توقيت القاهرة المحلي 10:18:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

روبرت مالي: التغريدة التي تقول كل شيء

  مصر اليوم -

روبرت مالي التغريدة التي تقول كل شيء

بقلم - نديم قطيش

سيل الشجب والاستنكار الذي أثارته تغريدة الموفد الأميركي الخاص لإيران روبرت مالي لم تأتِ من فراغ. حسب مالي فإن الشعب الإيراني يتظاهر طلباً لـ«احترام كرامته وحقوقه الإنسانية»، وهو ما عدَّته نخب إيرانية في الداخل والخارج تقزيماً لمقاصد الانتفاضة المستمرة منذ أكثر من أربعين يوماً، والحاملة مطالب جذرية بتغيير النظام وإنهاء الدولة الدينية المذهبية التي أسسها الخميني.
ما لبث مالي أن تراجع عن تغريدته المثيرة، مبرراً ما كتب بأنه «سوء تعبير» عمّا قصد قوله، في حين أن التغريدة، وحسب العارفين بسجلّ مالي وعقله السياسي، هي التعبير الدقيق عن موقفه، لا من هذا الحدث الآنيّ وحسب، بل من عموم السياسة الخارجية الأميركية وما يجب أن تكونه.
في الواقع لم يُثِر تعيين سياسي في إدارة الرئيس جو بايدن ما أثاره تعيين روبرت مالي، في حينه، موفداً خاصاً لإيران، على الرغم من أنه من كوادر الصف الثاني في الإدارة، الذين نادراً ما يستدرجون هذا الكم من الصراعات الحزبية أو الثقافية، في واشنطن، حول شخوصهم وأدوارهم ومواقفهم.
بيد أن روبرت مالي شكَّل نقطة تقاطع لصراعات عدة، إن كان تلك المندلعة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي، أو التي توازيها قسوة، بين تيارات الحزب الديمقراطي نفسه.
فالرجل، المحسوب على يسار الحزب الديمقراطي، سبق وخدم في الحملة الانتخابية للمرشح آنذاك باراك أوباما، لكنه ما لبث أن أُقصي عام 2008 وجرى التنصل من أي علاقة رسمية لحملة أوباما به، بعد أن كشفت صحيفة «التايمز» البريطانية عن لقاءات عقدها مع حركة «حماس» الفلسطينية. لكنه أُعيد إلى كنف أوباما، الرئيس عام 2014، عضواً في مجلس الأمن القومي، ثم عُيِّن عام 2015 مسؤولاً أول عن ملف الشرق الأوسط في المجلس ومستشاراً خاصاً للرئيس لملف «داعش». وحين عُين في إدارة بايدن، كان تيار أقصى اليسار الديمقراطي ممثلاً بالمرشح الرئاسي بيرني ساندرز أول المحتفين به، حتى قيل إن مالي هو «وديعة بيرني» عند بايدن. وليس خافياً أن بايدن، الذي ينتمي إلى الديمقراطيين الوسطيين والتيار الكلاسيكي للحزب، أراد من تعيين مالي أن يوسِّع رقعة تمثيله الحزبي، واسترضاء اليساريين، ما جعله يبالغ في تبني مقتطفات عشوائية من أجندة اليسار الليبرالي في السياسة الخارجية وقضايا الجندر والمناخ والعدالة الاجتماعية، ويخلطها بالأجندات الكلاسيكية للحزب الديمقراطي، لتكون النتيجة إدارة مشوهة بلا أي شخصية فكرية أو أفق استراتيجي أو مشروع واضح، سوى تصفية الحساب مع الرئيس الجمهوري السابق دونالد ترمب.
أما بخصوص معاني الصراع بين الحزبين، فيشكِّل تعيين مالي تأكيداً على أن الحروب الحزبية هي معيار السياسة في واشنطن بالشكل الذي أسَّست له إدارة الرئيس باراك أوباما، التي حوَّلت السياسة الخارجية إلى ساحة من ساحات التنافس الداخلي وإدارة صراعاته وتصفية حساباته. لقد جعل أوباما من القوة السياسية للرئيس ومن التفويض الحزبي الممنوح له، مصادر شبه حصرية لصناعة القرار السياسي، مقصياً تقاليد بناء الإجماعات، وآليات التجسير التقليدية مع مراكز نفوذ الحزب غير الحاكم، داخل مجلسي الشيوخ والنواب. وجعل من السياسة الخارجية والقرارات بشأنها مادة للإدانة القيمية والأخلاقية والوطنية لخصومه، ومنصة تحقير وإذلال للحزب الجمهوري ونخبه الفكرية والثقافية، محاولاً أن يقدم دوماً القرارات النابعة من الصواب الأخلاقي على تلك الممكنة والضرورية في السياسة، حتى لو كان متيقناً من الفشل، مثل فشله في إغلاق سجن غوانتانامو أو إطلاق عملية سلام «عادل» بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
تعيين مالي في إدارة بايدن وتسليمه الملف النووي هو امتداد لهذا المسلك السياسي الذي نجح في تحويل الملف الإيراني من ملف استراتيجي مهم إلى ملف صراع أخلاقي بين الديمقراطيين والجمهوريين. فمالي يمثل وجهة نظر في أقصى القطب المقابل لوجهة نظر الجمهوريين في واشنطن أو حتى الوسطيين داخل الحزب الديمقراطي. يكفي للتعرف على منطلقاته الفكرية العودة إلى موضوع أطروحة الدكتوراه خاصته، التي عالج فيها مرجعيات الشرعية السياسية للنظم السياسية في العالم الثالث التي حددها بثلاث: مناهضة الاستعمار، ومناهضة الغرب، وحركات التحرر الوطني.
في ضوء هذا التصور السياسي والفكري يُفهم الحوار الذي حاوله مالي مع «حماس»، وأطاح به من حملة أوباما، وقبله يُفهم توزيعه للمسؤوليات الذي ضمنها شهادته على انهيار المفاوضات الفلسطينية - الإسرائيلية أيام الرئيس الأسبق بيل كلينتون والتي جاءت شديدة التحامل على إيهود باراك وشديدة التبرير لمواقف أبو عمار. وبعد ذلك، وفي ضوء التصور السياسي والفكري لأطروحته مجدداً، يُفهم لماذا بدا روبرت مالي «متفهماً» للقمع الإيراني الوحشي للحركة الخضراء عام 2009 أو مناوئاً لأي دعم أميركي ذي مضمون فعليّ للثورة السورية.
مالي يرى أنه لا جدوى من التصادم مع القوى التي تشكل مصدراً للشرعية السياسية في العالم الثالث. وحسبه فإن السياسة الأميركية الخارجية، التي تقوم على عُقدة ذنب كولونيالية، يجب أن تراعي «حماس» و«حزب الله» والأسد والحوثي والنظام الإيراني، بغية الوصول إلى شيء من الاستقرار. ويرى في المقابل أنه لا ضرر في استعداء القوى التي تعد منتجات كولونيالية بحسبه، كإمارات وممالك ودول خليجية (وهذا فهم ينمّ عن جهل مطلق بتشكل النظم السياسية في هذه المنطقة)، بل يجد في ذلك تعزيزاً بموثوقية واشنطن في عيون خصومها ويمنحها هامشاً أوسع للمناورة والتسوية.
مثل هذا العقل لا يؤدي فقط إلى تسعير الحروب الحزبية داخل واشنطن، بل تَنتج عنه تشوهات خطيرة تصيب العلاقات الأميركية مع حلفائها التقليديين، كما هو حاصل اليوم، ويجعل من السياسة الخارجية الأميركية مطيَّةً لإيران وحلفائها لتحقيق الأهداف البعيدة لهذا المحور، وهو فكفكة المنظومة الاستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط.
تغريدة روبرت مالي عن الانتفاضة الراهنة في إيران ليست زلة لسان، أو إساءة تعبير تصدر عن واحد من ألمع العقول السياسية في واشنطن، وإن كنت أختلف معه بشكل شبه جذري. على العكس، هي تعبير دقيق عن مواقفه التي نجحت في أن تشكل حيزاً كبيراً من سياسة واشنطن الخارجية في إيران وسوريا واليمن، وتعبير أدق عن كل ما هو خطأ في واشنطن هذه الأيام.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

روبرت مالي التغريدة التي تقول كل شيء روبرت مالي التغريدة التي تقول كل شيء



GMT 20:18 2024 الأربعاء ,18 كانون الأول / ديسمبر

مؤتمر الصحفيين السادس.. خطوة للأمام

GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

اللون الأسود سيطر على إطلالات ياسمين صبري في عام 2024

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:59 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب
  مصر اليوم - النظام الغذائي الغني بالفواكه والخضراوات يحدّ من الاكتئاب

GMT 09:52 2025 الإثنين ,06 كانون الثاني / يناير

ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام
  مصر اليوم - ميتا تطلق أدوات ذكاء اصطناعي مبتكرة على فيسبوك وإنستغرام

GMT 10:25 2021 الأربعاء ,05 أيار / مايو

فساتين أنيقة بتصاميم مختلفة لربيع وصيف 2021

GMT 17:19 2021 الأربعاء ,14 إبريل / نيسان

طقس الأربعاء حار نهارًا ولطيف ليلًا في أسوان

GMT 04:30 2021 الثلاثاء ,30 آذار/ مارس

أفضل وجهات سفر لعشاق المغامرات

GMT 11:54 2021 الأحد ,07 آذار/ مارس

طريقة عمل مكرونة بصدور الدجاج

GMT 10:40 2021 الجمعة ,12 شباط / فبراير

محمد شريف يحتفل ببرونزية كأس العالم للأندية

GMT 01:06 2021 الأربعاء ,27 كانون الثاني / يناير

تلميذات يتخلصن من زميلتهن بالسم بسبب تفوقها الدراسي في مصر

GMT 21:22 2021 السبت ,16 كانون الثاني / يناير

مرور 17 عام على انضمام أبو تريكة للقلعة الحمراء

GMT 09:42 2020 الثلاثاء ,01 كانون الأول / ديسمبر

كرات اللحم المشوية

GMT 06:57 2020 الثلاثاء ,03 تشرين الثاني / نوفمبر

جماهير أرسنال تختار محمد النني ثاني أفضل لاعب ضد مان يونايتد

GMT 18:47 2020 الأحد ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

تغيير اسم نادي مصر إلى "زد إف سي" بعد استحواذ ساويرس

GMT 07:26 2020 الأربعاء ,21 تشرين الأول / أكتوبر

سعر الدولار في مصر اليوم الأربعاء 21تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:31 2020 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

لعنة الغيابات تضرب بيراميدز قبل مواجهة الطلائع في الكأس

GMT 07:46 2020 الأحد ,11 تشرين الأول / أكتوبر

أسعار الأسماك في مصر اليوم الأحد 11 تشرين أول /أكتوبر 2020

GMT 21:43 2020 الجمعة ,09 تشرين الأول / أكتوبر

فنانة شابة تنتحر في ظروف غامضة

GMT 21:14 2020 الثلاثاء ,06 تشرين الأول / أكتوبر

مؤشرا البحرين يقفلان التعاملات على ارتفاع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon