توقيت القاهرة المحلي 22:38:20 آخر تحديث
  مصر اليوم -

دولة فلسطينية الآن... وإلا!

  مصر اليوم -

دولة فلسطينية الآن وإلا

بقلم - نديم قطيش

 

وضعت حرب غزة الشرق الأوسط والعالم أمام حقيقة مُلحة لا يمكن إنكارها: إنشاء دولة فلسطينية على وجه السرعة.

ينطوي هذا الأمر، في حال حصوله أو عدم حصوله، على نتائج تتجاوز الحدود الإقليمية، يمكنها أن تعيد رسم المشهد السياسي العالمي برمته. من حيث لم يحتسب أحد، ألقى هذا الملف بثقله مباشرة على مسار الاستقرار الإقليمي، والعلاقات الدولية، وديناميكيات القيادة العالمية وشرعيتها بطرق لم نتصورها بعد.

لطالما اجتذبت جولات العنف المتكررة في غزة اهتماماً وتدخلاً دوليين، بيد أن الحرب الراهنة باتت تجسيداً رمزياً لكل مآلات الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، ودفعت، على نحو غير مسبوق، إلى التفكير في حل جذري له، نتيجة قدراته الكامنة على ابتلاع كل مداميك الاستقرار في الشرق الأوسط برمته. عليه، لو تيسر للعقلاء في المنطقة وفي إسرائيل، الخروج من هذه المحنة الدامية باتفاق واضح وسريع التنفيذ على إنشاء دولة فلسطينية قابلة للحياة، فإن 3 نتائج مباشرة ستتحقق.

أولاً، سيؤدي قيام دولة فلسطينية لفتح الباب أمام حقبة جديدة في العلاقات العربية الإسرائيلية، تبني على التفاهمات وعلى مسار السلام. لقد ظهر جلياً أن كل التفوق العسكري الإسرائيلي لا يغني عن حقيقة أن تطبيع العلاقات بين إسرائيل ودول عربية، وحده ما يمكنه أن يضمن الأمن والأمان لكل اللاعبين، ويعيد تعريف التحالفات الإقليمية، ويعزز مناخ التعاون. ولا يقتصر هذا التحول النموذجي على الاعتراف الدبلوماسي فحسب، بل يشمل إعادة تنظيم أعمق للمصالح، وتعزيز العقلانية السياسية في الشرق الأوسط، بما يخدم استقراراً مستداماً ومنتجاً.

ثانياً، إن حل أزمة غزة من خلال القنوات الدبلوماسية، وتحديداً عبر القيادة الأميركية النزيهة، من شأنه أن يعيد الاعتبار لسمعة ومكانة النفوذ الغربي، خصوصاً الأميركي، في الشؤون الدولية. التدخل الناجح والعادل في غزة، والذي يؤدي إلى تشكيل دولة فلسطينية، من شأنه أن يعزز القناعة بمكانة الغرب بوصفه حارساً جديراً بالثقة لقيادة النظام العالمي.

في ضوء الأهوال التي يتابعها العالم في غزة، من قتل غير مسبوق للمدنيين، تتآكل السلطة الأخلاقية لمنظومة القيم الغربية، بشكل دراماتيكي وخطير، يهدد سلامة القانون الدولي والمؤسسات الدولية، ويجعل كل ثوابت النظام العالمي مجرد معايير مزدوجة خالية من أي مضامين.

ثالثاً، إن التوصل إلى حل في غزة، يؤدي إلى إقامة دولة فلسطينية، من شأنه أن يجرد طهران من هذه الذريعة، الأمر الذي قد يؤدي إلى زعزعة استقرار نفوذها الإقليمي. ليس خافياً أن إيران استفادت كثيراً ولفترة طويلة من القضية الفلسطينية لتعزيز أجندتها الإقليمية، مبررة بها دعمها للميليشيات والجماعات السياسية التي تتبنى خطها السياسي. سيكون على إيران تالياً أن تبحث عن أجندة خارجية أخرى تستخدمها لصرف الانتباه عن فشلها الداخلي، أو يكون هذا التطور حافزاً لتصعيد قوى معتدلة وعاقلة داخل النظام الإيراني، ممن لا يريدون الغرق في أثمان المغامرات الخارجية على حساب النهوض بالدولة الإيرانية ومصالح شعبها.

وفي هذا السياق، كان لافتاً أن حرب غزة أعادت هذه السجالات إلى الواجهة، لا سيما عبر تصريحات مثيرة لوزير الخارجية الإيرانية السابق محمد جواد ظريف انتقد فيها بحدة جهات إيرانية تريد دفع البلاد للدخول في الحرب.

إن التقاعس عن العمل أو الفشل في اغتنام هذه اللحظة، لاستيلاد دولة فلسطينية طال انتظارها، يمكن أن يكون له تداعيات معاكسة وخطيرة. الفشل في استيلاد الدولة الفلسطينية سيؤدي حتماً إلى تآكل معسكر السلام بما يعنيه من مخاطر على إسرائيل والمنطقة، والمزيد من تدهور السلطة الأخلاقية الغربية بما يعنيه من تحرر القوى المارقة من ضوابط النظام الدولي، وازدياد جرأة الموقف الإيراني الرفضي، المزعزع لأمن الشرق الأوسط. إن مثل هذا السيناريو لن يؤدي إلى تفاقم حالة عدم الاستقرار في المنطقة فحسب، بل يهدد أيضاً قواعد الاستقرار في النظام العالمي.

والحال، أن فرصة المعالجة الجذرية للمسألة الفلسطينية الإسرائيلية، ينبغي أن تكون دافعاً لولادة قيادة جريئة ومختلفة في كل من إسرائيل وفلسطين. ظهور حكومة إسرائيلية في مرحلة ما بعد بنيامين نتنياهو، والتي من المحتمل أن تقدم له وسيلة للخروج من مآزقه القانونية، كي لا يستمر في الاستثمار في الحرب المجنونة لأسبابه الشخصية، يمكن أن يوفر البيئة السياسية اللازمة لإحراز التقدم. أما على الجبهة الفلسطينية، فإن تشكيل حكومة تكنوقراط بقيادة فلسطينية حديثة، تعرف كيف يعمل العالم، وتكون قادرة على تجاوز الانقسام الحالي بين مجموعتي رام الله وغزة، من شأنه أن يمهد الطريق لمسار قابل للحياة إلى إقامة الدولة، عبر إعادة تعريف المشروع الوطني الفلسطيني. يمكن للأزمة الحالية في غزة أن تكون مجرد حلقة أخرى في سلسلة الصراع طويل الأمد، ويمكن تحويلها إلى منعطف حاسم ينطوي على إمكانية تغيير المشهديْن الإقليمي والعالمي، من بوابة إنشاء دولة فلسطينية.

آن الأوان لأن نكف عن النظر إلى السؤال الفلسطيني بوصفه سؤالاً أخلاقياً أو عاطفياً، وإبرازه الآن بوصفه نقطة محورية استراتيجية لأمن المنطقة والعالم. إنها فرصة تحمل وعوداً بإعادة تعريف نظام الشرق الأوسط وركائز الاستقرار والأمن فيه ومعاني الكرامة لأهله، كما يمكن عبرها إعادة التأكيد على القيم التي ينبغي لها أن تحكم العلاقات الدولية.

إنها فرصة لا يستطيع العالم أن يتجاهلها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

دولة فلسطينية الآن وإلا دولة فلسطينية الآن وإلا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon