توقيت القاهرة المحلي 16:35:03 آخر تحديث
  مصر اليوم -

مهسا أميني... جسر بين زمنين

  مصر اليوم -

مهسا أميني جسر بين زمنين

بقلم - نديم قطيش

تصيب المظاهرات الاحتجاجية الأخيرة في إيران، نظام الملالي بتفسخات إضافية خطيرة. طبعاً، لا توجد شكوك كثيرة حول قدرة حرس طهران الثوري وباسيجها وميليشياتها الأهلية، على القمع الدموي، بمثل ما قُمعت انتفاضات سابقة، ولكن الأكيد أيضاً أن الجاري حالياً يحمل ملامح جديدة إنْ كان بشأن طبيعة التحرك أو بشأن السياق الزمني للحدث.
انفجرت المظاهرات بعد إعلان مقتل الشابة مهسا أميني، 22 عاماً، على يد «شرطة الأخلاق»، بعد توقيفها لعدم مطابقة حجابها لمواصفات الحجاب الذي تفرضه السلطات الإيرانية، وما لبثت أن توسعت لتصير نوعاً من الاحتجاج الوطني الشامل، في عموم المدن والنواحي والبلدات الإيرانية. وككل الاحتجاجات السابقة، تبدلت سريعاً عناوين المظاهرات، لتتحول إلى فعل صدام سياسي مع النظام نفسه وشرعيته، ولترتفع العناوين الداعية بالموت لخامنئي ولإسقاط نظامه، عدا عن الاشتباك المباشر مع كل رمزيات الدولة من شرطة ومكاتب حكومية وصولاً إلى إحراق وتمزيق وتحطيم مجسمات تمجد «أصنام» النظام كالجنرال قاسم سليماني.
الغضب المكتوم الذي فجره مقتل أميني، يُنبئ بحال الطلاق بين النظام وجزء كبير من الشعب الإيراني، ويعلن عن يأس هذا الجزء من كل إصلاح من داخل التركيبة الحالية وفي ظل بقاء النظام نفسه، بعقله ومشروعه ومؤسساته. لقد عبّر الإيرانيون عن شيء مماثل في عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات التشريعية عام 2020، التي حاول المرشد أن يجعل منها، بعد أسابيع على مقتل سليماني، استفتاءً على شرعية نظام الثورة، لتأتي النتائج بصفعة مدوية، سجلت أدنى نسبة مشاركة منذ 40 عاماً!
الانتفاضة الشعبية الجارية هي الخامسة من نوعها منذ «الحركة الخضراء» عام 2009، التي اندلعت نتيجة قناعة قطاعات إيرانية واسعة بأن المرشد أطاح بالفائز مير حسين موسوي لصالح ترئيس محمود أحمدي نجاد عنوة.
تلا ذلك عدد من الانتفاضات التي تنوعت عناوينها، كان أبرزها حراك 2017 - 2018 الذي انطلق من مدينة مشهد، احتجاجاً على البطالة وغلاء الأسعار، ثم انتفاضة 2019 - 2020، بسبب الاحتجاج على زيادة أسعار المحروقات بنسبة 200 في المائة، التي انتشرت في أكثر من 21 مدينة إيرانية، ونتج عنها ما يعرف بـ«آبان خونن» أو نوفمبر (تشرين الثاني) الدموي. ففي تقرير عن المجزرة، كشفت «رويترز» نقلاً عن ثلاثة مسؤولين بوزارة الداخلية الإيرانية أن نحو 1500 شخص قتلوا خلال الاحتجاجات التي بدأت في 15 نوفمبر واستمرت موجتها الأولى أقل من أسبوعين. وتنقل الوكالة بعض تفاصيل الاجتماع الغاضب الذي اتُّخذ فيه قرار قمع المظاهرات، مشيرة إلى أن خامنئي أبلغ أركان نظامه الحاضرين أن «الجمهورية الإسلامية في خطر. افعلوا ما يلزم لوضع نهاية لذلك. هذا هو أمري لكم».
لم تمنع الدموية الفائقة اندلاع «ثورة العطش» في 2020 - 2021 التي بدأت من خوزستان بسبب ندرة المياه، ووُجهت كغيرها بالقمع والتخوين.
نحن إذاً بإزاء خمس انتفاضات كبرى منذ 13 سنة، أي بمعدل انتفاضة كل سنتين ونصف السنة تقريباً، عدا عن احتجاجات أصغر متصلة أو منفصلة عن هذه المحطات الخمس. عملياً لم تهدأ شوارع المدن الإيرانية منذ عام 2009 يوماً واحداً، وهو ما يفسّر حجم القلق الذي يعتري خامنئي (تقرير رويترز)، في كل مرة تتوسع فيها الاحتجاجات وتجذب انتباه الإعلام الدولي وعيون المسؤولين في العواصم المؤثرة حول العالم.
اللافت في هذه الاحتجاجات، تنوع موضوعاتها وشمولها الاحتجاج السياسي المباشر كما حصل عام 2009 والأوضاع المعيشية، كما حصل في انتفاضتي الجوع والعطش، والآن الاحتجاج على المنظومة القيمية للنظام التي بات عنوانها «الحجاب الإلزامي».
إننا بإزاء تصادم بين النظام الإيراني وجزء كبير من الإيرانيين يغطي الجبهات كافة، السياسية والاقتصادية والقيمية. وهو ما يفسر حال الطلاق بين نظام إيران الخمينية والشعب الإيراني، والتحول المطرد للنظام إلى ديكتاتورية عسكرية بعمامة لا أكثر ولا أقل.
لذلك لا يعود مستغرباً أن تتحول المظاهرات والاحتجاجات كل مرة وبسرعات قياسية لتصير انتفاضات على النظام نفسه، وتذهب بسقوف مطالبها إلى الدعوة لسقوط المرشد وإنتاج جمهورية إيرانية جديدة، أي الانتقال ببساطة من حكومة صاحب العصر والزمان إلى حكومة تشبه العصر والزمان.
الجديد هذه المرة أن الانتفاضة الجارية تحصل في لحظة حساسة تتعلق بمستقبل النظام الإيراني في ضوء التقارير عن الاعتلال المتزايد في صحة المرشد، الذي اضطر للظهور مرتين لتبديد التقارير بهذا الشأن. كما تحصل في لحظة تجاذب شديد القسوة بين أركان النظام ومكوناته، تحديداً بسبب اللحظة الانتقالية التي ستحل، لا ريب، على إيران لحظة رحيل خامنئي لأي سبب كان. وقد تبدى هذا الصراع في الحرب الخفية على الاتفاق النووي، بين من يريدون الاتفاق ومن يعتبرونه حصان طروادة لضرب الطبيعة الثورية للنظام. لقد أظهرت الإضافات الإيرانية الأخيرة على جدول أعمال التفاوض بين طهران ومجموعة «5 زائد واحد»، لا سيما ما يتعلق بالأبعاد العسكرية للمشروع النووي الإيراني مفاجأة للمفاوضين الغربيين، واعتبرها البعض دليلاً على أن المفاوضات باتت آلية بيد أركان النظام في حروبهم البينية، يستخدمها كل طرف لإحراق الآخر، ضمن لعبة التموضع لوراثة خامنئي.
آخر ما يحتاج إليه النظام هو إضافة مكون الثورة الشعبية، إلى وصفة القلق التي تعيشها إيران. هذه نقطة ضعف الثورة اليوم لأنها ستفتح بوجهها أبواب جحيم القمع وبأقسى مما مر على الإيرانيين، وهي نقطة قوتها في الوقت نفسه، لأنها أوضح المرات التي يكون فيها الحراك الشعبي الشبابي جسراً متيناً بين زمنين.

 

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

مهسا أميني جسر بين زمنين مهسا أميني جسر بين زمنين



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع

GMT 01:22 2018 الإثنين ,01 كانون الثاني / يناير

العسيلي والليثي يطرحان أغنيتهما الجديدة "خاينة"

GMT 19:11 2015 الإثنين ,12 تشرين الأول / أكتوبر

مركز "محمود مختار" يستضيف معرض الفنان وليد ياسين

GMT 03:33 2017 الخميس ,09 تشرين الثاني / نوفمبر

دار VIDA للمجوهرات تطرح مجموعة جديدة لامرأة الأحلام
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon