توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

عد من «طلقني»!

  مصر اليوم -

عد من «طلقني»

بقلم - نديم قطيش

إذا كان مشروع السلام الإبراهيمي هو القوة السياسية الأبرز التي تعيد تعريف الهندسة الاستراتيجية في الشرق الأوسط، فإن اختبارات التجديد الديني الجارية عندنا، هي المعادل الاجتماعي لها، وشريكتها في صناعة مستقبل هذه البقعة من العالم.
شهر رمضان «التلفزيوني» كان مناسبة لتظهير شراسة المعركة وعمقها، من خلال توظيف سلاح الدراما «قوةً ناعمةً»، يبدو أنها ترث تدريجياً قوة التأثير التي استحوذت عليها القنوات الإخبارية العربية الشاملة.
إنها لحظة تحول عميقة على مستوى إنتاج المحتوى وفهم سلوكيات المتلقي وأنماط الاستهلاك، تبني على نجاحات سابقة للدراما (والأغنية والمسرح السياسي والسينما) كواحدة من ميادين الصراع الاجتماعي والسياسي الفكري، لكنها تستفيد من مواقع التواصل الاجتماعي والمتابعة اللحظية للسجال الذي تثيره هذه الأعمال والرقعة الواسعة التي يحتلها السجال خارج الأطر النخبوية أو أسوار الإعلام التقليدي.
الأكثر إثارة، وربما الأكثر مباشرة وحدة واستفزازاً، هو مسلسل «فاتن أمل حربي»، للكاتب المصري إبراهيم عيسى، الذي تقوم ببطولته الممثلة نيللي كريم، ويناقش المشكلات والعقبات القانونية التي تتعرض لها المرأة المُطلّقة، كالحضانة والنفقة. لا يكتفي عيسى بنص يحاور المؤسسة السياسية أو القانونية في مصر، بل يذهب عبر حواراته، التي راجعها دينياً الدكتور سعد الدين الهلالي، إلى عمق التفريق بين العقيدة والفقه، كما بين النص القرآني وبين التفسيرات.
سبق لفاتن حمامة أن رصعت سجلها بواحد من أروع الأفلام المصرية على الإطلاق، بالشراكة مع رشدي أباظة، بعنوان «أريد حلاً»، الذي أنتجه صلاح ذو الفقار وأخرجه سعيد مرزوق، ويطرح مشكلات مشابهة لما يطرحه مسلسل «فاتن أمل حربي»، وإن بحدة أقل ومواربة أكثر.
قوة إبراهيم عيسى أنه يلكم على الوجه لا على جوانب الجسد. يسدد في منطقة واضحة المعالم ليثير النقاش حول ما هو معتم أو مبهم. فحتى حين أثار عيسى احتجاج الأزهر، من دون أن يرد اسمه في الاحتجاج، غلب على البيان الأزهري التحذير من «تشويه صورة عالم الدين في المجتمع»، و«تعمد تقديم عالم الدين الإسلامي بعمامته الأزهرية البيضاء في صورة الجاهل، معدوم المروءة».
تحذير غلب عليه الحرص، وهذا حق للمؤسسة ومجتمعها، على صورة وموقع وهيبة رجل الدين الأزهري، أكثر مما هو نقاش في محتوى المسلسل ورد عليه بطرح عقائدي محكم. كيف لا، وفي سجل العقل المنير والمستنير لفضيلة شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب، مقابلة مع التلفزيون المصري يقول فيها حرفياً «لا يوجد نص صريح في القرآن أو السنة، يقضي بأنه إذا بلغ الطفل 7 سنوات والبنت 9 سنوات ينزع من الأم ويذهب للأب».
قدم إبراهيم عيسى، أطروحة لها ما لها في المضمون وعليها ما عليها في الأسلوب، وربما في المضمون، من وجهة نظر من يختلفون معه. ما يهم أن عيسى عبر مسلسله، كما مسلسل «الاختيار 3»، الذي يمثل مضبطة اتهام محكمة لتنظيم «الإخوان المسلمين»، لا يتحركان في فراغ ثقافي أو فكري أو سياسي، بل ضمن اختبار أوسع للتجديد الديني تلعب فيه السلطات المختصة دوراً مركزياً على مستوى شخصية الدولة وبنيتها القانونية والتشريعية. وقد كان للرئيس عبد الفتاح السيسي، خطاب شهير توجه فيه إلى الأزهر عام 2015، بالدعوة إلى «ثورة دينية» للتخلص من أفكار ونصوص تم تقديسها على مدى قرون، وباتت مصدر قلق للعالم كله.
ولكن لأننا في زمن السوشيال ميديا و«القبلية السياسية»، حيث تنحو المعارك من مثل هذا النوع إلى التحزب والعصبيات، لا بد من التذكير بدور الأزهر المركزي في السياق السياسي الأوسع لمعركة التجديد الديني (لم أستعمل مفردة «الإصلاح»)، الذي من أبرز محطاته، وثيقة الأخوة الإنسانية ببنودها الـ12 التي وقعت في أبوظبي في 4 فبراير (شباط) 2019 بين قداسة البابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، وفضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، ليأتي بعد ذلك اعتمادها بالإجماع بعد سنتين من الجمعية العامة للأمم المتحدة. تنهض الوثيقة على ثلاثة مداميك استراتيجية هي التسامح، وحرية المعتقد، ومبدأ المواطنة، كنقيض موضوعي لكل أفكار التطرف والإرهاب والتعصب والانغلاق.
كل هذا في كفة، وتصدر الأمير محمد بن سلمان، لمعركة التجديد من بوابة السنة النبوية في كفة وحدها. في مجلة «الأتلانتيك».
قال ولي العهد، إن فوضى الحديث المتواتر هي «المصدر الأساسي للانقسام في العالم الإسلامي، بين المسلمين المتطرفين وبقية المسلمين، فهنالك عشرات الآلاف من الأحاديث، والغالبية العظمى منها لم تُثبت، ويستخدمها العديد من الناس كوسيلة لتبرير أفعالهم، فعلى سبيل المثال، تنظيما (القاعدة) و(داعش) يستخدمان الأحاديث النبوية الضعيفة جداً، التي لم تثبت صحتها، لإثبات وجهة نظرهم».
بإزاء ذلك تسعى المؤسسة السياسية السعودية إلى تحديد أحاديث الرسول الصلبة وجمعها ونشرها، كاستراتيجية لتحرير الدين من فوضى الأحاديث الضعيفة، واستسهال التطرف وتبرير فكر الجريمة وشرعنته.
المسلمون إذن على أبواب «صحيح» جديد خلال عام أو عامين. سيحيل إلى التقاعد الكتب التي تعج بما يسمى أحاديث الآحاد، أي الأحاديث التي شرحها الأمير محمد بن سلمان، كما يلي: «هي ما سمعه شخص عن الرسول، وسمعه شخص آخر عن الشخص الأول، حتى نصل لمن وثقها، أو سمعها قلة من الناس عن الرسول، وسمعها شخص واحد من هؤلاء القلة»، بدل الأحاديث التي تواترتها جماعة عن جماعة عن جماعة عن الرسول!
القصة إذن ليست قصة مسلسل، تختلف التقديرات حول مدى ما أصاب أو أخطأ، بل هي معركة استعادة الدين من خاطفيه، وتحرير العقل الديني من أسر التاريخ.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

عد من «طلقني» عد من «طلقني»



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon