توقيت القاهرة المحلي 10:04:56 آخر تحديث
  مصر اليوم -

ما بعد القدس

  مصر اليوم -

ما بعد القدس

بقلم - نديم قطيش

مضى ردح من الزمن كانت فيه فلسطين بقدسها وقضيتها، «قضية العرب المركزية»، أو الأولى في رواية أخرى! لكنه زمن مضى.
حين أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن قراره نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس، ثار بعض الغبار الإعلامي العربي الذي سرعان ما هدأ ليكشف عن تراجع فلسطين والقدس في وعي «الجماهير» وأولوياتها.
بعض المعلقين العرب على الشاشات التي فُتحت يومها على مصراعيها، بشرنا أن «الجماهير» ستنزل إلى الشوارع وأن الفلسطينيين سيهبون في انتفاضة صاعقة تقلب الموازين وتعيد ترتيب الأولويات التي اختلت منذ عملية حرية العراق 2003 التي قادتها واشنطن لإسقاط نظام صدام حسين، قبل أن ينتهي العراق بلا صدام وبلا حرية!
لم يخرج الناس. لم يقطعوا يومياتهم من أجل القدس. حتى الإسلاميون، سنة وشيعة، اكتفوا بعراضات مسرحية هزيلة كزيارة الميليشياوي العراقي قيس الخزعلي إلى حدود لبنان مع إسرائيل، وتبجحه بالتحرير الآتي وباستعداده للمشاركة في القتال جنباً إلى جنب مع ميليشيا «حزب الله». وهذه الميليشيا الأخيرة، صاحبة الصوت الأعلى عن القدس، كانت تتسلى بإعادة تعريف الجغرافيا، فتارة ترسم للقدس طريقاً يمر إليها من القصير السورية، وطوراً من حلب أو غوطة دمشق، وفي الأحوال جميعاً كانت الطريق تمر عبر بحيرة الدم السورية.
سبق للخميني أن بدأ لعبة الجغرافيا هذه، فكانت طريق القدس أيامها تمر من كربلاء، إلى حيث يوفد الفتية الإيرانيون إلى موت أكيد ومحكم لا حصة للقدس فيه إلا الاسم والدعاية.
وسبق للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات أن مررها من جونية، «عاصمة» لبنان المسيحي خلال الحرب الأهلية التي لا يمكن فصلها عن كونها في جانب رئيسي منها، من إفرازات القضية الفلسطينية.
أما حركة حماس فقررت أن طريق القدس تمر حكماً على جثة حركة فتح ومنظمة التحرير الفلسطينية وعبر حكومة غزة وحدها لا شريك لها، قبل مصالحة مهزوزة تحتاج إلى مصالحات يومية فرعية تعزز صمودها الصعب.
وصارت القضية الفلسطينية سبباً لتأجيل التنمية وسبباً لإحالة الحريات إلى التقاعد ولإقامة الديمقراطية الطويلة في غرفة الانتظار. يهرب بها وعبرها صدام حسين، أو يحاول، من نتائج غزوه الأحمق للكويت.
أما آخر الهاربين بها وعبرها وأكثرهم مدعاة للسخرية فهو عبد الملك الحوثي، الذي لم يلفته أنه فيما كان يرغي ويزبد حول القدس، كانت صواريخ ميليشياه الإيرانية تنطلق باتجاه الرياض وخميس مشيط وجازان ونجران.
وتهرب بالقدس وعبرها الشريحة الأكبر من النخبة العربية التي لا تريد أن تصارح الناس حول حقيقة أن القدس لن تعود موحدة، حيث إن كامل البنية القانونية والشرعية الدولية المستندة إلى قرارات وبيانات أممية تقوم على مبدأ تقسيمها إلى قدس غربية عاصمة لإسرائيل وشرقية عاصمة لدولة فلسطين. وهذا بالمناسبة منطوق مبادرة السلام العربية بيروت - 2002 والتي تنادي بالقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين. ولعل هذا المعطى، وليس الهبة الشعبية التي لم تأتِ، هو الذي قاد إلى إجماع دولي في مجلس الأمن على رفض قرار ترمب بشأن القدس، باعتبار أن الإجراءات الأحادية الأميركية تقوض فرص السلام القائم على أساس حل الدولتين.
ويتغطى بالقدس وتحريرها من لا يريد أن يفتح المخيلة على حلول أو اقتراحات خارج الخطاب الدوغمائي، كأن تكون المدينة مدينة معولمة، أي مدينة دولية مفتوحة تتعايش فيها الأديان الإبراهيمية الثلاثة، اليهودية والمسيحية والإسلام، والتي يتصارع بعض أتباعها على مقدساتهم فيها.
آن لنا أن ننتبه أن فائض الاستثمار في رمزية القدس الموحدة لم يؤدِ في الواقع إلا إلى سقوط عواصم عربية الواحدة تلو الأخرى. فإيران التي تزايد على العرب بعنوان القدس، تعلن بدورها أنها تحتل أربع عواصم عربية هي دمشق وبيروت وصنعاء وبغداد. أياً كان منسوب الادعاء في مثل هذا التصريح، إلا أنه يحرض على التفكير في أسباب التساهل مع احتلال إيران لبلاد العرب والاستنفار الدائم في وجه إسرائيل!! لا ينطوي هذا الكلام على أي تبرئة لإسرائيل، التي لا يوجد فيها شريك حقيقي لسلام منذ اغتيال رئيس الوزراء إسحق رابين عام 1995. ولكنه وبصراحة ينطوي على رغبة في إعادة تعريف من هو العدو، وتحديث قائمة الأعداء وأسباب العداوة مقرونة بخطاب واضح حول تصورات الحل.
الملل من الاستخدام الرديء للقدس لا يلغي أحقية الفلسطينيين بدولة، ولا يقلل من عدالة قضيتهم، ولا يتراخى مع حقهم في أن يكونوا ممثلين في هذه المدينة التعددية وشركاء أصليين في نهوضها وسط انهيار كبريات مدن العرب من بغداد إلى حلب ودمشق، مروراً بالانهيارات الجزئية ولكن العميقة في بيروت. إنما الإشارة الفجة إلى الملل من الاستخدام الرديء للقدس، سببها أنه لم يبقَ لنا من القدس إلا هذا الاستخدام الرديء والدوغمائي لسؤال يحتاج دوماً للابتكار.

نقلا عن الشرق الاوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

ما بعد القدس ما بعد القدس



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon