توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المسلمون أولاً... ليس الإسلام

  مصر اليوم -

المسلمون أولاً ليس الإسلام

بقلم: نديم قطيش

ما ينبغي أن يعنينا، في العالم الإسلامي، من المعركة المندلعة حول إعادة نشر رسوم كاريكاتور تتناول نبي المسلمين محمد، أبعد بكثير عمّا قد يعني غيرنا حول العالم.
فهذه فيما يعنينا، ليست معركة حول الحريات، بالمعنى المطلق للكلمة، وإن كان جانب منها كذلك. وهي ليست، فيما يعنينا كأولوية، معركة داخل الفضاء الثقافي العلماني وسجالاته البينية حول حدود الحريات، وهذا نقاش واسع داخل الأدبيات العلمانية، يساراً ويميناً، يتلون بألوان العلمانية المختلفة داخل أوروبا وبالمقارنة بين أوروبا وأميركا. وقد لفتتني كثرة الأصوات التي باتت تضع تحت المجهر «أصولية» العلمانية الفرنسية، وتفسيراتها «المتطرفة» لشؤون الحرية والعلمانية التي تكاد تختصر جوهر العلمانية بالحق في التجديف كحق دستوري للمواطن الفرنسي.
وهذا حق يُساء فهمه في العالم العربي والإسلامي، ما دام المتلقي لا يفهم أن القانون الفرنسي يضع حداً فاصلاً بين الإيمان والمؤمن. للفرنسي الحق في أي موقف تجديفي من كل العقائد والأفكار، ما دام لا يميّز ضد معتنقيها.
الجمهورية التي تتيح لك الحق في أن ترفض الإسلام تُلزمك بواجب احترام الحقوق الدستورية للمسلمين. المثال الفاقع على ذلك أنه بوسع «شارلي إيبدو» رسم ما تشاء عن الإسلام أو أي معتقد ديني أو مدني آخر، وليس بوسعها أن ترفض توظيف مواطن فرنسي لأنه مسلم.
صِلاتنا بهذه العناوين أكيدة، كنخب وحكومات وإعلام، وإن اختلفت في ترتيبها على سلم الأولويات بين بيئة وأخرى.
بيد أن ما به يجب أن ننشغل، أن الدائر حول «شارلي إيبدو» ورسومها، هو معركة تتداخل في طياتها معارك سياسية وثقافية وقيمية وإعلامية وتعبوية مندلعة داخل العالم الإسلامي نفسه، بجميل المجلة الفرنسية وبلا جميلها.
فليس من باب الصدفة أن قادة مشروع «الإخوان المسلمين»، وجدوا في القضية مادة لتعزيز مشروعيتهم السياسية وتوسعة حضورهم في وجدان العالم الإسلامي، بالإكثار من صب الزيت على نار هذه القضية.
تصدّر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان مشهد «النخوة الإسلامية» للدفاع عن كرامة نبي المسلمين محمد، ولحق به لفيف إخواني عريض، وصل في ذروة انحطاطه الثقافي والفكري إلى تصريح رئيس الوزراء الماليزي السابق مهاتير محمد، بأنه من «حق المسلمين قتل ملايين الفرنسيين». وإذ أوضح مهاتير تصريحه الرث هذا، أنبأنا بأن هذا حق معطَّل بقوة أن «المسلمين بشكل عام لم يعتمدوا قانون العين بالعين»!
تصدُّر «الإخوان المسلمين» لهذه المعركة، هو امتداد لمعركة ثقافية وقانونية وأخلاقية داخل العالم الإسلامي، بين مشروع الإسلام السياسي ومشروع الدول الوطنية، أي بين منظومتي الدستور والفقه.
قبل سنتين أو أكثر قال الأمير محمد بن سلمان في إحدى مقابلاته إن الإسلام رافد من روافد الهوية السعودية، وهذا كلام يكاد يكون التعبير الأوضح عن الخيار الاستراتيجي لهوية وشخصية ما باتت تُسمى الدولة السعودية الرابعة. وتحدث الأمير محمد في أكثر من مناسبة عن مصالحة الهوية الإسلامية ودمجها في العالم.
وفي أبوظبي استضاف الشيخ محمد بن زايد في فبراير (شباط) 2019، المؤتمر العالمي للأخوة الإنسانية، الذي وضع نصب عينيه التصدي للتطرف الفكري وتعزيز العلاقات الإنسانية وإرساء قواعد جديدة لها بين أهل الأديان والمعتقدات المتعددة، تقوم على احترام الاختلاف. وقد صدر عن المؤتمر التاريخي «وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك» التي وقّع عليها الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر، والبابا فرنسيس بابا الكنيسة الكاثوليكية، في دولة الإمارات.
العالمية الكوزموبوليتية التي تنطوي عليها مثل هذه الدعوات، والتخفف من وطأة الفقه ومنظومة الأحكام الدينية المباشرة في الشأن العام وإدارة العلاقات الإنسانية وحوار الهويات، لصالح القوانين الوضعية ورحابة الهوية الإنسانية، يجد فيه غلاة المسلمين ابتعاداً عن «الإسلام الصحيح» كما يجد فيه غلاة المسيحيين ابتعاداً مماثلاً.
فالكنيسة الكاثوليكية، بقيادة البابا فرنسيس، البابا الأول من خارج أوروبا منذ 1200 سنة، تواجه حرباً عقائدية ضروساً تُخاض ضدها من داخلها، بزعامة تيارات وأساقفة وكرادلة لا يتورعون عن اتهام الفاتيكان بالتآمر على الكاثوليكية وتحويلها إلى عقيدة معاصرة هجينة تختلط فيها الاشتراكية بالعولمة بالنسوية بالنشاطية البيئية (سينودوس الأمازون مثالاً)... وقد كان آخر مواقف الكنيسة المتسامحة حيال المثليين صاعقة من تلك الصواعق التي أجّجت الحرب الثقافية داخل المسيحية.
الصراع على مفهوم «الإسلام الصحيح» لا يبتعد كثيراً عن الصراع على مفهوم «المسيحية الصحيحة»، ولا يخلو الصراعان من أبعاد سياسية تتوسل الديني لصالح السياسي والسلطوي، وآخر أمثلة ذلك الانتخابات الأميركية التي تحولت في قسم منها، بشكل شديد المفارقة، إلى حرب على من له أحقية تمثيل جوهر الكاثوليكية. يزداد ذلك استفحالاً في لحظة اشتعال هواجس الهويات في العالم نتيجة قصور المؤسسات السياسية والحكومات عن سداد الحاجات المادية والخدماتية والنفسية للمواطنين في ظل احتقان الأزمات الاقتصادية (انهيار عام 2008) وشيخوخة الديمقراطية (تزايد الديمقراطيات التي تعاني من عجز الأكثريات الشعبية عن الحكم بسبب جمود قوانين الانتخاب) ووباء «كورونا»...
بيد أن هذا الصراع أكثر خطورة وإلحاحاً داخل الإسلام منه داخل المسيحية، بسبب ضعف المؤسسات عامة وهشاشة الشرعيات الدستورية، والإرث المشوّش للعلاقة بين الإسلام والسياسة، في مقابل قوة المؤسسات في الغرب ومتانة الشرعيات الدستورية والجذور العميقة لقيم الفردية والمواطنة والدستور والقانون.
مسؤولية النخب والحكومات نقل الصراع من الصراع الوهمي على ما يسمى «الإسلام الصحيح» إلى الصراع على تعيين المصالح الواقعية للمسلمين، كمواطنين في دول، ودول تتفاعل مع كون كامل من المختلفين...
وهنا لا بد من السؤال: إذا كانت «القاعدة» و«داعش» و«النصرة» و«الجهاد» و«حماس» و«الإخوان» و«حزب الله» و«بوكو حرام» وعشرات الميليشيات الشيعية وحكومة الشباب وغيرهم، وكل هؤلاء لا يمثلون الإسلام الصحيح... فمَن، وما هو الإسلام الصحيح؟! مفاهيم الإسلام وعاء فسيح جداً لها ما لها وعليها ما عليها، وآخر ما تعوزه هذه المنطقة هو الصراع على التاريخ ومدارس الفقه وتاريخ النزول والفتح الإسلامي ومصائر بني قريظة ورحلات الشتاء والصيف...
نحتاج إلى نقاش من داخل الإسلام يبدأ وينتهي بمصالح المسلمين وموقع المسلمين وعلاقات المسلمين كأفراد وكجماعة على قواعد الحقوق والمواطنة والدستور.
أما الإسلام، فيكفي أن يؤمن المسلمون بأنه له رب يحميه، ليُسقطوا عن كاهلهم مهمة الدفاع عن الإسلام وكتابه ورسوله، ويتركوا ما لله لله.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المسلمون أولاً ليس الإسلام المسلمون أولاً ليس الإسلام



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon