توقيت القاهرة المحلي 11:45:24 آخر تحديث
  مصر اليوم -

رئاسة كامالا هاريس مشكلة دولية

  مصر اليوم -

رئاسة كامالا هاريس مشكلة دولية

بقلم : نديم قطيش

أياً يكن الفائز في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، بعد خروج الرئيس جو بايدن من السباق، إنما يعلن انطلاق حقبة رئاسية جديدة تماماً. ‏فكامالا هاريس ودونالد ترمب، ‏كل لأسبابه وخلفياته، مرشحان غير عاديين. تمثل هاريس، على نحو أدق من بايدن، التيار التقدمي في الحزب الديمقراطي، في حين يختزل ترمب نقطة تحول كبيرة في توجهات الحزب الجمهوري، تميل إلى المحافظة السياسية والأخلاقية وفائض الوطنية الأميركية. ولأن انتخابات من هذا النوع يتقرر في ضوء نتائجها الكثير من مصائر القضايا والملفات في العالم، فهي تسلط الضوء على عيب رافق الديمقراطية الأميركية بتنامٍ مطرد منذ منتصف القرن العشرين. فهي الانتخابات الأكثر ديمقراطية داخل أميركا والأقل ديمقراطية بالنسبة لبقية الكوكب، لأن نحو 250 مليون أميركي فقط سيقررون هوية الرئيس المقبل، الذي إلى جانب كونه رئيس أميركا والأميركيين، فهو أو هي، رئيس العالم برمته أيضاً.

وعليه، هل الأولوية هي لتسجيل سبق هوياتي في الانتخابات الرئاسية عبر إيصال أول امرأة من أصول هجينة أفريقية وآسيوية، أم الأولوية لإيصال من يتمتع بكفاءة قيادية لمعالجة التحديات السياسية والأمنية والاقتصادية على الصعيد العالمي؟

‏لا يمكن الزعم بسهولة الإجابة عن هذا السؤال، لا سيما أن كل السياسة في نهاية المطاف هي السياسة المحلية. وما يدور السجال حوله ليس من توافه الأمور، أكان مرتبطاً بالجنس أو اللون أو الأقليات أو الإجهاض أو المهاجرين. بيد أن المحلي في أميركا ما كان يوماً بهذا الانفصال الحاد عن الأولويات الاستراتيجية الخطيرة والضاغطة على الملفات السياسية حول العالم.

لنتوقف لحظة عند تصاعد النفوذ الصيني في آسيا، وتحديات روسيا المتعددة لأمن واقتصاد أوروبا، والصراعات المستمرة في الشرق الأوسط برعاية مباشرة من إيران وميليشياتها. في هذا العالم الذي شهد الأسبوع الفائت أول مناورة روسية صينية مشتركة على تخوم ألاسكا، وتحدث فيه الدوليون قبل الإيرانيين عن تقدم طهران النووي، وقصفت ميليشيات الحوثي تل أبيب بمسيّرة مفخخة، تثور صراعات ثقافية وقيمية في أميركا عنوانها أمومة هاريس أو لونها أو طريقة لفظ اسمها لتشكل صلب «القضايا» التي ستقرر هوية ساكن البيت الأبيض المقبل!

لا شك أن ترشيح كامالا هاريس متجذرٌ في الحلم الأميركي ووعوده بمستقبل دائم التقدم نحو عدالة أكثر وشمولية أوسع. ويعد وصولها كأول نائبة رئيس من أصول أفريقية وآسيوية، ثم تصدرها ترشيح الحزب الديمقراطي للانتخابات الرئاسية، إنجازاً تاريخياً للسياسة الأميركية. بيد أن الخطر يكمن في تحقيق هذا المنجز بشأن العدالة والمساواة على حساب الحاجة إلى قيادة سياسية قوية ومتوازنة تعترف بالتحديات العالمية وتمتلك إرادة التصدي لها بفاعلية، لتحقيق الأمن والاستقرار الدوليين.

الانتخابات الرئاسية لعام 2024، إذن، ليست مجرد مسابقة بين كامالا هاريس ودونالد ترمب؛ إنها لحظة محورية ستشكل مستقبل النظام العالمي في لحظة يتعرض فيها هذا النظام لشتى أنواع التحديات والابتزاز والاستنزاف. وما ينبغي أن يخيفنا في الشرق الأوسط تحديداً أن ترشيح هاريس، بأهميته التاريخية ووعده التقدمي، لا يرتقي إلى مستوى التحديات الملحة الاقتصادية والجيوسياسية التي تزنر العصر الحالي.

يترافق هذا الإفراط في التركيز على سياسات الهوية مع تنامي مؤشرات التفسخ في المجتمع الأميركي، وزيادة حال الغربة بين الأميركيين على نحو بات يهدد وحدتهم الداخلية، ويعطل قدرة الإدارة الأميركية على توفير ما يلزم من رأسمال سياسي ومؤسساتي للتصدي للتحديات الخارجية.

وبهذا المعنى، فإن الإغراق في التركيز على سياسات الهوية مرشح لأن يشكل أيضاً خطراً كبيراً على الدور العالمي للولايات المتحدة وتحالفاتها الدولية، ويهدد بصرف الانتباه عن التحديات العالمية الملحة التي تؤثر بشكل مباشر على الأمن والمصالح الاقتصادية الأميركية، في وقت تستمر فيه القوى المنافسة مثل الصين وروسيا في تعزيز نفوذها وتحدي هيمنة واشنطن.

تقول هاريس إنها تشكل خيار المستقبل في حين يشكل دونالد ترمب الماضي. بيد أن المستقبل الذي تعدنا به المرشحة الديمقراطية ماثل أمامنا ولا تخطئه العين. فالعالم بقيادة ديمقراطية منذ باراك أوباما بولايتيه وحتى جو بايدن، ‏شاهد على رثاثة القيادة الأميركية الدولية التي فتحت الباب أمام مغامرات تعديل ميزان القوى الدولي من قبل لاعبين كالصين وروسيا وإيران وفنزويلا وكوريا الشمالية وغيرها، ‏على نحو زاد من حدة الاستقطاب وتردي الاستقرار.

لا شيء يوحي بأن هاريس ستكون أفضل، لا سيما وأنها ستكون مهتمة بالتعبير الأمين عن الموجة الديمقراطية التقدمية التي قد تحملها إلى البيت الأبيض، مع ما يعنيه ذلك من تكريس الطلاق بين أولويات صناعة السياسة في أميركا والأولويات السياسية في العالم.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

رئاسة كامالا هاريس مشكلة دولية رئاسة كامالا هاريس مشكلة دولية



GMT 09:30 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ويْكَأن مجلس النواب لم يتغير قط!

GMT 08:32 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الثلج بمعنى الدفء

GMT 08:29 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

فرنسا وسوريا... السذاجة والحذاقة

GMT 08:27 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

التكنوقراطي أحمد الشرع

GMT 08:25 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

جدل الأولويات السورية ودروس الانتقال السياسي

GMT 08:23 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

ليبيا: لا نهاية للنفق

GMT 08:21 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

الصناعة النفطية السورية

GMT 08:19 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

دمشق وعبء «المبعوثين الأمميين»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 11:45 2025 الثلاثاء ,07 كانون الثاني / يناير

يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب
  مصر اليوم - يحيى الفخراني يختار التمثيل ويترك مهنة التدريس في كلية الطب

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon