توقيت القاهرة المحلي 09:20:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

التحالف شجاع يصنع السلام ويطور الاقتصاد

  مصر اليوم -

التحالف شجاع يصنع السلام ويطور الاقتصاد

بقلم:نديم قطيش

لا تنفصل منطقتنا عن استفحال صراعات الهوية المندلعة في العالم. القبلية السياسية واستنفار الهويات، ظاهرة كونية تزداد حدة، ليس الإسلام السياسي بنسخه الأخيرة إلا واحداً من إفرازاتها، مثله مثل القومية اليهودية المعاصرة أو القومية البيضاء أو حتى ظواهر يسارية هوياتية مثل «بلاك لايفز ماتر» وعصبيات الهويات الجندرية...
الأيام الفائتة قدمت عندنا نموذجاً للمآلات المرعبة لاستفحال تنازع الهويات. فقد شهد ما يسمى «يوم القدس»، الذي تحتفل فيه القاعدة اليمينية الإسرائيلية بـ«توحيد القدس» أي احتلال الشطر الشرقي للمدينة في أعقاب حرب 1967، اشتباكات مع فلسطينيين ممن رفعوا القدس إلى مصاف هوية مضادة لا تقل قداسة... عشرات، بل مئات الإصابات، في الاشتباكات بين جماهير «مسيرة الأعلام» وجماهير «الدفاع عن بيت المقدس» في مشهد أقرب إلى استقالة العقل تماماً، واندفاع الغرائز نحو أقاصي تجلياتها الممكنة.
كان سبق ذلك مشهد مشين قدمته الشرطة الإسرائيلية يوم جنازة الصحافية الفلسطينية شيرين أبو عاقلة، التي يبدو أنها قُتلت برصاص جندي إسرائيلي. كان من العجيب أن يشهد المرء على سلوك عناصر شرطة دولة، حققت سمعة محترمة في مجالات الثقافة والتكنولوجيا بقطاعاتها كافة، وهم ينهالون بالهراوات على تابوت وحملة نعش!! في المقابل كانت «السوشيال ميديا» مضماراً ثرياً لصراعات هوية من نوع آخر، حين راح «فقهاء» تويتر يتبارزون في تقديم الأسباب على عدم جواز الترحم على أبو عاقلة، في ذروة ما هم يرفعون مأساة مقتلها علماً على «عدالة وإنسانية قضيتهم»!!
زحمة المشاهدات الهوياتية هذه لا تحل بقدح المنطلقات الفكرية والقيمية لأصحابها، ولا بتخيل ساذج أن العالم سيبرأ من هذه الظواهر فقط لأن ثمة من يعتقد بعكسها وأن نقيضها أفضل للبشر. كما أننا لا نملك معياراً لتحديد حجم هذه المجموعات في بيئاتها إلا ما تيسر من أدوات سياسية كالانتخابات التي أوصلت اليمين الإسرائيلي واليمين الفلسطيني إلى الحكم وأبعدت عن دائرة القرار، لا سيما في إسرائيل، مَن يؤمنون بالسلام والتسوية ويتخففون أكثر من أثقال التاريخ وهوياته.
إذا كان من صراع حقيقي نحتاج إليه الآن، فهو الصراع مع صناع هذه المشهديات جميعاً بوصفهم معسكراً واحداً لا معسكرات متقابلة. وأما من يصارعهم فهم المؤمنون بفكرة السلام ورفاه البشر على قاعدة اقتصادات حديثة توسع رقعة المصالح المشتركة، وتعيد تعريف وحدة المصائر بين الناس.
فبينما كان إسرائيليون وفلسطينيون يتناطحون حول ترسيم حدود الهويات في مدينة القدس، وإسلاميون يتناحرون حول ترسيم حدود الرحمة، كان العالم في «دافوس» مهموماً بانعقاده في توقيت يشهد حرباً غير مسبوقة في قلب أوروبا، ومستويات تضخم قياسية وارتباك سلاسل التوريد التي تهدد الصناعات الحيوية والأمن الغذائي، بالإضافة إلى الأحداث المناخية المروعة واستمرار عمليات الإغلاق الوبائي في بعض أنحاء العالم، لا سيما الصين!
بالطبع لا يسلم «منتدى دافوس» من النقد بوصفه في كثير من وجوهه انعكاساً لأزمات النظام العالمي نفسه، لا سيما بسبب هيمنة النخب المالية والسياسية على أجندته كما على مسارات النقاش والخلاصات. وقد زادت الإشكاليات المحيطة بسمعة المنتدى بعد جائحة «كورونا» حين ظهر بشكل جلي أن كبار أثرياء العالم المدعوين لحل مشكلاته ازدادوا ثراءً بسبب حسن استثمارهم في الأزمات والمصائب، في حين ازداد الفقراء فقراً وهبطت قطاعات مقلقة من الطبقة الوسطى في العالم نحو طبقات أقل رخاءً.
ولكن بدل الاكتفاء بنقد «دافوس»، يجب البحث عن تحالف جديد مناهض لقوى صراعات الهوية والتوصل إلى خريطة طريق تعيد الاعتبار لفكرة السلام والتشارك العادل في الثروات حول العالم كمقدمة ضرورية لحل النزاعات الهوياتية فيه.
فما تعانيه منطقتنا على وجه الخصوص هو ضعف هذا التحالف تحديداً بين المؤمنين بالسلام، وممن يخضعون لابتزاز تجار الهويات أكان اسمها الدين أو الوطن أو الطائفة، ويصبون الكثير من المياه في طواحينهم.
ولأن الإيمان بالسلام وحده لا يكفي، فمن الواجب الدفع قدماً باقتصادات حديثة تعيد تشبيك المصالح بين دول المنطقة كلها كمدخل لإعادة تعريف وحدة المصائر بين أمم وشعوب ودول هذه الناحية من العالم.
ثمة دول وتنظيمات وشخصيات تسعى لأن تبقى منطقتنا أسيرة منطق «الحرب على الإرهاب» الذي صادر العقد الأول من الألفية بين 2001 و2010... أو تريد أن تأسر التجربة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والتنموية في سجن الربيع العربي وتداعياته، التي صادرت العقد الثاني من الألفية بين عامي 2010 و2019...
العقد المقبل هو عقد مختلف تماماً سيتم تعريف النجاح والفشل فيه وفق أولويتي السلام في المنطقة والاقتصاد التشاركي الحديث. وما يتطلبه الفوز بحسم خلاصات هذا العقد هو توسعة التحالف الشجاع بين من يريدون السلام حقاً ومن لا يريدونه.
الصراع ليس حول أطر حل النزاعات بل حول القدرة على تخيل مستقبل أفضل والانخراط الحاسم في صناعته.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

التحالف شجاع يصنع السلام ويطور الاقتصاد التحالف شجاع يصنع السلام ويطور الاقتصاد



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon