توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

المغرب... الهدوء في صناعة القوة

  مصر اليوم -

المغرب الهدوء في صناعة القوة

بقلم: نديم قطيش

أول ما يلفت في خطاب الملك محمد السادس بمناسبة مرور عشرين عاماً على توليه عرش المغرب، خلو الخطاب من الأوهام والأساطير وثقل «القضايا التاريخية». لا قضايا أكبر من الإنسان المغربي ورفاهه وتقدم المغرب. ثمة شيء يحدث بهدوء في هذا البلد المتربع على نقطة تقاطع استراتيجية بين أوروبا وأفريقيا والشرق الأوسط. بل ثمة الكثير الذي حدث منذ تولى محمد السادس المُلك خلفاً لوالده الملك الحسن الثاني في 23 يوليو (تموز) 1999.
خطاب النقاط التسع، إذا جاز الاختصار، شكل مراجعة عميقة وشفافة لعقدين من عهد محمد السادس، بمفردات مستقاة من معجم غير رائج في معظم الدول العربية.
ببساطة خاطب العاهل المغربي «شعبه العزيز»، حول ضرورة «مراجعة النموذج التنموي لتستطيع جميع فئات المجتمع الاستفادة من العدالة الاجتماعية» معيراً اهتماماً خاصاً «بالطبقة الوسطى التي تمثل صمام الأمان من أجل إقلاع المغرب». كان حاسماً في الحض على «مواصلة العمل في إصلاح القطاع العام» و«ضرورة تسريع البناء الاقتصادي والمشمول بمجموعة من الرهانات»، الذي من أهم دعائمه «الانفتاح على الاستثمار الخارجي» بلا عقد. الأهم أن الملك الذي اختار في يوم الاحتفال بقصر مرشان في طنجة أن يكرم كامل النخبة السياسية التاريخية المغربية، من رؤساء حكومة سابقين ورؤساء مجلس نواب وكبار القضاة للمرة الأولى في احتفالية مماثلة، أعطى في الوقت نفسه إشارة إستراتيجية حول «مرحلة جديدة لجيل جديد من المشاريع تستدعي نخبة جديدة من الكفاءات، تتمتع بعقليات شجاعة قادرة على ضخ دماء جديدة تستطيع تحقيق تحول جوهري».
تكتسب مثل هذه اللغة أهمية خاصة في منطقة يسودها عدم الاستقرار، وتتسم بندرة ثقافة الأمل. كما تكتسب هذه اللغة مصداقيتها، عبر المنجزات المتحققة والنوعية، وأبرزها المشاريع الضخمة في مجال البنية التحتية، كالطرق السريعة التي طُور منها نحو 1800 كيلومتر بين المدن الرئيسية، والموانئ، كميناء طنجة المتوسط الذي يرتبط بحوالي 80 دولة وأكثر من 186 ميناء ويعمل على الوصول بقدرته الاستيعابية إلى 9 ملايين حاوية سنوياً، ما يجعله الميناء الأكبر على المتوسط، بالإضافة إلى القطار الفائق السرعة الوحيد في أفريقيا وكثير من دول العالم الأخرى، الذي يربط بين طنجة والدار البيضاء ويُعمل على مرحلته الثانية بين طنجة ومراكش، ومشاريع الطاقة المتجددة، التي أبرزها محطة الطاقة الشمسية «نور 1»، ومحطة طاقة الرياح في المنطقة الساحلية التي تسعى إلى تصدير الطاقة إلى الاتحاد الأوروبي الذي تبتعد سواحله الإسبانية 14 كلم عن حدود المغرب. أضف إلى كل ذلك صناعة السيارات التي باتت من أكبر الصناعات التصديرية في المغرب، وتستهدف إنتاج مليون مركبة بحلول عام 2021، تتصدر إنتاجها المنطقة الحرة الجديدة المسماة «مدينة طنجة لصناعة السيارات».
مدينة أخرى انطلق تشييدها قبل عامين هي «مدينة محمد الخامس للتكنولوجيا في طنجة»، بالتعاون مع عمالقة صناعة التكنولوجيا في الصين، والتي يتوقع أن تستضيف عند إتمامها في العام 2027، أكثر من 200 شركة صينية، عدا مئات آلاف الوظائف، وما يلحق بها من تحفيز قطاعات العقار والأنشطة الاستهلاكية بكافة وجوهها. وليس من باب الصدفة أن تختار شركة هواوي العملاقة المغرب لإطلاق أول استخدامات إنترنت الجيل الخامس «جي فايف» في أفريقيا.
تختصر طنجة حكاية المغرب... هذه المدينة الساحرة، ولكن الفقيرة قبل العام 2007، باتت تحث خطاها اليوم لتكون أحد أهم المراكز الاقتصادية الرئيسية في أفريقيا، كما بينها وبين أوروبا والشرق الأوسط… والصين..
الحداثة الأكيدة التي تعبر عنها رؤية الملك محمد السادس الاقتصادية والتنموية، لا تنفصل عن خطابه السياسي الذي يمكن اختصاره بفكرة «اليد الممدودة»، التي وإن خاطب بها الشعب الجزائري، إلا أنها تصلح لوصف عموم علاقات المغرب مع الدول الأخرى.
استغل العاهل المغربي فوز الجزائر بكأس أمم أفريقيا الأخيرة لكرة القدم، ليعيد التأكيد في خطابه على «مظاهر الحماس والتعاطف التي عبر عنها المغاربة شعباً وملكاً بصدق وتلقائية دعماً للمنتخب الجزائري، خلال كأس أفريقيا للأمم ومشاطرتهم للشعب الجزائري مشاعر الفخر والاعتزاز بالتتويج كأنه فوز للمغاربة أيضاً».
تكمن أهمية هذه الإشارة في ما تنطوي عليه من مقاربة متسامحة، لعلاقة لطالما اتسمت بالتوتر بين الجارين، وتكمن حداثتها في توظيف «القوة الناعمة» (الرياضة) لمد جسر جديد مع جزائر جديدة، بعد انتهاء الحقبة السابقة، التي يؤمل أن يكون قد انتهت معها مرحلة من العقد والأوهام التي حكمت العلاقة مع المغرب.
العقلية نفسها هي التي دفعت بالملك محمد السادس للعودة بالمغرب إلى منظمة الاتحاد الأفريقي في عام 2017 بعد 30 سنة من الغياب بسبب قضية الصحراء، مع تمسك الرباط باقتراح منح الصحراء حكماً ذاتياً.
لا يمكن الزعم أن الجديد الذي يحصل في المغرب بلا نواقص، لا سيما على جبهات مكافحة الفقر والبطالة بين الشباب، أو في مجالات المساواة التنموية بين المناطق، أو على صعيد الحريات.
إنها تجربة هادئة، خفيضة الصوت، ومحاولة رصينة لأن يكون للمغرب مقام مختلف بين الأمم ودور حاسم لقوة صاعدة بالتأكيد في أفريقيا.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

المغرب الهدوء في صناعة القوة المغرب الهدوء في صناعة القوة



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon