توقيت القاهرة المحلي 01:24:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

  مصر اليوم -

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني

بقلم : نديم قطيش

تركت أحداث السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 إسرائيل في حالة من الذهول، وأحيت في نفوس الإسرائيليين المخاوف الوجودية العميقة التي ظنوا أن زمانها ولَّى.

لم تتراجع فكرة السلام الإسرائيلي - الفلسطيني بمثل تراجعها اليوم، ولم تتقدم أولويات الأمن بمثل صدارتها الراهنة. صحيح أن استحالة تحقيق السلام من دون ضمان الأمن فكرة بديهية، لكن الصراع الفلسطيني - الإسرائيلي يدفع هاتين الفكرتين؛ السلام والأمن، إلى أبعد حدود التناقض.

تبرز، والحال، حرب إسرائيل على «حماس» و«حزب الله» بوصفها التجسيد العملي لهذا التناقض. فما تقوم به إسرائيل كخطوات تراها ضرورية لتحصين أمنها على المدى القصير والمتوسط، لا تفعل به سوى أنها تبدد متطلبات وشروط السلام على المدى البعيد، بسبب قسوتها وما تنتجه من قتل وهدم وتهجير.

وفي المقابل يبدو أن السعي المحموم خلف تحقيق الكرامة الوطنية، بمعانيها التجريدية والواقعية، لا ينتج سوى تبديد الكرامة الإنسانية للنازح من غزة أو من جنوب لبنان وبقاعه.

لم تكن هجمات السابع من أكتوبر مجرد عملية أخرى في سبيل تحقيق ما هو عادل فلسطينياً، بل شكَّلت صداماً مجتمعياً أدى إلى تعزيز وجهة في الرأي العام والخطاب السياسي في إسرائيل، ترى وجوب مضاعفة القسوة تجاه الفلسطينيين. شُن الهجوم بعقل إمبراطوري لا مقاوماتي، أراد إنهاء دولة إسرائيل من الوجود، فانتهى بما نراه أمامنا.

يمكن القول إن هجوم «حماس» أنتج نقطة التحول الثانية في السياسة الإسرائيلية بعد التحول الجذري الأول، في أعقاب اغتيال إسحاق رابين عام 1995 على يد متطرف يهودي، والذي أنتج قيادة سياسية إسرائيلية منحازة ضد السلام ومُفرِطة في تركيزها على الأمن. قادة إسرائيل الذين جاءوا بعد رابين، مثل بنيامين نتنياهو وشمعون بيريز (في سنواته الأخيرة) وآرييل شارون، ابتعدوا عن رؤية رابين القائمة على التسوية والتعايش، وأعطوا الأولوية لإجراءات أحادية الجانب، وتوسيع المستوطنات، وتغليظ العصا. اختزل نتنياهو خلاصة «المعادلة الصفرية»، مستغلاً مخاوف «الإرهاب» والتصلب الفلسطيني لتقويض اتفاقيات أوسلو التي يرفضها هو في الأساس. أضافت سياسات شارون، بما في ذلك بناء الجدار العازل والانسحاب الأحاديّ من غزة عام 2005، تعقيداً آخر لتعقيدات الحل حين قدم استراتيجية إدارة الصراع على حله، تاركاً للفلسطينيين أرضاً مجزأة خاضعة للسيطرة العسكرية الإسرائيلية.

دُفعت هذه التحولات برفض إسرائيلي مزمن وعميق لـ«حل الدولتين»، زادته حدةً انتفاضة الأقصى وصعود حركة «حماس»، وما أنتجه على الضفة الأخرى من تشدد الرأي العام الإسرائيلي، وصعود فصائل قومية ودينية تعارض بشدة أي تنازلات للفلسطينيين. ونتيجة لذلك، غالباً ما نظرت القيادة التي جاءت بعد رابين إلى جهود السلام كتهديد لأمن إسرائيل وطموحاتها الإقليمية؛ مما كرَّس سياسة الأمن الشامل بدلاً من المصالحة.

أما فلسطينياً، وقبل هجوم 7 أكتوبر، فمهَّدت التشوهات التي طرأت على المشروع الوطني الفلسطيني، لا سيما الانقسام القاتل بين غزة والضفة، واستعدادات التصفية المتبادلة بين حركتَي «فتح» و«حماس»، لكل السياقات الراهنة التي باسم السعي نحو الدولة الوطنية، أجهزت، هي الأخرى، على احتمالات هذه الدولة في الواقع.

ينبغي لنا الاعتراف أيضاً بأن علاقة ياسر عرفات بالسلام كانت معقدة ومملوءة بالتناقضات. سار الرجل على حبل رفيع بين الدبلوماسية والبرغماتية، مع الإبقاء على خيار المقاومة، حتى مقاومات خصومه، كأداة استراتيجية. ومما يذكر في سجل خطاباته الكثيرة، كلام له خلال زيارته لجنوب أفريقيا عام 1994، حين شبَّه «اتفاق أوسلو» بـ«صلح الحديبية» بين المسلمين ومشركي قريش، والذي ما لبث أن انهار. توفر هذه المقاربة نافذة على عقل عرفات الذي من جهة يستثمر في الإرث الديني لتبرير مواقفه وسياساته، ومن جهة أخرى يعطي انطباعاً بأن «أوسلو» مجرد ترتيب مؤقت ومرحلة تكتيكية. زادت المخاوف من العرفاتية السياسية نتيجة مقاربة أبو عمار البرغماتية تجاه الهجمات التي تنفذها جماعات مثل «حماس» و«الجهاد الإسلامي». فبينما كان يدين الهجمات علناً، كان يتجنب مواجهتها بشكل حاسم، مستفيداً منها كورقة ضغط ضد إسرائيل، وساعياً في الوقت ذاته للحفاظ على وحدة الصف الفلسطيني المنقسم. ثم ما لبثت حادثة السفينة «كارين إيه» عام 2002، عندما اعترضت إسرائيل سفينة محملة بالأسلحة يُقال إنها كانت في طريقها إلى السلطة الفلسطينية، أن عززت التصور بأنه لم يتخلَّ تماماً عن العنف، على الرغم من نفيه أي علاقة مباشرة له بالحادثة.

منذ بواكير مشروع السلطة الفلسطينية عكست هذه الاستراتيجية المزدوجة؛ القبول بالسلام مع غض الطرف عن العنف، محاولات يائسة للتوفيق بين الالتزامات الدولية ومتطلبات الوطنية الفلسطينية ذات السقوف العالية، لتكون النتيجة انعدام الثقة في القيادة الفلسطينية وفي عملية السلام نفسها.

السؤال البسيط والصعب الذي يواجه المنطقة برمتها هو: هل من سبيل لكسر هذه الدائرة؟ هل يمكن لإسرائيل تحقيق الشعور بالأمان بغير الاعتماد شبه الحصري على القوة والعقل التوسعي؟ وهل يمكن للفلسطينيين تحقيق الكرامة الوطنية بغير الاعتماد على المقاومة والذاكرة والالتزام المراوغ بفكرة السلام؟

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني مشكلة العقلين الإسرائيلي والفلسطيني



GMT 08:02 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

نعم... نحتاج لأهل الفكر في هذا العصر

GMT 08:00 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

مقتلة صورة النصر

GMT 07:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

الهُويَّة الوطنية اللبنانية

GMT 07:53 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

عقيدة ترمب: من التجريب إلى اللامتوقع

GMT 07:51 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

صعوبات تواجه مؤتمر «كوب 29» لمكافحة التغير المناخي

GMT 07:48 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

بين الديمقراطيين والجمهوريين

GMT 07:45 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

واقعية «سرقات صيفية» أم واقعية «الكيت كات»؟

إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مستوحاه من فستان الكاهنة "كاروماما"

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 10:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم
  مصر اليوم - رأس شيطان ضمن أفضل 10 مناطق للغطس في العالم

GMT 09:55 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً
  مصر اليوم - فيتامينات ومعادن أساسية ضرورية لشيخوخة أفضل صحياً

GMT 23:57 2024 الثلاثاء ,19 تشرين الثاني / نوفمبر

روجينا تخوض دراما رمضان 2025 بـ«حقي وحقك»
  مصر اليوم - روجينا تخوض دراما رمضان 2025 بـ«حقي وحقك»

GMT 03:46 2020 الجمعة ,17 إبريل / نيسان

طريقة فعالة لـ"إطالة" عمر المسنين

GMT 16:41 2020 الثلاثاء ,17 آذار/ مارس

أول لاعب مغربي يعلن إصابته بفيروس كورونا

GMT 10:22 2020 الأحد ,19 كانون الثاني / يناير

أمير رمسيس يؤكد أن "حظر تجول" مباراة تمثيلية

GMT 03:56 2019 الثلاثاء ,26 تشرين الثاني / نوفمبر

المواصفات الكاملة لـ "آيباد برو" الصيني الخاص بـ "هواوي"

GMT 11:47 2019 الثلاثاء ,15 تشرين الأول / أكتوبر

موعد آذان الظهر اليوم في مصر اليوم الثلاثاء 15-10-2019

GMT 14:33 2019 الثلاثاء ,09 إبريل / نيسان

ألوان منعشة من مجموعات عبايات ربيع وصيف 2019

GMT 20:22 2019 السبت ,02 شباط / فبراير

امرأة حامل ضحية اغتصاب 5 ذئاب بشرية في الجيزة

GMT 06:43 2018 الأحد ,23 كانون الأول / ديسمبر

أرز باللحم والحمّص على الطريقة السعودية

GMT 06:22 2018 السبت ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

سامسونج ستدخل النتوء لشاشات هواتفها القادمة بعدة طرق
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon