توقيت القاهرة المحلي 11:02:17 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أوهام الاتفاق الصيني ـ الإيراني

  مصر اليوم -

أوهام الاتفاق الصيني ـ الإيراني

بقلم: نديم قطيش

أشعل الاتفاق الاستراتيجي بين الصين وإيران سجالاً داخل إيران يفوق في أهميته ما أثاره الاتفاق في الخارج.
الأمين العام للمجلس الأعلى للأمن القومي، علي شمخاني، وضع «الاتفاق»، أو «الخطة» كما سماها الصينيون، الذي لا نملك كثيراً من المعطيات الرسمية الدقيقة حوله، في إطار «المقاومة النشطة» التي «تزيد من سرعة أفول أميركا».
الرد على شمخاني نقلته وكالة «إرنا» الرسمية، على لسان حميد أبو طالبي، المستشار السابق للرئيس الإيراني للشؤون الدولية، الذي قال إن «الصين تسعى وراء مصالح واقعية وليست المقاومة الفعالة أو المواجهة الاستراتيجية مع الآخرين، خصوصاً مع الغرب»، داعياً إلى «معرفة الصين جيداً».
يختصر هذا السجال الفهم الضيق للصين، بوصفها دولة «ستاتيكو»، وفهم مصالحها وموقعها في المنطقة، ويفضح الاستعجال «الثوري» لتوظيف الاتفاق الإيراني - الصيني في إطار الحرب الدعائية للجمهورية الإسلامية؛ الباحثة عن انتصارات معنوية في ذروة حشرتها الاقتصادية وعدم وضوح مصير الاتفاق النووي وما إذا كانت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن ستعود إليه أو متى وبأي شروط.
لنبدأ أولاً من أن الاتفاق، بالشكل، هو نظير 15 اتفاق تعاون استراتيجي، وقعتها الصين مع دول في منطقة الشرق الأوسط الكبير، ولا يحمل أي خصوصية استراتيجية تعني إيران وحدها أو تعني صراعات إيران في المنطقة. ولنلاحظ أن حجم الاتفاق الذي تراوحت الأخبار عنه بين 400 مليار و650 مليار دولار لا يزال في إطار التكهنات والتسريبات، وقد خضع لكثير من التشكيك، حيث إن الاتفاق لا يبدو أنه ينطوي على اتفاقات محددة بموازنات محددة وفق خطط تنفيذية تفصيلية، في حين أن المصالح التجارية القائمة حالياً بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي تفوق 260 مليار دولار.
ومن شككوا في حجم الاتفاق الصيني - الإيراني، يستندون إلى أن مجمل ما ستنفقه الصين على «مبادرة الحزام والطريق» منذ عام 2013 وحتى عام 2027 يتراوح حول حدود 1.2 تريليون دولار، مما يجعل من غير المنطقي القبول بفكرة أن الصين ستنفق ما يوازي ثلث هذه الموازنة في إيران وحدها!
كما أن تصوير الاتفاق الصيني - الإيراني كأنه جزء من استراتيجية الصراع الصيني - الأميركي، أبعد من فكرة المناكفة، فيه كثير من المبالغة العالقة في ثقافة الحرب الباردة التي لا تنطبق على واقع حال العلاقات بين واشنطن وبكين.
فرغم المناخ الصراعي الذي يميز العلاقات الصينية - الأميركية الراهنة، فإن مستشار روحاني، أبو طالبي، أصاب حين قال إن «الصين من دون أميركا وأميركا بدون الصين، يعني دمار اقتصاد العالم». الحقيقة أن الصين مدينة لأميركا أولاً وأخيراً بنهضتها الاقتصادية الاستثنائية. هذا ما يدل عليه حجم التجارة بين الصين وأميركا المساوي 13 في المائة من مجموع حجم التجارة الخارجية للصين بقيمة 558 مليار دولار خلال سنة 2019، وبعجز في الميزان التجاري لصالح الصين بحجم 345 مليار دولار. كما أن الصين تملك ما يفوق التريليون دولار من دين الولايات المتحدة، مما يجعلها صاحبة مصلحة أكيدة في صحة الاقتصاد الأميركي. لنقارن ذلك مع حجم تجارة خارجية بين أميركا والاتحاد السوفياتي السابق ظل عند حدود واحد في المائة من حجم التجارة الخارجية للبلدين.
كما أن الصين، بوصفها دولة مدمنة على نفط المنطقة، ونفط إيران الزهيد بينها، صاحبة مصلحة استراتيجية في استقرار الممرات البحرية وخطوط إمداد النفط لها ولجوارها الآسيوي المعتمد على مصادر النفط نفسها في الشرق الأوسط، والذي تتداخل اقتصاداته مع اقتصاد الصين. بسبب ذلك يبدو لي من غير الواقعي تماماً أن تنسحب أميركا من الشرق الأوسط إلى الحدود التي تسلم فيها للصين بالتحكم في أمن المنطقة وممراتها وتجارتها بما يضع حلفاء واشنطن الآسيويين تحت رحمة بكين. ولا الصين قادرة وحدها على ذلك، أو ساعية لأدوار مماثلة.
تدرك الصين قصورها بالمعنى الاستراتيجي العسكري. ففي مقابل نحو 800 قاعدة عسكرية أميركية في العالم موزعة على أكثر من 70 دولة، لا تملك الصين إلا قاعدة عسكرية واحدة في جيبوتي مع احتمال أن تقدر على استخدام أحد مرافئ باكستان لأغراض عسكرية. كما أن أميركا تملك 11 حاملة طائرات في مقابل حاملتين للصين، مع فوارق هائلة في القدرات التقنية والاستيعابية. فمجموع مساحات وقدرات الحاملات الأميركية يفوق بمرتين مجموع كل حاملات الطائرات في العالم.
في نهاية الأمر؛ الصين نهضت ونمت مستفيدة من واقع الأمر الدولي الذي تدفع واشنطن تكاليف صيانته وتستفيد منه بكين، وهو ما برز بوصفه معطىً خلافياً بين البلدين خلال ولاية الرئيس السابق دونالد ترمب.
بهذا المعنى تفضل الصين وضعية الدولة الصديقة للجميع وغير الحليفة لأحد؛ أي إنها لا تطرح نفسها بديلاً عقائدياً وثقافياً لمحور متماسك ومتناغم ومتشابه في مقابل محور آخر. أصدقاء الصين يتوزعون على شتى الأحلاف السياسية وأنظمة الحكم؛ بل معظمهم أقرب إلى الغرب ومنظومة قيمه. ففي مقابل وعود الاتفاق الصيني - الإيراني وانتظاراته الساكنة في علم الغيب، يجب التنبه إلى أن واقع التجارة القائم حالياً بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، الحليفة لواشنطن، يقدر بنحو 260 مليار دولار. ومن بين كل دول العالم اختارت الصين أبوظبي؛ واحدة من أقرب العواصم إلى الولايات المتحدة، لتحتضن أول خط إنتاج خارجي للقاح «سينوفارم» المضاد لـ«كوفيد - 19» بطاقة 200 مليون لقاح في السنة. كما أن الإمارات والسعودية ودولاً أخرى تتعاون مع الصين في تطوير البنية التحتية لتقنية الاتصالات «فايف جي» التي تملكها شركة «هواوي» الصينية.
ويلاحظ مراقبو الصين أن هاجس بكين في الحديث عن «النموذج الصيني» ليس تقديم بديل أممي، كما كانت حال الاتحاد السوفياتي، ثم التدخل خارجياً لفرضه، بقدر ما يهدف إلى منع الآخرين من التدخل في الصين وفي نظامها الهجين، الذي يقود فيه الحزب الشيوعي ماكينة رأسمالية هائلة.
الصين خائفة بقدر ما هي مخيفة. تكفي النظرة إلى جوار الصين والنظرة المقارنة إلى الجوار الأميركي ليتأكد المرء من أن أغلبية جيران الصين حلفاء لأميركا ومستعدون للتعامل معها لضبط شهوات بكين، في حين أن أياً من جيران أميركا غير راغب في علاقة مماثلة مع الصين لمواجهة أميركا.
حتى إشعار آخر؛ تبدو أولويات الصين اقتصادية مع بعض الإضافات الطفيفة في المجالات العسكرية والأمنية... فلا يزال معظم الصينيين فقراء نسبياً، حيث إن 600 مليون صيني؛ أي 45 في المائة من إجمالي السكان، يعيشون بدخل شهري يقل عن 300 دولار. وبموازاة ذلك طبقة متوسطة متطلبة، لا يمكن الاستجابة لتوقعاتها ورعاية مصلحتها في الاستقرار من دون الاستمرار في لعبة النمو وخلق الوظائف، وهو ما دونه عقبات لا حصر لها، تبدأ من تداعيات «كوفيد - 19» ولا تتوقف عند العثرات التي تصيب «مبادرة الحزام والطريق».
الصين دولة مهمة، وقد حققت اختراقات استراتيجية في المنطقة، ولكنها في نهاية التحليل دولة تنافس من داخل النظام القائم لا من خارجه، ودولة لها مصلحة استراتيجية في أن يبقى التنافس تحت سقف الاستقرار.
الأهم أنها دولة، ومهما كبرت خلافاتها مع منافستها الأولى في العالم، ستظل عينها على كعكة التفاهم مع واشنطن.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أوهام الاتفاق الصيني ـ الإيراني أوهام الاتفاق الصيني ـ الإيراني



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon