توقيت القاهرة المحلي 15:42:57 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الصراع على الهوية الشيعية... أبعد من تقاسم السلطة

  مصر اليوم -

الصراع على الهوية الشيعية أبعد من تقاسم السلطة

بقلم:نديم قطيش

من لبنان إلى العراق ثمة معركة جارية على الهوية الشيعية. زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر استلهم في تغريداته الأولى «ثورة الطف»، أو معركة كربلاء سنة 61 للهجرة بين الحسين بن علي بن أبي طالب وأهل بيته وأصحابه، وجيش تابع ليزيد بن معاوية.
قال الصدر في تغريدة مطولة افتتحت الحراك الميداني في العراق: «ثورة الطف كانت وما زالت مناراً للأحرار في كل العالم، وقد انتصر فيها الدم على السيف، فاتخذها الكثير من الثوار أسوة وأنموذجاً لرفض الباطل والظلم والفساد عبر مر الزمن». وأضاف: «الطف مدرسة كان قائدها الإمام الحسين عليه السلام، وما نحن إلا تلاميذ نستلهم منها أعلى معاني التضحية والفداء ورفض الضيم والذلة».
هذا الانتساب الصدري للحسين في معركة سياسية حول شكل السلطة وخياراتها في العراق، هو رد مباشر على فائض المتاجرة التي مارسها رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي بمفردات المذهب ومعانيه وعناوينه نيابة عن مشروع مذهبي أوسع تقوده إيران في المنطقة منذ عام 1979. إننا، إذن، بإزاء تأطير مذهبي متبادل يمثل صراعاً لا على السلطة وحسب، بل على معنى التشيع في السياسة، والذي بدا لوهلة أنه سجال نجحت إيران في حسمه، منذ استئثارها في تمثيل الشيعية السياسية في العالم الإسلامي، وتهميش أو تغييب بقية المدارس.
فالمنتسبون للحسين من أنصار الصدر هم من رفعوا الصوت داخل قاعة البرلمان العراقي الذي دخلوه، بهتافات معادية لإيران ولهيمنتها على الحياة السياسية والوطنية في العراق. لم تصمد بإزاء هذه المشهدية محاولات المالكي جعل المعركة بينه، كممثل للشيعة، وبين البعثيين الجدد (أي السنة) بحسب تعابيره مؤخراً، إذ سرعان ما أخذت المعركة بعداً صراعياً شيعياً شيعياً على الخيارات الكبرى لأبناء المذهب أولاً وللعراقيين عامة.
هذه المعركة المتجددة داخل التشييع السياسي لها جذور بعيدة في قلب صراع التيارات الشيعية، قبل وبعد انتصار الثورة الخمينية في إيران عام 1979. فقبل نجاح الثورة الإيرانية في إطاحة نظام الشاه، اختطف (قتل على الأرجح) السيد موسى الصدر (من أبناء عمومة مقتدى) في ذروة الخلاف السياسي بينه وبين الخميني حول التصورات السياسية والدستورية لإيران ما بعد الثورة. وثمة الكثير من التحقيقات والوثائق التي تلقي بلائمة قتل الصدر على جماعات الخميني، حيث إن الصدر لم يكتف بمعارضة نظرية ولاية الفقيه الخمينية، وتجييش حوزة قم ضدها عبر علاقته بآية الله شريعتمداري، بل ذهب بعيداً إلى حد محاولة إيجاد تسوية سياسية مع الشاه، تحول النظام الإيراني إلى شبه ملكية دستورية يكون لتيار الصدر فيها الدور الأبرز.
وبعد نجاح الخميني حصلت سلسلة من الاغتيالات والإقصاءات لتيارات وشخصيات شيعية سياسية على تقاطع الديني والليبرالي، كمهدي البازركان وأبو الحسن بني صدر وغيرهما، تمهيداً لإحكام الخمينية السياسية قبضتها على الثورة الإيرانية، واختطاف الثورة باتجاه نظام ولاية الفقيه.
وقد امتد هذا الصراع إلى لبنان، حيث نشط السيد موسى الصدر سابقاً، خلال ثمانينات القرن الماضي بين ميليشيات حزب الله وحركة أمل، في الجنوب وبيروت، وحصد هذا الصراع آلاف القتلى من الطرفين، آخذاً شكل الصراع بين تيارات التشييع السياسي كما شكل صراع النفوذ الإقليمي بين دمشق حافظ الأسد وطهران الخميني، وهوية من يمسك بورقة «المقاومة» على الحدود بين لبنان وإسرائيل. ومن يعرف شيعة لبنان يعرف أن جمر هذه الصراعات كامن تحت رماد التسوية السياسية، التي توصل إليها رئيس المجلس النيابي الحالي نبيه بري مع إيران، ومختصرها أن له ولأنصاره السلطة ومكتسباتها، ولهم هم قرار الطائفة الذي يتيح لبري هوامش من التمايز غير المؤذي.
وإذا كان نبيه بري يفتقر إلى الجرأة لخوض معركة تحرير الشيعة من إيران أو تخفيف هيمنتها عليهم، بما يريح حزب الله عملياً، فإن الجاري في العراق أقلق حسن نصر الله كثيراً، وهو ما يفسر إكثاره مؤخراً من التركيز على مسألة الهوية الشيعية وتمثيل حزب لها ولمصالحها.
ففي مقابلة خصصها لمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيس ميليشيا حزب الله، استفاض نصر الله في الحديث عمن «يشبهون لبنان ومن لا يشبهونه» ومن «يشبهون حزب الله ومن لا يشبههم الحزب» مستعيراً، بشكل مضحك، محاججات من السردية الكوزموبوليتية والتعددية للهوية اللبنانية، لا تمت لثقافة حزب الله بصلة. وما ذلك إلا لأن نصر الله يستشعر أن أحادية التمثيل الشيعي السياسي التي سادت لعقود طويلة، عبر الهوية الخمينية، تواجه اليوم تحديات من داخل المذهب، ومن عمامات أصيلة وصاحبة تمثيل شعبي، لا بل من عمامة تمتلك الأغلبية البرلمانية في «بلاد كربلاء وأرض الحسين»!
يحتاج نصر الله لأن يقول أنا الشيعة، لأن في العراق من يقول له عكس ذلك. ويحتاج لأن يخوض معركة الاستئثار بالرمز الحسيني، لأن في العراق من هو من لدن الحسين، ويقول له ولإيران عكس ذلك. يفسر هذا جانباً من أسباب الاحتفالية الكبيرة، بنشيد «سلام يا مهدي»، الذي يبدو موجهاً للآخر الشيعي، أكثر من كونه موجهاً للآخر السني أو المسيحي!
لا شيء يوحي بأن هذه المعركة التي فتحت داخل التشييع السياسي ستقف عند حدود معروفة، أو أنه يمكن إنهاؤها بتسوية تحاصص سياسي؛ فالسقوف التي ذهب الجميع إليها شديدة الارتفاع، وهي تحصل في لحظة فقدان جماهيري للثقة بقدرة الأحزاب الدينية على الإتيان بأي فضيلة للناس ومصالحها ومستقبلها، كما تشهد لذلك الأوضاع المزرية في العراق ولبنان، المحكوميْن من قبل نظامين تهيمن عليهما ميليشيات إيران... لذلك ترى الصدر يغازل التيارات المدنية وقوى «ثورة تشرين»، لحماية الجانب الوطني من خطابه وتوسيع دائرة المتحلقين حوله.
إنه صراع على مستقبل الشيعية السياسية، يأخذ اليوم اتجاهات مختلفة عما جرى التنظير له قبل وفي سياق حرب عام 2003 لإسقاط صدام حسين، وإنتاج نظام شيعي في العراق يشكل عامل توازن في وجه إيران!
ما يحصل اليوم يحصل من تحت إلى فوق، بعد أن فشلت إيران في إنتاج قصة نجاح لأي من أدوارها الإقليمية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الصراع على الهوية الشيعية أبعد من تقاسم السلطة الصراع على الهوية الشيعية أبعد من تقاسم السلطة



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:42 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة
  مصر اليوم - أفكار هدايا لتقديمها لعشاق الموضة

GMT 10:08 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد
  مصر اليوم - وجهات سياحية مناسبة للعائلات في بداية العام الجديد

GMT 09:50 2025 السبت ,04 كانون الثاني / يناير

نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل
  مصر اليوم - نصائح بسيطة لإختيار إضاءة غرف المنزل

GMT 13:18 2025 الأحد ,05 كانون الثاني / يناير

تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور
  مصر اليوم - تامر حسني يكشف حقيقة عودته لبسمة بوسيل ويصدم الجمهور

GMT 14:55 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

التفرد والعناد يؤديان حتماً إلى عواقب وخيمة

GMT 07:29 2020 الأربعاء ,17 حزيران / يونيو

ارمينيا بيليفيلد يصعد إلى الدوري الألماني

GMT 13:03 2017 الخميس ,07 كانون الأول / ديسمبر

"فولكس فاغن" تستعرض تفاصيل سيارتها الجديدة "بولو 6 "

GMT 18:07 2017 الأربعاء ,08 تشرين الثاني / نوفمبر

المنتخب الإيطالي يتأهب لاستغلال الفرصة الأخيرة

GMT 07:24 2024 الخميس ,19 أيلول / سبتمبر

دراسة توضح علاقة القهوة بأمراض القلب

GMT 22:13 2024 الجمعة ,07 حزيران / يونيو

بسبب خلل كيا تستدعي أكثر من 462 ألف سيارة

GMT 00:02 2023 الجمعة ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات فولكس فاغن تتجاوز نصف مليون سيارة في 2022

GMT 08:36 2021 الخميس ,07 تشرين الأول / أكتوبر

أيتن عامر تحذر من المسلسل الكوري «squid games»

GMT 20:44 2021 الأربعاء ,15 أيلول / سبتمبر

شيرين رضا تتعرض للخيانة الزوجية من صديقتها المقربة
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon