توقيت القاهرة المحلي 08:31:00 آخر تحديث
  مصر اليوم -

البعد النووى للحرب فى أوكرانيا

  مصر اليوم -

البعد النووى للحرب فى أوكرانيا

بقلم - جمال أبو الحسن

هو بعدٌ حاضرٌ فى الأزمة من اليوم الأول تقريبا. الرئيس الروسى حرص على استحضاره والإفصاح عنه بقدرٍ لافتٍ من الوضوح عند بدء العملية العسكرية. أشار «بوتين» ساعتها إلى أن تدخل أى دولة فى النزاع سوف يُرتب تبعاتٍ «أكثر من أى شىء واجهته عبر التاريخ». على الطرف الآخر، بدا الرئيس الأمريكى حريصاً، ومن قبل اندلاع العملية العسكرية، على التأكيد من دون لبس على أن بلاده لن تنخرط عسكريا فى النزاع فى أوكرانيا، لأن ذلك من شأنه إشعال الحرب العالمية الثالثة.
البعد النووى فاعل ومؤثر، إذن، على مجريات هذه الأزمة التى تُعد الأخطر منذ انتهاء الحرب الباردة. السلاح النووى هو ما يضع للأزمة إطارها العام، ويضع الحدود الحاسمة التى يسعى كل طرف إلى تجنب تجاوزها. تخطى الحدود من شأنه إدخال العالم فى حرب تقترب به من حافة الفناء. ليس فناء هذا الطرف أو ذاك، وإنما فناء الحضارة البشرية على كوكب الأرض. هكذا يُدرك طرفا الأزمة، وعلى هذا الأساس يصنعان قراراتهما للتعامل مع تطوراتها. وسوف يظل هذا البعد، المرعب والمقبض، حاضرا فى هذه الأزمة خلال كافة محطاتها.

منذ يومين صرح الرئيس الأوكرانى «زيلينسكي» بأن العالم عليه أن يكون مستعدا لاحتمال استخدام الرئيس بوتين السلاح النووى ضد بلاده. وقبل ذلك صرح «وليام بيرنز»، مدير المخابرات المركزية الأمريكية، والذى عمل سفيرا لبلاده لدى موسكو فى السابق، بأن أحدا لا يجب أن يستهين باحتمالية لجوء الرئيس بوتين للسلاح النووى جراء إحباطه من تطورات الحرب فى أوكرانيا، وإن عاد المسؤول الأمريكى واستدرك قائلا إنه ليس ثمة دليل على أن هذه الاحتمالية تُعد وشيكة.

خطورة السلاح النووى أنه، فى النهاية، خاضعٌ لقرار بشرى. وفى الحالة الروسية، وبسبب طبيعة النظام، فإن الأمرَ خاضعٌ كليا لقرار شخص واحد هو الرئيس «بوتين». الحرب الأوكرانية، بما تنطوى عليه من مواجهة بين الغرب وروسيا، تخلق ظروفا تُزيد من احتمالية استخدام مثل هذا السلاح. العقيدة العسكرية الروسية تسمح باستخدام السلاح النووى فى حالة تعرض الدولة لخطر وجودى. ثمة مساحة، بالطبع، لتفسير نوعية هذا الخطر الوجودى. الأمر يتعلق أيضا، وإلى حد ما على الأقل، بتقدير القائد للخطر، وما إذا كان داهما أو وشكيا. فى هذه المساحة يكمن الخطر المرعب بوقوع الخطأ، أو سوء الفهم، أو سوء التقدير.

يتحدث الخبراء بالتحديد عن فئة من الأسلحة النووية يُحتمل أن تلجأ موسكو لاستخدامها، إن هى شعرت أن «ظهرها للحائط»، يُطلق عليها «الأسلحة التكتيكية». إنها أسلحة يُمكن توجيهها نحو هدف محدد، كقاعدة عسكرية، أو حشد من قوات العدو. يُمكن استخدام هذا السلاح لحسم المعارك العسكرية فى الميدان. وبرغم ما يوحى به اسمها- أسلحة تكتيكية- من أن لها قوة تدميرية محدودة، فإن قوتها تُماثل قوة القنبلة التى أُلقيت على هيروشيما (ما يوازى 14 ألف طن من مادة تى إن تى)، ولتقريب الأمر إلى الأذهان فإن انفجار مرفأ بيروت كان يوازى القوة التدميرية لمئات الأطنان فقط من مادة تى إن تى. أى أن الدمار الناشئ عن الأسلحة التكتيكية واسعٌ ومؤكد، ولا يمكن التقليل منه بأى حال. غير أنه لا يقارن بالأسلحة النووية الاستراتيجية التى تتعدى قوتها التدميرية ملايين الأطنان، والتى بإمكانها محو وإحراق مدن كاملة فى دقائق.

والحقيقة أن استخدام الأسلحة النووية التكتيكية فى الصراع الأوكرانى لا ينطوى على أى منطق بالنسبة للجانب الروسى. فهو، من ناحية، لن يحسم الصراع على أى وجه. ولن يحل المعضلات العسكرية والصعوبات التى تواجهها روسيا حتى اليوم فى تحقيق أهدافها من وراء حربها فى أوكرانيا. لذلك، وبافتراض عقلانية ورشادة الطرف الروسى، فإن احتمال استخدام هذا السلاح يظل ضعيفا. غير أنه، بالتأكيد، ليس منعدما.

ثمة وقائع محددة اقترب خلالها العالم من استخدام السلاح النووى. من أشهر هذه الوقائع بالطبع ما يُعرف بأزمة الصواريخ الكوبية فى عام 1962. وقف العالم كله، ساعتها، على أطراف أصابعه متابعا حالة من التصعيد المتبادل بين القوتين العظميين فى هذا الوقت، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتى. أما أغرب الوقائع، وأقربها إلى إطلاق حرب نووية، فهى واقعة لم يسمع بها كثيرون، ولا يذكرها أحد اليوم.

فى عام 1983 كانت القيادة السوفيتية، تحت «أندروبوف» المسن والمريض، تعانى رهابا دائما من أن الولايات المتحدة على وشك شن هجوم عليها. شعر السوفييت بأنهم بسبيلهم لخسارة الحرب الباردة، خاصة بعدما أعلن «ريجان» عن برنامج حرب النجوم، وظهر أن السوفييت ليس بمقدورهم مجاراة الولايات المتحدة فى سباق التسلح. فى أكتوبر من هذا العام قام الناتو بمناورات تدريبية فى شرق أوروبا. التدريب كان يتضمن سيناريو، على سبيل المحاكاة، يفترض أن قوات الناتو تعرضت بالفعل لهزيمة على يد قوات حلف وارسو الذى يقوده السوفييت. يفترض السيناريو أن قادة الناتو العسكريين يقومون بطلب الإذن من القيادة المدنية لاستخدام السلاح النووى ضد الاتحاد السوفييتى.

عندما تنصت السوفييت على هذا التدريب، توصلوا إلى قناعة بأنه ليس مناورة، بل هو تجهيز لعملية حقيقية تتضمن استخدام السلاح النووى. السبب وراء قناعتهم تلك أن الاتحاد السوفييتى كان يجهز خططه الخاصة على أساس إخفاء الهجمات الحقيقية تحت ستار المناورات التدريبية. افترض الروس أن الأمريكان يقومون بالأمر نفسه! وهكذا، ذهب المسؤول الذى يحمل الشفرة النووية إلى رئيس الوزراء السوفييتى «أندروبوف» الذى كان قعيد الفراش فى مصحة علاجية. وفى ليلة 8 نوفمبر كان «أندروبوف» على وشك أن يضغط الزر، بينما لا أحد فى العالم يدرى أن الحضارة البشرية كلها كانت على وشك الفناء فى هذه اللحظة بسبب سلسلة من سوء الفهم والتقدير. فى صباح اليوم التالى، أدرك السوفييت أن الناتو كان يجرى تدريبا بالفعل، وأن مخاوفهم لا أساس لها!.

معنى ذلك أن الحرب النووية، وتحت ظروف معينة، تُصبح أكثر احتمالا. ليس هناك ما يمنع أن يقترح مستشار أمنى أو سياسى روسى، فى لحظة معينة، اللجوء لهذا السلاح. ثمة سوابق أيضا لهذا النوع من التفكير لدى مسؤولين أمريكيين، مثل الجنرال «ماك آرثر» الذى اقترح فى الخمسينيات استخدام السلاح النووى ضد الصين بعد تدخلها فى الحرب الكورية.

على الجانب الآخر، فإننا نعرف أن منطق «الردع النووى المتبادل»، أو توازن الرعب، كان فعّالا طوال الحرب الباردة وإلى اليوم. إنه نفس المنطق الذى يجعل الولايات المتحدة تُحجم عن التورط فى النزاع بصورة مباشرة، ويحمل موسكو- فى الوقت نفسه- على التفكير مرتين قبل مهاجمة مخازن للسلاح والذخيرة فى بولندا (عضو الناتو)، حتى وهى تعلم أن السلاح فى طريقه إلى الأوكرانيين.

على أن الكثير من الدول عبر العالم تُتابع وقائع الحرب الأوكرانية وتُفكر فى حساباتها النووية أيضا. من الواضح أن هذا السلاح يمنح قدرا من الحصانة السيادية لمن يملكه (روسيا)، ويجعل الطرف الآخر مكشوفا إلى حد بعيد (أوكرانيا). إذا كانت الولايات المتحدة تُحجم عن دخول هذا الصراع مباشرة من اللحظة الأولى، بسبب السلاح النووى الروسى، فهذا سوف يدفع دولة مثل تايوان للتفكير فى مصيرها فى حالة التعرض لهجمة صينية، بل سيدفع كوريا الجنوبية واليابان لإعادة التفكير فى «الخيار النووى»، وسوف يُزيد من تمسك دولة مثل إيران بمثل هذا الخيار. ومن ناحية أخرى، فإن انتهاء هذه الحرب من دون تحقيق روسيا لأهدافها الاستراتيجية، سوف يحمل دلالة لا تخطئها عين لمحدودية دور السلاح النووى فى حسم هذه النوعية من الحروب.

إن البعد النووى للحرب فى أوكرانيا بالغ التعقيد، ويحمل نتائج وتبعات تتجاوز روسيا وأوكرانيا، إلى مستقبل الأمن العالمى.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

البعد النووى للحرب فى أوكرانيا البعد النووى للحرب فى أوكرانيا



GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

GMT 23:01 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

ستارمر والأمن القومي البريطاني

GMT 22:55 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

حول الحرب وتغيير الخرائط

تارا عماد بإطلالات عصرية تلهم طويلات القامة العاشقات للموضة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 22:14 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل
  مصر اليوم - جعجع يُطالب حزب الله إلقاء سلاحه لإنهاء الحرب مع إسرائيل

GMT 08:31 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك
  مصر اليوم - الكشف عن وجود علاقة بين النوم المبكر وصحة أمعاء طفلك

GMT 00:04 2024 الجمعة ,15 تشرين الثاني / نوفمبر

حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية
  مصر اليوم - حسين فهمي يعرب عن دعمه للأفلام الفلسطينية واللبنانية

GMT 14:07 2024 الخميس ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

"يوتيوب" يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي
  مصر اليوم - يوتيوب يختبر خاصية جديدة تعمل بالذكاء الاصطناعي

GMT 08:11 2024 الأربعاء ,23 تشرين الأول / أكتوبر

هيفاء وهبي بإطلالات متنوعة ومبدعة تخطف الأنظار

GMT 15:47 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 15:45 2021 الخميس ,22 تموز / يوليو

بريشة : سعيد الفرماوي

GMT 22:56 2018 الإثنين ,16 إبريل / نيسان

المدرب الإسباني أوناي إيمري يغازل بيته القديم

GMT 01:04 2021 السبت ,25 كانون الأول / ديسمبر

جالاتا سراي التركي يفعل عقد مصطفى محمد من الزمالك

GMT 05:34 2021 السبت ,13 شباط / فبراير

تعرف على السيرة الذاتية للمصرية دينا داش

GMT 20:42 2021 الخميس ,21 كانون الثاني / يناير

طريقة عمل جاتوه خطوة بخطوة

GMT 23:05 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

يونيون برلين الألماني يسجل خسائر بأكثر من 10 ملايين يورو

GMT 02:11 2020 الخميس ,17 كانون الأول / ديسمبر

طبيب روسي يكشف أخطر عواقب الإصابة بكورونا

GMT 09:43 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كباب بالزعفران
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon