توقيت القاهرة المحلي 23:03:27 آخر تحديث
  مصر اليوم -

انتصر وليد جنبلاط... ماذا الآن؟

  مصر اليوم -

انتصر وليد جنبلاط ماذا الآن

بقلم: نديم قطيش

لا تشبه المسميات أسماءها في لبنان. فالديمقراطية ليست واحدة وإن كانت على كل لسان، ومثلها مفردات الدستور والقانون والتعايش والدولة، والكثير غيرها من المفردات التي تملأ فراغ الخطاب السياسي اللبناني بثراء تعبيري عجيب. ستجد تاجراً للمخدرات يدافع عن حكم القانون وميليشيا استئثارية تتنطح لتمثيل منطق الدولة وأسس العيش المشترك، والكل يحاضر بالعفة حتى صياح الديك!
حين صدر بيان للسفارة الأميركية في بيروت يحذر من تسييس القضاء في التحقيقات الجارية في حادثة قبرشمون، والتي عطل الخلاف حولها الحكومة اللبنانية (أو تجمع حكومات لبنان)، أكثر من أربعين يوماً، استفظع «حزب الله» الموقف الأميركي وعده «تدخلاً سافراً وفظاً في الشؤون الداخلية اللبنانية، ويشكّل إساءة بالغة للدولة ومؤسساتها الدستورية والقضائية» و«هو استكمال للتدخل الأميركي المتواصل في الشؤون السياسية في لبنان والمنطقة»، واستنتج أن البيان الأميركي «إدانة صريحة لكل أدعياء الحرية والسيادة والاستقلال الذين صمتت أفواههم وانكسرت أقلامهم».
هالله هالله يا دنيا، كما تقول سميرة توفيق!!
تخيلوا أن حزباً تقاتل ميليشياه على جبهات معلنة وغير معلنة في طول أرض الله وعرضها، لحساب دولة أجنبية، بل ويصرح قائده المظفر أنه يقاتل وسيقاتل بهذه الصفة تحديداً شاء من شاء وأبى من أبى، يدبج نوابه أو مكتبه السياسي البيان المشار إليه أعلاه، الذي يعج بمفردات الدولة والمؤسسات والقضاء والتدخل والسيادة والاستقلال.
حادثة قبرشمون المذكورة، وهي اشتباك أهلي درزي درزي بين أنصار وليد جنبلاط وموكب وزير درزي محسوب على غريمه وحليف رئيس الجمهورية و«حزب الله» الأمير طلال أرسلان، شكلت لحظة دموية في مسار احتقان طويل منذ أن بدأت تنحرف عن مسارها التسوية الرئاسية التي أتت بميشال عون رئيساً للجمهورية وسعد الحريري رئيساً للحكومة في خريف عام 2016. وما كان هذا الانحراف مستقلاً عن قوة دفع «حزب الله» خلفه بغية تحويل التسوية إلى حلقة جديدة من حلقات قضم الجمهورية اللبنانية واستتباع القوى الرئيسية فيها وتعطيل فعلها السياسي. ولج «حزب الله» من التسوية إلى إقرار قانون للانتخابات هو الأسوأ في تاريخ الجمهورية اللبنانية، لأنه، كما بدأنا المقال، مثال صارخ على انفصال المسميات عن أسمائها. فالنسبية التي أرادها القانون فاتحة لصون التعدد داخل بعض الطوائف اللبنانية وإحيائه وتمكينه داخل أخرى، انتهت في الواقع إلى فرض التعدد على الجميع عدا بيئة «حزب الله» التي بقيت مقفلة بالسلاح ووهجه وهيبته، وأدت إلى إقفال الطائفة الشيعية بالكامل، وتعزيز ذلك بوضع يدها على شريحة سنية وأخرى درزية عدا عن شريحة مسيحية وازنة من خلال التحالف العميق مع رئيس الجمهورية !
وكان من تبعات القانون الانتخابي ثم الحكومة المشكلة وفق النتائج التي أفضى إليها، أن بدأ وليد جنبلاط يشعر بفقدانه الدور السياسي الذي لعبه داخل النظام السياسي والمعروف «ببيضة القبان»، أي صاحب الصوت المرجح بين التوازنات الدقيقة لقوى الصراع اللبناني الدائم. من مثالات ذلك أن انحيازه الظرفي والقصير لصالح انقلاب «حزب الله» عام 2010، سمح بتسمية بديل لسعد الحريري، هو الرئيس نجيب ميقاتي، بعد أن أقيلت حكومة الحريري وهو داخل إلى اجتماعه مع الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما في البيت الأبيض.
منذ اللحظة الأولى تعامل «حزب الله» مع حادثة قبرشمون بوصفها مناسبة لاستكمال استنزاف جنبلاط ومحاصرته، وخرج حسن نصر الله في خطابين شهيرين تحدث فيهما علناً وبحماس وانحياز مطلق لمنطق حليفه طلال أرسلان، بل هو حقق واستنتج وحكم وأطلع اللبنانيين على الحكم الذي يرغب في رؤية نزوله بجنبلاط ومحازبيه ووزرائه... أما رئيس الجمهورية، فقد رأى في الحادثة محاولة لاغتيال صهره وزير الخارجية جبران باسيل، وليس وزير طلال أرسلان كون الوزير الأخير كان في طريقه لملاقاة باسيل ومرافقته إلى المنطقة التي جرى فيها الحادث المذكور... في المقابل قرر جنبلاط أن معركته هذه هي معركة وجودية بالكامل وأنه سيخوضها على هذا الأساس... وفعل!
بعد أربعين يوماً من تعطيل مجلس الوزراء ورفع السقوف بوجه جنبلاط من قبل كل من «حزب الله» والرئيس عون والوزير باسيل والأمير أرسلان جرت مصالحة «عشائرية» في القصر الجمهوري برعاية الرؤساء الثلاثة وحضور «الرئيس الرابع» وليد جنبلاط والأمير طلال أرسلان، وفي أثر صدور بيان السفارة الأميركية والتلويح ببيان مماثل عن الاتحاد الأوروبي.
لم يخرج جنبلاط من معركته منتصراً ومعطلاً استكمال الاستحواذ على الجمهورية، فقط، بل خرج عملياً بأول انتصار سياسي على كامل تركيبة العهد رئيساً ومرشداً وبعض الحواشي المخترعة والمنفوخة، بالتحالف السياسي مع الدكتور سمير جعجع، والتحالف العملي تحت الطاولة مع رئيس مجلس النواب نبيه بري، ورئيس الحكومة سعد الحريري الذي يبدو أنه استعاد بعضاً من قوة دوره وموقعه الذي استنزف كثيراً منذ خريف 2016.
وهو انتصار، ستكون له أثمان بالتأكيد، لا سيما أن «حزب الله» يعرف تماماً أن مثل هذه الانتصارات، تهيئ في العادة لولادة مناخ سياسي، ما لم يكن جبهة سياسية، تعلن انتهاء مرحلة التفوق المريح لـ«حزب الله». لطالما امتلكت الزعامة الدرزية مفتاح إنهاء العهود الرئاسية منذ بشارة الخوري حتى إميل لحود مروراً بكميل شمعون وآخرين. اقترب جنبلاط في معركته الأخيرة من هذا الدور وانتصاره السياسي يصب مياهاً كثيرة في طاحونة إنهاء السلوك السياسي المولود منذ خريف 2016.
درس وليد جنبلاط بسيط. التسوية ممكنة من دون تبديد الكرامة السياسية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

انتصر وليد جنبلاط ماذا الآن انتصر وليد جنبلاط ماذا الآن



GMT 23:29 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحو قانون متوازن للأسرة.. بيت الطاعة

GMT 23:27 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

نحن عشاق «الكراكيب»

GMT 23:25 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

التوت و«البنكنوت»

GMT 20:38 2022 الإثنين ,12 أيلول / سبتمبر

الصفقة مع ايران تأجلت... أو صارت مستحيلة

GMT 07:51 2021 السبت ,11 أيلول / سبتمبر

الملالي في أفغانستان: المخاطر والتحديات

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 21:27 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله
  مصر اليوم - كريستيانو رونالدو يدرس تأجيل اعتزاله للعب مع نجله

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon