توقيت القاهرة المحلي 11:59:47 آخر تحديث
  مصر اليوم -

كامالا هاريس: «الجو» كبديل عن السياسة

  مصر اليوم -

كامالا هاريس «الجو» كبديل عن السياسة

بقلم : نديم قطيش

ثمة «جو» اسمُه كامالا هاريس. مناخ، لحظة، شعور... ماذا بعد؟

عبَرت كامالا هاريس امتحانَ المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي. شكَّلَ الحدث الذي استضافته مدينة شيكاغو نقطةَ تحول حاسمة في حملتها؛ إذ أعادت من خلاله تقديمَ نفسِها بصورة جديدة وخطاب سياسي بدا ساعياً لصفة تمثيلية أوسع لدى الجمهور الديمقراطي. ثمة إجماعٌ أن هاريس نقلت مزاج الديمقراطيين نحو الكثير من التفاؤل والبهجة، ونجحت في حقن القاعدة الديمقراطية بأسباب الإثارة والارتياح حيال المسار الجديد الذي اتخذته حملة الحزب الديمقراطي بعد خروج الرئيس جو بايدن من السباق.

كانَ لافتاً مثلاً تعديل هاريس لوجهتها اليسارية الواضحة، والتخفف من أثقال تركيزها سابقاً على قضايا الهوية والعِرق والإثنية والجندر. بشكل عام شكَّل خطابها الشخصي، وعموم مخرجات المؤتمر الوطني للحزب الديمقراطي، انطلاقة جديدة، من خلال إعادة التركيز على موضوعات مشاكل الطبقة الوسطى، وتقوية الاقتصاد الأميركي، والإفراط في تظهير الاهتمام بمشاكل التضخم وتكاليف المعيشة وجشع الشركات وأصحاب الاحتكارات وهموم الرعاية الصحية. ويعد هذا التحول نحو الوسط استراتيجية فطنة من قبل الديمقراطيين بغية استقطاب جمهور أوسع في انتخابات تدل كل المؤشرات على أن الفوز فيها سيحصل بهوامش ضيقة بين الحزبين. كما أنه، والأهم، تحول يحسم صراعاً ديمقراطياً داخلياً حول هوية الحزب الديمقراطي ومساره منذ انتخابات 2016 بين هيلاري كلينتون ودونالد ترمب. وهي وجهة أسَّس لها وصول الرئيس باراك أوباما كأول رئيس من أصول أفريقية في تاريخ أميركا، وتفاقمت حدتها مع موجة «بلاك لايفز ماتر» عام 2013. تميزت هذه الحقبة بتصدر سياسات الهوية خطاب الحزب الديمقراطي، في مقابل استثمار الجمهوريين مع دونالد ترمب في الخطاب الاقتصادي الشعبوي، وتجييش الوطنية الأميركية التي يختصرها عنوان: «لنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى». بيد أن إعادة التغليف والتسويق هذه التي خضعت لها كامالا هاريس، جاءت شحيحة على مستوى السياسات الموصلة إلى علاجات واقعية للمشكلات التي تصدت لها. قدمت هاريس وعوداً وأمنيات سياسية واقتصادية واجتماعية، أكثر مما قدمت مقترحات محددة وأجندات تفصيلية. وبدا فقرها واضحاً في السياسات الخارجية والدفاعية في لحظة تتعرض فيها الولايات المتحدة لحزمة تحديات من أنظمة ودول ساعية بجد وكد، لإعادة تعريف النظام العالمي وتوازناته.

بدا خطابها حول السياسة الخارجية مثلاً محاولة فارغة لإظهار التزامها التفوق العسكري الأميركي والافتخار الوطني على المسرح الدولي من دون تقديم أي مضمون حقيقي، ما جعل مواقفها تبدو كجهد سطحي لتلبية التوقعات واللوازم، بدلاً من التعبير عن استراتيجية حقيقية لمعالجة التحديات العالمية المعقدة التي تواجهها أميركا. عباراتها الجوفاء حول قضايا دولية معقدة أثارت وتثير مخاوف جدية حول قدرتها على القيادة على الساحة الدولية.

حتى الآن تقدم حملة هاريس الرئاسية نموذجاً لافتاً لاستراتيجية سياسية حديثة، تقوم على التأثير العاطفي وخلق الأجواء الإيجابية كبديل عن المقترحات السياسية التفصيلية والأجندات المحددة لكسب الناخبين. ثمة ضجيج دعائي اسمه «الأمل» المنبعث من ترشيح كامالا هاريس، من دون تقديم إجابات محددة عن مشاكل محددة سيكون على هاريس الرئيسة أن تتعامل معها، وفق معطيات واقعية وأرقام وتحالفات وقوانين.

لا يُختلف على قوة الأمل كأداة سياسية فعالة في الحملات السياسية، بسبب قدرته على إلهام وإثارة الناخبين وتوحيدهم حول رؤيةٍ ما للمستقبل. ولكن التركيز على الأمل وحده لتلميع صورة هاريس، قد يخفي التحديات الحقيقية التي تواجهها البلاد، ويُوظَّف ربما للتغطية على افتقارها لخبرات القيادة العملية اللازمة للحكم بشكل فعال.

ما قدمته هاريس حتى الآن لا يتجاوز تعديل صورتها كمرشحة الحزب الديمقراطي من دون إيضاح جوهر مشروعها السياسي أو الاقتصادي أو الإصلاحي، ومن دون مصارحة الناخبين بشأن التحول الذي طرأ على مواقفها من القضايا الحيوية، وموجبات انزياحها من يسار الحزب إلى وسطه.

ولئن تجاوزت امتحان المؤتمر الحزبي ونجحت في إعادة تعريف الحزب الديمقراطي وضبط توجهاته، فإن اللحظة الرئيسية المقبلة بالنسبة لها ستكون المناظرة مع دونالد ترمب يوم العاشر من سبتمبر (أيلول). لا يغيب طبعاً أن إعادة تقديم كامالا هاريس للأميركية كـ«قائدة رؤيوية» تتناقض بشكل صارخ مع صورتها السابقة كـ«عبء» كبير على الديمقراطيين، بسبب رداءة أدائها كنائبة للرئيس، وهو ما يطرح الكثير من الشكوك حول أصالة صورتها الجديدة ومتانتها. فقد جرى الاشتغال على تغليف وتسويق هاريس الجديدة بعيداً عن الإعلام والمحاسبة، وبذل الكثير من الجهد للنأي بها عن أي مناسبة تشكل تحدياً للصورة التي يعاد بناؤها وتسمح بالتدقيق في تفاصيلها. والحال، فإن المناظرة المنتظرة ستشكل أكبر امتحاناتها؛ لأنها ستكشف عن مدى قدرتها على إخفاء أو تجاوز أوجه القصور التي تعتري خبرتها وتجربتها، وما إذا كانت السردية الجديدة مدفوعة بالضرورات السياسية أم أنها تعكس فعلاً قدرات هاريس القيادية الحقيقية.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

كامالا هاريس «الجو» كبديل عن السياسة كامالا هاريس «الجو» كبديل عن السياسة



GMT 09:00 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هل مع الفيروس الجديد سيعود الإغلاق؟

GMT 08:25 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

التغيير في سورية... تغيير التوازن الإقليمي

GMT 08:24 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

هذه الأقدام تقول الكثير من الأشياء

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أحاديث الأكلات والذكريات

GMT 08:23 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

كبير الجلادين

GMT 08:21 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

سوريا... والهستيريا

GMT 08:20 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

جرعة تفاؤل!

GMT 08:18 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

لا يطمئن السوريّين إلّا... وطنيّتهم السوريّة

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 08:50 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله
  مصر اليوم - إسرائيل تتهم الجيش اللبناني بالتعاون مع حزب الله

GMT 08:31 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف
  مصر اليوم - أدوية حرقة المعدة تزيد من خطر الإصابة بالخرف

GMT 09:32 2025 الأربعاء ,08 كانون الثاني / يناير

بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة "لأ ثواني"
  مصر اليوم - بسمة بوسيل تشوّق جمهورها لأغنيتها الجديدة لأ ثواني

GMT 09:07 2024 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

الملكة رانيا تربعت على عرش الموضة بذوقها الراقي في 2024

GMT 08:46 2024 الجمعة ,20 كانون الأول / ديسمبر

مبابي يكشف سبب منعه من الاستمرار مع سان جيرمان

GMT 01:15 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

أفضل ألعاب يمكن تحميلها الآن على هاتف الآيفون مجانا

GMT 06:21 2019 السبت ,19 كانون الثاني / يناير

نوبة قلبية تقتل "الحصان وصاحبته" في آن واحد

GMT 22:33 2018 الأربعاء ,14 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد ممدوح يوجه الشكر للجامعة الألمانية عبر "انستغرام"

GMT 16:44 2018 الإثنين ,12 تشرين الثاني / نوفمبر

الأمن المركزي يحبط هجومًا انتحاريًا على كمين في "العريش"

GMT 03:36 2018 الجمعة ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

"طرق التجارة في الجزيرة العربية" يضيف 16 قطعة من الإمارات

GMT 01:03 2018 الثلاثاء ,30 تشرين الأول / أكتوبر

طريقة عمل العيش السوري او فاهيتاس بسهولة فى البيت

GMT 08:12 2018 الثلاثاء ,11 أيلول / سبتمبر

ليدي غاغا تُظهر أناقتها خلال العرض الأول لفيلمها

GMT 16:10 2018 السبت ,01 أيلول / سبتمبر

جماهير روما تهاجم إدارة النادي بعد ضربة ميلان
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon