة وعنده موهبة ولكن للأسف قد يولد الشخص ويموت دون أن يكتشفهم وبذلك يخسر حياة نافعة ويخسر المجتمع عضواً فعالاً، وإذا تأملت تلك السطور ستجد أنني لم أقل تخريج طالب يستطيع أن يعدد السلع التي تصدرها السنغال أو طبيعة الغابات والجبال في أفريقيا! طالب الجامعة سيتعلم التخصص ويستطيع أن يوظفه لخدمة بيئته ومجتمعه ثم البشرية بعد ذلك إن استطاع إلى ذلك سبيلاً.
المدرس يجب أولاً وقبل كل شيء أن يفهم طبيعة الطالب الذي أمامه حتى يستطيع التفاعل معه وإعطائه المادة العلمية بطريقة يستسيغها الطالب حتى لا يكره التعليم ولا تصبح العملية التعليمية بالنسبة له مجرد ورقة، كي يقوم المدرس بواجبه على أكمل وجه يجب أن تتوفر له عدة ظروف: أن يكفيه مرتبه ويغنيه عن العمل في أعمال أخرى ليتفرغ للعملية التعليمية وأن يكون عدد الطلاب أو التلاميذ في الفصل مناسب كي يتعرف عليهم المدرس وأن تكون المناهج خالية من الحشو والإطناب والتطويل وهذا يأخذنا إلى المحور الثالث في العملية التعليمية وهي المناهج.
المناهج كي تكون نافعة يجب أن تتوفر فيها عدة عناصر: أولاً أن تكون قصيرة فالتطويل والحشو يضغط الطلاب بدون لازمة وكتلميذ سابق أعتقد أن أغلب المناهج الدراسية في المرحلة المدرسية على الأقل يجب أن تقل إلى النصف فأغلب المعلومات لا لزوم لها وأرجو ألا تكون هناك شبهة فساد إذا كان المؤلف أو المطبعة تربح أكثر كلما كان الكتاب أكبر، ثانياً يجب أن تتطور تلك المناهج دورياً أي كل سنة أو عدة سنوات حسب المادة العلمية لأن حتى الأساسيات تتطور أو تتطور طريقة تناولها، ثالثاً يجب أن تكون المادة العلمية مسلية ومشوقة لأن الأسلوب الجاف القائم على الحفظ لا يناسب الجيل الحالي وإذا أردت رأيي والذي قد يغضب الكثيرين: يجب أن يكون واضعو الكتب المدرسية تحت سن الخمسين حتى يتفهموا الجيل الجديد ويكونون على دراية بالجديد في العملية التعليمية ويجب أن يستعينوا بخبراء في التعليم والتربية وعلم النفس.
أدوات التدريس هي الأدوات التي يستعين بها المدرس في العملية التعليمية مثل وجود صفحة على الإنترنت للمادة العلمية أو مجموعة مناقشة وتحاور من الطلاب والمدرس على الإنترنت حيث يسأل الطلاب ويجاوب المدرس أو يتناقش الجميع ويكون كل ذلك مسجلاً على صفحة الإنترنت أو صفحة السوشيال ميديا العلمية كي يعود إليه الطلاب لاحقاً، الأدوات تشمل أيضاً أية برمجيات للمحاكاة أو أفلام تسجيلية وهكذا، كل ما سبق وتحدثنا عنه يحتاج إلى إمكانيات إقتصادية وإزالة عقبات بيروقراطية وهذا يأخذنا إلى العنصر الخامس في العملية التعليمية وهي الإدارة.
يجب على الإدارة أن تشجع على إكتشاف موهبة كل طالب ورعايتها وتشجيعها وهذا يحتاج إلى المرونة في التعامل ويحتاج أيضاً إلى قدرات إقتصادية فمثلاً مشكلة تكدس الفصول هل جربنا تقسيم اليوم الدراسي على عدة أقسام وفي كل قسم يحضر طلبة مختلفون في الفصل الدراسي؟ عندما نزيل الحشو من المناهج يمكن تقليل عدد الساعات التي يقضيها التلميذ في الفصل يومياً، هل يمكن لرجال الأعمال المساهمة المالية في بناء فصول والمساعدة في تطوير البنية التحتية التعليمية من باب المساعدة المجتمعية؟ لا أقول هنا بناء مدارس خاصة بهدف الربح، هل يمكن عمل جوائز مالية كبيرة لأفضل المدرسين وتشجيعهم؟ هل يمكن عقد دورات تدريبية للمدرسين عن طريق خبراء تربويين لتحسين قدراتهم ومعلوماتهم كل عدة سنوات؟ أم أن هناك مدرسين دخلوا تلك المهنة فقط لأنهم لم يجدوا غيرها أو أجبروا على دخول كليات التربية لأن مجموعهم هو الذي حدد ذلك؟
ننهي هذا المقال الذي طال قليلاً بهمسة في أذن المجتمع، أولاً أقول للأسر أن إبنكم قد يكون موهوباً في الرياضيات فلا تضغطوا عليه في الجغرافيا أو التاريخ وقد يكون موهوباً في العلوم الإنسانية فلا توبخوه إذا لم يحصل على درجات كبيرة في المواد العلمية طالما ينجح فيها، إكتشفوا موهبة إبنكم وإرعوها ويجب أن تعرفوا أن زمانكم وطرق تفكيركم غيرهم، ثاني همسة للمجتمع ككل: إحترموا مهنة التدريس فإنها تؤثر في جيل كامل ولا تظن أن المدرس أقل من الباحث أو رجل الأعمال لأن المدرس هو أول طوبة في بناء مجتمع علمي.
سؤال أخير: هل أنا أحلم أو أبالغ في كل ما قلت؟