توقيت القاهرة المحلي 09:40:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام

  مصر اليوم -

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام

بقلم: نديم قطيش

صار كل تطور أمني في إيران يكشف عن حجم الأعطال المصاحبة للتفكير بالسؤال الإيراني. اغتيال العالم الإيراني محسن فخري زاده، أو «الصندوق الأسود» للمشروع النووي الإيراني كما أصابت في تسميته «الشرق الأوسط»، ليس إلا الضوء الأحدث الكاشف عن هذه الأعطال، التي سأوجزها في أربعة أعطال:
1- الدبلوماسية هي الحل:
في تعليقه على اغتيال فخري زاده، قال المرشح السابق لرئاسة الجمهورية الأميركية بيرني ساندرز، إن الاغتيال «طائش واستفزازي وغير قانوني». وأضاف أنه «عشية تولي إدارة أميركية جديدة السلطة، من الواضح أن الاغتيال يسعى لتقويض الدبلوماسية الأميركية - الإيرانية». ويجزم ساندرز بثقة لا يشق لها غبار، بأن «الدبلوماسية، وليس القتل، أفضل طريق إلى الأمام».
تغريدة ساندرز هي التعبير الأصرح عن فقدان الذاكرة الاستراتيجي الذي يصيب العقل الليبرالي في الغرب، لا سيما الولايات المتحدة، حيال المسألة الإيرانية، وقصر النظر المريع الذي يغلف السردية الليبرالية عن «سحر الدبلوماسية» القادرة على ترويض الوحش الإيراني.
واقع الأمر أن الدبلوماسية التي أنتجت الاتفاق النووي الإيراني، كانت الطريق الفضلى إلى الأمام لقوى الجريمة داخل النظام. فبعد الاتفاق صار الجنرال المقتول قاسم السليماني وجه السياسة الخارجية الإيرانية، وتحولت النخبة المسماة «إصلاحية» إلى مجرد شخصيات هزيلة، تستعيض عن فقدان القدرة على القرار بالحضور الإعلامي الكثيف.
بسبب من الدبلوماسية استفحل التغول الإيراني في الشرق الأوسط، وفاقمت طهران من اعتمادها على الميليشيات المذهبية لتوسعة رقعة الدمار في سوريا والعراق واليمن. ووجد بين النخبة الإيرانية، التي يفترض أن للدبلوماسية دوراً في تهميشها وخفض صوتها، من تبجح باحتلال أربع عواصم عربية، وأن حدود الإمبراطورية الإيرانية هي شواطئ المتوسط من جهة لبنان!
أفاد المتشددون من الدبلوماسية بقدر إفادتهم اليوم من الاغتيال، لا لحسن حظهم؛ بل لأن النظام نفسه بآلياته الدستورية والسياسية وعلاقات مؤسساته لا يسمح للإصلاحيين بأكثر من تزيين النظام الإيراني بصور خادعة ومضللة، في حين أن القرار الفعلي بيد «معادلة الحرس + المرشد»؛ فإيران باتت ديكتاتورية عسكرية بعمامة، أما الإصلاحيون فلزوم ما لا يلزم.
2- الاغتيال سيؤدي إلى حرب أوسع:
على منوال بيرني ساندرز نسج جون برينان، المدير السابق لـ«سي آي إيه» في عهد الرئيس باراك أوباما. في تغريدته؛ جزم برينان بثقة مماثلة لساندرز بأن الاغتيال «قد يستدرج رداً مميتاً وجولة جديدة من النزاع الإقليمي» في الشرق الأوسط.
هي الأصوات نفسها التي لو كانت تمتلك القرار، مطلع العام الحالي، لما أجازت قتل قاسم سليماني؛ بحجة الخوف من الرد الإيراني وإشعال الشرق الأوسط. وهي الأصوات نفسها التي ملأت الفضاء الإعلامي بالتحذير من مغبة الرد الإيراني بعد الاغتيال، ولم تتحلَّ بالحد الأدنى من النزاهة لمراجعة تحذيراتها بعد أن تبين خطلها. فإيران لم ترد على مقتل سليماني بأكثر من رد مسرحي في العراق، بل كانت من الرعب والارتباك والتوتر إلى حدّ أن جنودها أسقطوا طائرة مدنية أوكرانية عن طريق الخطأ، ثم حاولوا التستر على الجريمة قبل الإقرار بها بشكل مهين. كما أن معظم التعليقات الإيرانية الرسمية وشبه الرسمية بعد اغتيال فخري زاده تنطوي على ما يكفي من الإشارات بأن الوقت المناسب للرد سيطول كثيراً. فإيران منهكة وضعيفة ومهانة، تتحالف عليها شتى أنواع الصروف؛ من الانهيار الاقتصادي، إلى وباء «كورونا»، إلى التهاوي المريع في قدرتها على الردع داخل إيران وخارجها. فقواتها وميليشياتها الحليفة تُقصف في سوريا، ومنشآتها تُستهدف داخل إيران، كما حدث في منشأة «نطنز»، أو عملية الكوماندوز البارعة وسرقة الأرشيف النووي في فبراير (شباط) 2018، وأمنها الداخلي مخترق كما يشي الكشف عن قتل إسرائيل الرجل الثاني في «القاعدة» أبو محمد المصري، رغم تخفيه خلف هوية مزورة، والآن اغتيال فخري زاده والفشل في حمايته بعد تهديد علني من إسرائيل بوضعه على لائحة التصفية.
3- لإهانة الشخصية الوطنية الإيرانية مفعول عكسي:
من الأوهام التي لم تجرِ مراجعتها حول إيران ما يتعلق بالدور الذي تلعبه شخصية القومية الإيرانية في رفض التدخل الخارجي أياً تكن حدة الانقسامات الداخلية. ولعل أكثر ما يُبنى عليه لتأييد هذه الفرضية حادثة إسقاط الأميركيين حكومة محمد مصدق عام 1953، وتعزيز حكم الشاه. ساهمت «الدياسبورا» الإيرانية الحاضرة في الصحافة ومراكز الأبحاث الأميركية في إعادة تدوير هذه الفرضية إلى ما لا نهاية حتى صارت مرادفاً موضوعياً للشخصية الإيرانية. بيد أن زيف هذه الفرضية، أو العمر القصير الذي عاشته يكشف عنه مستوى الامتنان العلني والمستمر الذي عبر عنه الإيرانيون بمظاهرات الشكر لفرنسا التي احتضنت الخميني ورعت عودته إلى أرض الوطن في 1 فبراير (شباط) 1979.
أفدح من ذلك ما يكشف عنه اغتيال فخري زاده، من ضيق القاعدة الشعبية للنظام، في مقابل اتساع رقعة المستعدين للتعامل مع الخارج ضده في كل مفصل من مفاصل الدولة الإيرانية. فعملية الاغتيال، بوصفها جزءاً من سلسلة عمليات أمنية معقدة ومتتالية، غير ممكنة من دون مستوى رفيع من التعامل في الداخل، يواكب الرصد والتجهيز والتنفيذ والحماية بعد العملية. ما صح في الخمسينات لا يصح اليوم، لا سيما منظوراً إليه من زاوية الوحشية التي يقاسيها الإيرانيون على يد النظام. ففي أحدث موجة قتل جماعي، قبل نحو سنة تقريباً، أمر خامنئي أجهزته بعمل «أي شيء ممكن» لوقف المظاهرات التي احتلت الشوارع وأحرقت صور المرشد وأزلامه، مجيزاً فصلاً من فصول القمع الوحشي الذي ذهب ضحيته، بحسب وكالة «رويترز»، ما لا يقل عن 1500 شاب إيراني.
4- قتل فخري زاده «المدني» جريمة:
تخلط الدعاية الإيرانية المدني والعسكري، بشكل رث، ورغم ذلك، فإن كثيراً من المراقبين الغربيين يسقطون في هذا الفخ؛ إما عمداً، وإما عن غير قصد.
المعروف عن العالم الإيراني المقتول، بحسب النسخ الكثيرة التي نشرت عن سيرته، أنه يتصدر قائمة المسؤولين الذين لطالما طالبت الوكالة الدولية للطاقة الذرية مقابلتهم، ولطالما راوغت إيران لعدم تلبية الطلب. أما أجهزة المخابرات الغربية والإسرائيلية فتتعامل معه بصفته لواءً في «الحرس الثوري» وشخصية رئيسية في الجهود الإيرانية لتطوير التكنولوجيا وكسب المعرفة المطلوبة لإنتاج قنابل نووية.
وتفيد تقارير دولية عنه بأنه تسنم في عامي 2002 و2003 منصب المدير التنفيذي في «مشروع آماد» الذي كان يختص، حسب بيانات الوكالة الدولية، بإجراء بحوث متعلقة باليورانيوم ومتفجرات وتحديث الصواريخ لتزويدها برؤوس نووية.
كما ذُكر اسم فخري زاده في قرار أممي صدر عام 2007 بوصفه شخصية متورطة في الأنشطة النووية أو الباليستية في إيران.
أما ردود الفعل على مقتله فتكشف عن أن الرجل كان يحظى بالدعم الكامل من خامنئي.
واقع الأمر أن الدعاية السياسية الإيرانية بعد الاغتيال لم تترك الكثير للمخيلة أو الترجيح، بحيث نشر له ملصق ملون يجمعه مع سليماني المتكئ على رشاش ثقيل، وأبو مهدي المهندس إلى جانبه، في دلالة حاسمة على موقع فخري زاده في المنظومة العسكرية الإيرانية.
اغتيال فخري زاده فرصة لتصويب النقاش حول المسألة الإيرانية والأوهام المرتبطة بها.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام اغتيال نووي يفضح أربعة أوهام



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon