توقيت القاهرة المحلي 21:14:34 آخر تحديث
  مصر اليوم -

الحوثي في تل أبيب

  مصر اليوم -

الحوثي في تل أبيب

بقلم : نديم قطيش

تتجاوز الضربة الأخيرة بالطائرة المسيّرة على تل أبيب، التي أعلنت ميليشيا الحوثي في اليمن مسؤوليتها عنها، نتائجها المادية المباشرة. ولا يكفي تبرير وقوع هذه الضربة الأولى من نوعها التي تستهدف تل أبيب، بأنها نتيجة خطأ بشري في تقدير حجم الخطر، للتغاضي عن معانيها الاستراتيجية، حتى بعد الرد الإسرائيلي الضخم عليها.

فما حدث يكشف عن تصعيد كبير في قدرات الميليشيا المرعية من إيران ومستوى تهديداتها لأمن إسرائيل، كما لعموم الأمن الإقليمي. كما يكشف أيضاً عن نقاط ضعف استراتيجية في أنظمة الدفاع الجوي لدى الدول بعامة في مواجهة خطر المسيّرات، فيكفي خطأ واحد؛ بشري أو تقني، للتمهيد لكارثة متعددة المستويات.

والحال؛ مع تنامي التوترات الإقليمية، يحجز هذا الحدث لنفسه موقعاً متقدماً على جدول اهتمامات الحكومات، لناحية تحليل تداعياته الأوسع وما تمليه من حاجة إلى إعادة التقييم الاستراتيجي للمواجهة مع الحوثي ومن خلفه إيران.

أظهر الحوثيون زيادة كبيرة في قدراتهم العسكرية؛ إنْ كان لناحية حيازة طائرات مسيّرة متقدمة، أو لناحية خبراتهم في توظيفها لتنفيذ ضربات بعيدة المدى. ولئن ارتبط هذا النجاح بشكل وثيق بتنسيقهم مع إيران ومع الميليشيات المدعومة منها، فإن في ذلك ما يعطي إشارات مقلقة حيال ما قد تكون وصلت إليه ميليشيات أخرى مثل «حزب الله»، الأعلى تطوراً وكفاءة. ولو ربطنا ذلك باستراتيجية «وحدة الساحات» وتخيلنا إمكانية أن تشن، على إسرائيل أو أي دولة إقليمية أخرى، هجمات من جبهات متعددة، بمئات أو آلاف المسيّرات في وقت واحد، فإنه يتضح لنا حجم الخطر الناجم عن القفزة الكبيرة في قدرات شبكة ميليشيات إيران على مستوى تعزيز ترسانتهم وتوسعة مدى عملياتهم. إن هجمات من هذا النوع والحجم ليست أمراً نظرياً، في ظل حالة التصعيد المتسارعة في الشرق الأوسط.

وعليه؛ تمتد تداعيات ضربة الحوثيين الأخيرة إلى ما هو أبعد من المخاوف الأمنية الفورية، مشيرة إلى احتمال حدوث تحول في الديناميات الإقليمية، وتوازن القوى.

فالمسيّرة التي أصابت مبنى في تل أبيب، أصابت قبله الهيبة الأميركية في الشرق الأوسط وبددت المزيد من الثقة بها بين الحلفاء. يبرز الهجوم مجدداً إخفاقات استراتيجية إدارة الرئيس جو بايدن في البحر الأحمر، والنتائج المريعة لعملية «حارس الازدهار» لضمان حرية الملاحة. فلا حظيت واشنطن بثقة حلفائها الأوروبيين والشرق أوسطيين والآسيويين ليكونوا جزءاً من هذا المجهود، ولا استطاعت أن تكبح جماح إيران وجماعاتها. فقد أطلق الأوروبيون عمليتهم الأمنية الخاصة، وامتنعت دول الخليج عن المشاركة، في حين اختار الشركاء الرئيسيون، مثل الهند والصين، عدم الانضمام إلى المبادرة الأميركية. علاوة على ذلك، أعطى قرار إدارة بايدن رفع الحوثيين من قائمة الإرهاب، ثم إعادتهم بشكل منقوص ومتعثر إليها، إشارة ضعف واستسلام للميليشيات المدعومة من إيران، وأثار استياء الدول الخليجية المعنية وعزز شعورهم بتخلي الإدارة الأميركية عن التزاماتها حيالهم.

صحيح أن التهديد المزداد من الحوثيين قد يدفع بالدول الإقليمية كلها إلى تعزيز تحالفاتها لمواجهة التهديد المشترك، لكن الجانب الآخر يفيد أيضاً بأن اتقاء شر الحوثي وإيران قد يدفع بالدول إلى تجميد عمليات التطبيع والتكامل الإقليمي، ويؤدي إلى تجميد جهود السلام الشامل في ظل حاجة هذا السلام إلى ضمانات أميركية لا تبدو اليوم محل ثقة كبيرة.

المشهد التعاوني الإقليمي الذي برز غداة الهجوم الإيراني بالصواريخ على إسرائيل في أبريل (نيسان) الماضي قد يصير مهدداً إذا ما شعرت الحكومات في المنطقة بأن صيغ التعاون المباشر أو غير المباشر بينها وبين إسرائيل ستعرّض أمنها واستقرارها لمزيد من المخاطر في غياب حارس دولي موثوق، قادر على توفير الدعم الأمني والردع؛ الحيويَّيْن لاستمرار الشراكات والتعاون.

إلى ذلك، فإن تنامي الثقة لدى الحوثيين من شأنه أن يعقّد مسارات الحل السياسي وجهود السلام في اليمن، ويبقيه بؤرة ابتزاز للأمن والاقتصاد الإقليميَّين والدوليَّين. ولئن كانت إيران هي الداعم السياسي والعسكري والتقني واللوجيستي للحوثيين؛ فإن تصاعد نفوذها في المنطقة هو الحاصل الموضوعي للجاري الآن، بكل ما يعنيه ترسيخ نفوذ طهران في الشرق الأوسط من إعادة هيكلة لتوازنات القوة فيه.

تُذكر ضربة الحوثيين بالطائرة المسيّرة على تل أبيب بالطبيعة المعقدة للتهديدات المتصاعدة في المنطقة، وتبرز الحاجة الملحة إلى تغييرات استراتيجية في الجاهزية العسكرية وسياسات الدفاع، كما في التعامل السياسي الاستراتيجي مع إيران وأذرعها وفق حسابات دولية مختلفة.

فهل تحمل الانتخابات الأميركية المقبلة تغييراً سياسياً عبر وصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض؛ بما يعنيه ذلك من إعادة تأسيس منظومة ردع في وجه إيران وميليشياتها وطيّ صفحة السذاجة الاستراتيجية التي ميزت إدارة بايدن؟

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

الحوثي في تل أبيب الحوثي في تل أبيب



GMT 12:03 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نقل عدوى لبنان إلى العراق

GMT 12:00 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

تأخرنا كثيرا دولة الرئيس!

GMT 11:59 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نواب هل يجرؤون على حجب الثقة ؟

GMT 11:56 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«كاستنج» والتنقيب عن بئر نفط المواهب

GMT 08:07 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

دمشق وطهران والحرب الجديدة

GMT 08:06 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

«الصراع من أجل سوريا»

GMT 08:05 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

غزة. غزة... بقلم «جي بي تي»!.. بقلم «جي بي تي»!

GMT 08:04 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

... أن تكون مع لا أحد!

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 09:11 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة
  مصر اليوم - إطلالات ميغان ماركل في 2024 جمعت بين الرقي والبساطة

GMT 11:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:23 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين
  مصر اليوم - مصر تؤكد على دعم سوريا وأهمية حماية المدنيين

GMT 16:48 2024 الأربعاء ,04 كانون الأول / ديسمبر

إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق
  مصر اليوم - إياد نصار يُشوق متابعيه لفيلمه الجديد ويُعلِّق

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 18:47 2024 الجمعة ,29 تشرين الثاني / نوفمبر

"فيفا" يكشف أسباب ترشيح ميسي لجائزة "الأفضل"

GMT 11:01 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

مصر تتفاوض مع شركات أجنبية بشأن صفقة غاز مسال طويلة الأجل

GMT 13:21 2018 السبت ,06 تشرين الأول / أكتوبر

الأهلي يتعاقد مع "فلافيو" كوم حمادة 5 سنوات

GMT 15:07 2021 الخميس ,04 شباط / فبراير

يبدأ الشهر بيوم مناسب لك ويتناغم مع طموحاتك

GMT 07:34 2018 الأربعاء ,18 تموز / يوليو

شيخ الأزهر يستقبل توني بلير ويعرب عن دعمه لمصر

GMT 06:35 2021 الثلاثاء ,15 حزيران / يونيو

خروج فتحي وسامي عن قائمة بيراميدز أمام سموحة

GMT 00:26 2021 الأحد ,23 أيار / مايو

عمرو جمال يقترب من الانضمام لـ«بيراميدز»

GMT 11:47 2020 الخميس ,24 كانون الأول / ديسمبر

شوبير يهاجم الكاف بسبب ملعب مباراة الأهلي وسونيديب

GMT 10:53 2020 الأحد ,13 كانون الأول / ديسمبر

الكاف يبحث مقترحا جديدا بشأن مباراتي الزمالك وبطل تشاد

GMT 04:30 2020 الإثنين ,02 آذار/ مارس

الزمالك يدرس بيع فرجاني ساسي ومحمود علاء

GMT 18:16 2020 الأربعاء ,01 كانون الثاني / يناير

رينيه فايلر يرفض إراحة لاعبي الأهلي عقب لقاء المقاصة

GMT 04:01 2018 الثلاثاء ,02 تشرين الأول / أكتوبر

Brabus تستعرض أسرع سيارات مرسيدس من الفئة "G"
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon