بقلم : محمد زهران
أثناء سيري في منطقة سكني بجاردن سيتي وقع نظري على لفتة جميلة هي وضع لوحات نحاسية على بعض المباني بجانب المدخل توضح من عاش في هذا المبنى من مشاهير أهل الفن والثقافة والعلم والأدب، فمثلاً وجدت مبنى يحمل لافتتين: "هنا عاش بديع خيري" و"هنا عاش عادل خيري" وعادل خيري الممثل الكوميدي الجميل الذي رحل عن دنيانا في سن صغيرة (كان في الثلاثينات من عمره حين توفي) هو ابن بديع خيري التوأم الفني للفيلسوف الضاحك نجيب الريحاني، وفي شارع آخر في جاردن سيتي لوحة أخرى تقول "هنا عاشت ليلى مراد"، هذه لفتة جميلة جدا وأرجو أن تعمم على مستوى الجمهورية حتى نتتبع حياة من شكلوا الوعي المصري.
وجدت أيضا لوحة معدنية على قصر منيف تقول "هنا عاش علي باشا إبراهيم"، كما توضح اللوحة فقد ولد علي باشا إبراهيم سنة 1880 ورحل عن دنيانا في 1947، وعلي باشا إبراهيم شخصية عظيمة جدا فهو من أوائل جراحي مصر ويعتبر أول عميد مصري لكلية طب القصر العيني سنة 1929 أي أنه من الرواد في الجراحة والعمادة وفي إدخال الفتيات إلى كلية الطب، وهذا ليس كل شيء ففي 1940 عيّن وزيرا للصحة وفي 1941 عين مديرا لجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن) وهذا يعني أنه مكث في الوزارة عاما واحدا فقط وفي أثناء هذا العام أسس علي باشا إبراهيم نقابة أطباء مصر وأصبح أول نقيب لأطباء مصر وقد تكلمنا عنه بتفصيل أكثر في مقال سابق.
فكرة اللوحات المعدنية هي فكرة جميلة وتستطيع أن نعتبرها خطوة أولى لمشروع أكبر، ما هو هذا المشروع؟ إنه اقتراح: ماذا لو أخذنا رموزنا الثقافية والعلمية والأدبية وصممنا رحلة داخلية لنوضح للناس الأماكن التي عاشوا فيها وعملوا فيها وفي هذه الأماكن نضع بعض الصور لهم وبعض المعلومات عنهم، هذا النوع من "السياحة العلمية" يُعَرِف الأجيال الجديدة برموزنا ويعرف الجميع بتاريخنا العلمي المضيء الذي للأسف نجهل أغلبه لأننا نجهل معلومات عن الكثير من علمائنا في المائة سنة الأخيرة.
تخيل عندما يرى شبابنا الصغير أين عاش على باشا إبراهيم مثلاً في مختلف فترات حياته وأين كان يعمل ويكون ذلك بمصاحبة شرح من "مرشدين علميين" يحكون للمشاهدين قصته وإنجازاته، وإن تعثر تنفيذ ذلك لبعض الرموز نتيجة لبعد المسافات بين الأماكن التي عاشوا فيها أو لهدمها فمن الممكن إنشاء ولو متحف صغير يضم معلومات وبعض مقتنيات هؤلاء الرموز مصحوبة بشرح من مرشدين، الناس تعرف الكثير عن رموز الفن وبعض رموز الأدب ولكن تعرف أقل القليل عن العلماء ... للأسف.
هل يمكن أن نرى متحف لعلي باشا إبراهيم ونجيب باشا محفوظ (غير أديبنا الكبير) ... إلخ مثلما نجد متحفاً لأحمد باشا شوقي أمير الشعراء وسيدة الغناء العربي أم كلثوم؟ ليس من الضروري أن يكون المتحف مقاماً في المنزل الذي أقاموا فيه أثناء حياتهم إذا لم يكن متوفراً.
مثال صغير نجده في مدينة نيويورك حيث عاش نيكولا تسلا (Nikola Tesla) سنواته الأخيرة في الغرفة 3327 من فندق نيويوركر في مانهاتن، هذا الفندق وضع لوحات عن قصة تسلا والسنوات التي قضاها في الفندق (1933 - 1943) ونيكولا تسلا لمن لا يعلم له الكثير من الاختراعات مثل التيار المتردد الذي نستعمله جميعا الآن عندما نضع فيشة الكهرباء في القابس لتشغيل أي جهاز كهربائي ولكن للأسف لم ينعم تسلا بمكاسب كبيرة نتيجة لاختراعاته مثل إديسون لأنه لو يكن ماهرا في التسويق وإن كان أكثر عبقرية من إديسون في العلم.
هذه اللوح المعدنية هي لفتة جميلة ونرجو أن نرى احتفاء أكثر وأكثر بعلمائنا.
نقلًا عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع