توقيت القاهرة المحلي 05:05:54 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ضربة الحوثي... صغيرة جداً ومتأخرة جداً

  مصر اليوم -

ضربة الحوثي صغيرة جداً ومتأخرة جداً

بقلم - نديم قطيش

كسرت الضربات الأميركية البريطانية المشتركة لميليشيا الحوثي في اليمن، إيقاع التصعيد الذي كانت تتحكم فيه هذه المجموعة الموالية لإيران. بيد أن الضربات نفسها، الأولى من نوعها منذ عام 2016، ينطبق عليها القول إنها «صغيرة جداً ومتأخرة جداً».

يُجمع خبراء اليمن على أنه ما كان بوسع أميركا التغاضي عن تنفيذ الحوثي 27 اعتداءً في البحر الأحمر، استهدفت الأنشطة الملاحية في أحد أهم الممرات المائية في العالم، وأكثرها حيوية للتجارة والصناعة الكونية. شبه الإجماع الآخر، هو أن هذه الضربات عاجزة عن معالجة الحالة المعقدة والخطيرة التي تمثلها ميليشيا الحوثي، بوصفها ذراعاً إيرانية تهدد أمن الخليج والاقتصاد العالمي وعموم الاستقرار في الشرق الأوسط.

بالمعنى الأوسع، يُدرج القصف الأميركي في اليمن ضمن قائمة طويلة من السياسات الأميركية القاصرة أو الخاطئة، فيما خص عموم الواقع الاستراتيجي في المنطقة، أتعلَّق ذلك باليمن أو سوريا أو العراق أو لبنان أو تعلق بإيران نفسها.

كانت إدارة ملف اليمن، أولى ضحايا وصول الرئيس الأميركي جو بايدن إلى البيت الأبيض، وتحويله السياسة الخارجية الأميركية إلى مجرد أداة من أدوات الصراع السياسي الحاد في واشنطن مع خصمه الرئيس السابق دونالد ترمب، متخلياً بشكل متسرع وخطير عن أي فهم استراتيجي للملفات التي يوظفها في هذا الصراع.

ففي أول خطاب له عن السياسة الخارجية في 4 فبراير (شباط) 2021، أعلنت إدارة بايدن وقف دعم العمليات الهجومية التي ينفّذها التحالف بقيادة السعودية، ووقف مبيعات الأسلحة، وحصر تعريف الأزمة اليمنية بعنصرين اثنين فقط: أنها نزاع داخلي بتأثيرات إقليمية يُحل عبر عملية سلام تقودها الأمم المتحدة وتدعمها واشنطن، وملف إنساني كارثي يعالَج بعقلية إدارة الكوارث.

صحيح أن التحولات باتجاه هذا الموقف لم تشذّ عنها حتى إدارة الرئيس ترمب، إلا أن مواقف ترمب، خلافاً لإدارة بايدن، حافظت في الغالب على صدارة البعد الاستراتيجي لحرب اليمن بوصفها حرباً بالوكالة تغذّيها إيران وتدير الكثير من جوانبها وفق تصورات محددة بشأن معادلات النفوذ والهيمنة في الشرق الأوسط.

أضعفتْ هذه التحولات في الموقف الأميركي جهودَ التحالف، لا سيما حيت اقترنت بوضع حدود للمدى العسكري الذي يمكن بلوغه، كالإصرار على عدم تحرير ميناء الحديدة، ما سمح لإيران بالحفاظ على نفوذها وتعزيزه. لم تكتفِ واشنطن بتجنب التعامل المباشر مع الدور الإيراني في الأزمة اليمنية، بل ذهبت إلى حدود شطب حركة الحوثي من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية، بحجة تسهيل المساعدات الإنسانية، ما منح الحوثيين شرعية سياسية أكبر، وعزز موقفهم، ونفوذ إيران بشكل غير مسبوق في هذه البقعة من الشرق الأوسط.

ولعلها من المفارقات الساخرة اليوم أن يتزامن الانخراط الأميركي العسكري في اليمن، مع دعوات سعودية لضبط النفس والتهدئة في المدى الاستراتيجي لمنطقة البحر الأحمر والحرص على عدم توسيع رقعة النزاع!

تمثل هذه اللحظة الساخرة، ذروة التخبط التي أنتجها صعود الجناح التقدمي داخل الحزب الديمقراطي، وما أدى إليه من ظهور ديناميكية جديدة في السياسة الخارجية للولايات المتحدة، تولي المقاربات الإنسانية، وقضايا حقوق الإنسان، والنهج الدبلوماسي والتعاون العالمي، الأولوية القصوى، إن كان على حساب المصالح الاستراتيجية لأميركا وحلفائها، أو على حساب الحقائق الجيوسياسية والاقتصادية في العالم.

لقد وازنت الولايات المتحدة تاريخياً، لا سيما في مناطق مثل الشرق الأوسط، بين قيمها وبين الحاجة إلى الحفاظ على الاستقرار ومواجهة القوى المعادية. إلا أن الموقف التقدمي المفرط الذي افتتح فصوله في السياسة الخارجية الأميركية الرئيسُ الأسبق باراك أوباما هو الذي يعرّض اليوم هذه التوازنات الدقيقة للخطر، وينتج هذا الشرق الأوسط الملتهب موفراً فراغات استراتيجية تملأها القوى المنافسة مثل روسيا أو الصين. لنتذكر مثلاً كيف أن إحجام إدارة أوباما عن التدخل بشكل حاسم ضد النظام السوري، خصوصاً بعد تجاوز «الخط الأحمر» عزَّز الانطباع حول العالم بعدم جدية الولايات المتحدة في مواجهة الأنظمة الاستبدادية الفعلية، لا سيما تلك المتحالفة مع إيران؟ وكيف سمح هذا التقاعس لإيران وبعدها روسيا، بتعزيز موقعها في سوريا، ودعم الرئيس بشار الأسد وتوسيع وجودهما العسكري، وبالتالي تغيير توازن القوى الإقليمي؟

الأخطر من ذلك، أن هذه السياسة الخارجية التي يقودها التقدميون في الولايات المتحدة، والتي تدّعي تأصلها في قيم مثل حقوق الإنسان والدبلوماسية، تواجه اليوم في ضوء حرب غزة، اتهامات بالنفاق والانتهازية، تضاف إلى سجلها الفاشل على المستوى الاستراتيجي. فالمبادئ التي يُفترض أنها حكمت سياسات وقرارات واشنطن في اليمن وسوريا والعراق لا يبدو أنها حاضرة في الموقف الأميركي الداعم لإسرائيل في حرب غزة، والتي أسفرت حتى الآن عن خسارة مأساوية لحياة 23 ألف شخص، ودمار واسع النطاق، وتشريد أكثر من 1.9 مليون من سكان القطاع، بالإضافة إلى احتمالات توسع نطاق الحرب!

إن هذا الاختلاف الصارخ في موقف واشنطن حين يتعلق الأمر بإسرائيل، يقوّض مصداقية الولايات المتحدة فيما يتعلق بحقوق الإنسان والقضايا الإنسانية وتفضيل الدبلوماسية على العسكر، ويُضعف سلطتها الأخلاقية والسياسية على المسرح العالمي، ويهز المصالح والتحالفات الاستراتيجية.

والحال أننا أمام واشنطن فاقدة على نحو خطير الفاعلية الدبلوماسية الأميركية في الدفاع عن القيم وحقوق الإنسان والمعايير الإنسانية في جميع أنحاء العالم، وفاقدة الهيبة العسكرية الضامنة للتحالفات والمصالح. وما الضربات الأخيرة في اليمن إلا محاولة يائسة لتعويض هذه الخسائر التي مُني بها الدور الأميركي في المنطقة، من دون أن تكون هذه الضربات جزءاً من استراتيجية متسقة معروفة الوجهة ومحددة الأهداف.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ضربة الحوثي صغيرة جداً ومتأخرة جداً ضربة الحوثي صغيرة جداً ومتأخرة جداً



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 11:07 2020 الجمعة ,24 كانون الثاني / يناير

سعر الذهب في مصر اليوم الجمعة 24 كانون الثاني يناير 2020

GMT 00:28 2019 الجمعة ,06 كانون الأول / ديسمبر

خالد النبوي يكشف كواليس تدريباته على معارك «ممالك النار»

GMT 14:08 2019 الإثنين ,02 كانون الأول / ديسمبر

أبرز الأحداث اليوميّة لمواليد برج"الحوت" في كانون الأول 2019

GMT 00:09 2019 الأحد ,01 كانون الأول / ديسمبر

ارتدي جاكيت الفرو على طريقة النجمات

GMT 20:08 2019 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الحكومة تصدر 9 قرارات تهم المصريين "إجازات وتعويضات"

GMT 08:01 2019 الأربعاء ,09 تشرين الأول / أكتوبر

عرض فيلم "الفلوس" لتامر حسني أول تشرين الثاني

GMT 08:44 2019 الإثنين ,16 أيلول / سبتمبر

إنجي علي تفاجئ فنانا شهيرا بـ قُبلة أمام زوجته
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon