توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصراع على الهوية الشيعية... أبعد من تقاسم السلطة

  مصر اليوم -

الصراع على الهوية الشيعية أبعد من تقاسم السلطة

بقلم:نديم قطيش

من لبنان إلى العراق ثمة معركة جارية على الهوية الشيعية. زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر استلهم في تغريداته الأولى «ثورة الطف»، أو معركة كربلاء سنة 61 للهجرة بين الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته وأصحابه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية.
قال الصدر في تغريدة مطولة افتتحت الحراك الميداني في العراق: «ثورة الطف كانت وما زالت مناراً للأحرار في كل العالم، وقد انتصر فيها الدم على السيف، فاتخذها الكثير من الثوار أسوة وأنموذجاً لرفض الباطل والظلم والفساد عبر مر الزمن». وأضاف: «الطف مدرسة كان قائدها الإمام الحسين عليه السلام، وما نحن إلا تلاميذ نستلهم منها أعلى معاني التضحية والفداء ورفض الضيم والذلة».
هذا الانتساب الصدري للحسين في معركة سياسية حول شكل السلطة وخياراتها في العراق، هو رد مباشر على فائض المتاجرة التي مارسها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بمفردات المذهب ومعانيه وعناوينه نيابة عن مشروع مذهبي أوسع تقوده إيران في المنطقة منذ عام 1979. إننا، إذن، بإزاء تأطير مذهبي متبادل يمثل صراعاً لا على السلطة وحسب، بل على معنى التشيع في السياسة، والذي بدا لوهلة أنه سجال نجحت إيران في حسمه، منذ استئثارها في تمثيل الشيعية السياسية في العالم الإسلامي، وتهميش أو تغييب بقية المدارس.
فالمنتسبون للحسين من أنصار الصدر هم من رفعوا الصوت داخل قاعة البرلمان العراقي الذي دخلوه، بهتافات معادية لإيران ولهيمنتها على الحياة السياسية والوطنية في العراق. لم تصمد بإزاء هذه المشهدية محاولات المالكي جعل المعركة بينه، كممثل للشيعة، وبين البعثيين الجدد (أي السنة) بحسب تعابيره مؤخراً، إذ سرعان ما أخذت المعركة بعداً صراعياً شيعياً شيعياً على الخيارات الكبرى لأبناء المذهب أولاً وللعراقيين عامة.
هذه المعركة المتجددة داخل التشييع السياسي لها جذور بعيدة في قلب صراع التيارات الشيعية، قبل وبعد انتصار الثورة الخمينية في إيران عام 1979. فقبل نجاح الثورة الإيرانية في إطاحة نظام الشاه، اختطف (قتل على الأرجح) السيد موسى الصدر (من أبناء عمومة مقتدى) في ذروة الخلاف السياسي بينه وبين الخميني حول التصورات السياسية والدستورية لإيران ما بعد الثورة. وثمة الكثير من التحقيقات والوثائق التي تلقي بلائمة قتل الصدر على جماعات الخميني، حيث إن الصدر لم يكتف بمعارضة نظرية ولاية الفقيه الخمينية، وتجييش حوزة قم ضدها عبر علاقته بآية الله شريعتمداري، بل ذهب بعيداً إلى حد محاولة إيجاد تسوية سياسية مع الشاه، تحول النظام الإيراني إلى شبه ملكية دستورية يكون لتيار الصدر فيها الدور الأبرز.
وبعد نجاح الخميني حصلت سلسلة من الاغتيالات والإقصاءات لتيارات وشخصيات شيعية سياسية على تقاطع الديني والليبرالي، كمهدي البازركان وأبو الحسن بني صدر وغيرهما، تمهيداً لإحكام الخمينية السياسية قبضتها على الثورة الإيرانية، واختطاف الثورة باتجاه نظام ولاية الفقيه.
وقد امتد هذا الصراع إلى لبنان، حيث نشط السيد موسى الصدر سابقاً، خلال ثمانينات القرن الماضي بين ميليشيات حزب الله وحركة أمل، في الجنوب وبيروت، وحصد هذا الصراع آلاف القتلى من الطرفين، آخذاً شكل الصراع بين تيارات التشييع السياسي كما شكل صراع النفوذ الإقليمي بين دمشق حافظ الأسد وطهران الخميني، وهوية من يمسك بورقة «المقاومة» على الحدود بين لبنان وإسرائيل. ومن يعرف شيعة لبنان يعرف أن جمر هذه الصراعات كامن تحت رماد التسوية السياسية، التي توصل إليها رئيس المجلس النيابي الحالي نبيه بري مع إيران، ومختصرها أن له ولأنصاره السلطة ومكتسباتها، ولهم هم قرار الطائفة الذي يتيح لبري هوامش من التمايز غير المؤذي.
وإذا كان نبيه بري يفتقر إلى الجرأة لخوض معركة تحرير الشيعة من إيران أو تخفيف هيمنتها عليهم، بما يريح حزب الله عملياً، فإن الجاري في العراق أقلق حسن نصر الله كثيراً، وهو ما يفسر إكثاره مؤخراً من التركيز على مسألة الهوية الشيعية وتمثيل حزب لها ولمصالحها.
ففي مقابلة خصصها لمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيس ميليشيا حزب الله، استفاض نصر الله في الحديث عمن «يشبهون لبنان ومن لا يشبهونه» ومن «يشبهون حزب الله ومن لا يشبههم الحزب» مستعيراً، بشكل مضحك، محاججات من السردية الكوزموبوليتية والتعددية للهوية اللبنانية، لا تمت لثقافة حزب الله بصلة. وما ذلك إلا لأن نصر الله يستشعر أن أحادية التمثيل الشيعي السياسي التي سادت لعقود طويلة، عبر الهوية الخمينية، تواجه اليوم تحديات من داخل المذهب، ومن عمامات أصيلة وصاحبة تمثيل شعبي، لا بل من عمامة تمتلك الأغلبية البرلمانية في «بلاد كربلاء وأرض الحسين»!
يحتاج نصر الله لأن يقول أنا الشيعة، لأن في العراق من يقول له عكس ذلك. ويحتاج لأن يخوض معركة الاستئثار بالرمز الحسيني، لأن في العراق من هو من لدن الحسين، ويقول له ولإيران عكس ذلك. يفسر هذا جانباً من أسباب الاحتفالية الكبيرة، بنشيد «سلام يا مهدي»، الذي يبدو موجهاً للآخر الشيعي، أكثر من كونه موجهاً للآخر السني أو المسيحي!
لا شيء يوحي بأن هذه المعركة التي فتحت داخل التشييع السياسي ستقف عند حدود معروفة، أو أنه يمكن إنهاؤها بتسوية تحاصص سياسي؛ فالسقوف التي ذهب الجميع إليها شديدة الارتفاع، وهي تحصل في لحظة فقدان جماهيري للثقة بقدرة الأحزاب الدينية على الإتيان بأي فضيلة للناس ومصالحها ومستقبلها، كما تشهد لذلك الأوضاع المزرية في العراق ولبنان، المحكوميْن من قبل نظامين تهيمن عليهما ميليشيات إيران... لذلك ترى الصدر يغازل التيارات المدنية وقوى «ثورة تشرين»، لحماية الجانب الوطني من خطابه وتوسيع دائرة المتحلقين حوله.
إنه صراع على مستقبل الشيعية السياسية، يأخذ اليوم اتجاهات مختلفة عما جرى التنظير له قبل وفي سياق حرب عام 2003 لإسقاط صدام حسين، وإنتاج نظام شيعي في العراق يشكل عامل توازن في وجه إيران!
ما يحصل اليوم يحصل من تحت إلى فوق، بعد أن فشلت إيران في إنتاج قصة نجاح لأي من أدوارها الإقليمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع على الهوية الشيعية أبعد من تقاسم السلطة الصراع على الهوية الشيعية أبعد من تقاسم السلطة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon