توقيت القاهرة المحلي 11:36:35 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إيران و«القاعدة» مجدداً... ما هي مسؤوليتنا؟

  مصر اليوم -

إيران و«القاعدة» مجدداً ما هي مسؤوليتنا

بقلم - نديم قطيش

الكثير الذي تغير منذ 11 سبتمبر (أيلول) 2001، لم يغير موقع هذا اليوم المشؤوم في تاريخ العلاقات الدولية وعلاقات منطقتنا بالعالم. لا تزال آثار هذه الجريمة التي نفذها تنظيم «القاعدة» في صلب سلسلة الأحداث التي توالت من يومها إلى اليوم. اجتاحت أميركا أفغانستان، وأسقطت نظام «طالبان»، ثم أكملت الطريق نحو بغداد، واقتلعت نظام صدام حسين. في الحربين كان دور إيران شديد الأهمية، وكان نظام ولاية الفقيه يتهيأ للانقضاض على محيطه العربي والخليجي، مستفيداً من جموح واشنطن الجريحة، ومن اضطراب البنية الثقافية المصاحبة للحرب التي سمحت لإيران بأن تتبرأ من تهمة الإرهاب، وأن تلصقها بالدول ذات الأغلبيات المجتمعية السنية.

تنظيرات الحرب يومها التي هيمنت عليها نخب شيعية في واشنطن، أبرزها: كنعان مكية، وفؤاد عجمي، والسياسي العراقي أحمد الجلبي، بالإضافة إلى النخب الإيرانية القومية التي وإن كانت تعادي النظام في طهران لكنها لا تتطلع إلى حرب تدمر إيران، كانت كلها تلتقي في مكان ما عند الترويج لوجهة نظر تفيد بأن تحالف أميركا مع شيعة الشرق الأوسط أفضل من التحالف مع سنته، وأن نفط الشرق الأوسط تختزنه «جغرافيا شيعية» في الغالب، ما يجعل من خيار التقسيم على أسس مذهبية خياراً موضوعياً لناحية قدرته على خدمة الأهداف الاستراتيجية لأميركا ومصالحها.

وكان تعاون إيران، برئاسة محمد خاتمي، الميداني والسياسي، مع واشنطن في حربي أفغانستان والعراق، الرافد الأبرز لهذه التهويمات السياسية والاستراتيجية التي أصابت العقل الأميركي. فعلى الرغم من ضم إيران إلى «محور الشر» في خطاب جورج دبليو بوش، مطلع عام 2002، لم تمنع هذه الصفة من استمرار الحوار بين واشنطن وطهران، ومحاولات الوصول إلى تسوية سياسية أوسع من الاتفاق التكتيكي على حربي أفغانستان والعراق اللتين أسقطتا عدوين مشتركين لواشنطن وطهران، هما «طالبان» وصدام. إلا أن صعود محمود أحمدي نجاد فرمل هذه الاندفاعة التي كان «الحرس الثوري» وخامنئي يريان في المبالغة فيها خطراً على ديمومة النظام الثوري.

من جيب بايدن خرجت أوراق تقسيم العراق إلى ولايات ثلاث، وبرعاية خصوم المملكة العربية السعودية في أميركا وفي العالم العربي، جندت حملات إعلامية وسياسية «لشيطنة» المملكة، وتحميلها المسؤولية المباشرة عن جريمة 11 سبتمبر، ثم عن انفجار ملف «الجهاد» وميليشياته في العراق وسوريا وغيرها، وهُدد أمن الأردن، وجُردت حملات ضد مصر، زرعت أولى بذور إسقاط النظام فيها.

في الأساس -وكما سنعلم لاحقاً من الوثائق والتسجيلات التي عُثر عليها في مخبأ بن لادن في آبوت آباد الباكستانية- لم يكن اختيار 15 سعودياً من بين المنفذين الـ19 صدفة. أراد بن لادن أن «يوظف» أميركا الجريحة، في مهمة إسقاط النظام السعودي، رداً على الهجوم الذي خطط له ونفذه بعقل شيطاني. وسط هذه الغابة من فوضى الأفكار والسياسات والرُّهاب الاستراتيجي، لعبت إيران أوراقها بحنكة، بعد أن وضعت كل خصومها في موقف الدفاع. وحتى الآن لا تزال هذه الفوضى بسبب كثافة الأدبيات التي أنتجتها، لا تتوقف بجدية كافية عن الأدوار التي لعبتها إيران، مباشرة أو غير مباشرة، في الرحلة نحو 11 سبتمبر 2001، وفي استثمار كل الفرص الاستراتيجية بعدها، عابرة بين خطوط الانقسام الفقهي والآيديولوجي برشاقة مذهلة.

عشية ذكرى هذا العام، نشر حساب «أنونيموس» على منصة «تويتر»، صورة تعود إلى عام 2015، تضم عدداً من قادة الصف الأول لـ«القاعدة» في إيران، هم: سيف العدل، المرشح لخلافة أيمن الظواهري، وأبو محمد المصري، الرجل الثاني في «القاعدة» ونسيب بن لادن عبر نجله حمزة بن لادن الذي قُتل في طهران صيف 2020، وأبو الخير المصري، نائب الظواهري الذي قُتل في سوريا عام 2017. لم تكن هذه الصورة أول الأدلة على العلاقة المعقدة بين طهران و«القاعدة»، وإن كانت أحدثها. حتى لجنة التحقيق في هجمات سبتمبر، خلصت إلى أن بعض منفذي الهجمات كان قد سبق لهم أن تدربوا في لبنان على أيدي عناصر «حزب الله» و«الحرس الثوري» الإيراني، حين بدأت العلاقة بين التنظيمين مطلع التسعينات، وتوثقت في منتصفها في حقبة تحالف تنظيمات الجهاد في السودان، برعاية وتنظيم من الداعية الإسلامي السوداني حسن الترابي.

في هذا السياق، المؤسس للصلة بين «القاعدة» وطهران، سبق أن حكمت محكمة نيويورك الفيدرالية عام 2016، برئاسة القاضي جورج دانيلز، بتغريم إيران مليارات الدولارات، تعويضاً لعائلات أميركيين قتلوا في هجمات 11 سبتمبر، ولشركات التأمين التي تحملت أضراراً مالية، لدورها في تسهيل مهمة تنفيذ تلك الهجمات الإرهابية.

وتشير الوثائق المرتبطة بالحكم، إلى أن إيران سهلت انتقال عملاء «القاعدة» إلى معسكرات التدريب في أفغانستان، وأن القائد العسكري لـ«حزب الله» عماد مغنية زار المنفذين في أكتوبر (تشرين الأول) عام 2000، ونسق سفرهم إلى إيران بجوازات سفر جديدة لتأمينهم قبل تنفيذ العمليات. كما أثبتت أن الحكومة الإيرانية أصدرت أوامر إلى مراقبي حدودها بعدم ختم جوازات سفر المنفذين، لتسهيل تنقلهم. واستمرت إيران في تقديم دعم مادي إلى «القاعدة» (حسب الوثائق) بعد وقوع أحداث سبتمبر، وقدمت ملاذاً آمناً لقيادات التنظيم. يتوافق ذلك مع توجيهات أسامة بن لادن لـ«القاعدة» التي عثر على نسخ منها في آبوت آباد، وتفيد باعتراضه على إعلان البعض مواقف عدائية ضد إيران، وأن رأيه «مخالف لتهديد (إيران)»، مبرراً ذلك بأن «إيران هي الممر الرئيسي لنا بالنسبة للأموال والأفراد والمراسلات، وكذلك مسألة الأسرى».

إن معرفتنا بالتراتبية الصارمة لقرارات «الحرس الثوري» الإيراني، ومرجعيته الحاسمة لقرار المرشد علي خامنئي، تسهل استنتاج أن التعاون بين «القاعدة» وإيران كان سياسة دولة، وهو ما يغيب بشكل كامل عن الموقف السياسي الأميركي إلا فيما ندر، مثل تصريحات وزير الخارجية الأميركي السابق مايك بومبيو الذي قال قبل أسابيع من نهاية ولاية الرئيس دونالد ترمب، إنه «على عكس أفغانستان، حين كان تنظيم (القاعدة) مختبئاً في الجبال، يعمل تنظيم (القاعدة) اليوم تحت غطاء صلب في حماية النظام الإيراني». في المقابل، يقول رئيس لجنة التحقيق في جريمة 11 سبتمبر، توماس كين، في تصريحات لصحيفة «الغارديان» البريطانية، إن تقرير لجنة التحقيق «لم يجد أي دليل على أن الحكومة السعودية كمؤسسة، أو كبار المسؤولين السعوديين، مولوا بشكل فردي تنظيم (القاعدة)».

لم يهمَل ملف استراتيجي في الشرق الأوسط، بمثل ما أُهمل ملف العلاقة بين «القاعدة» وإيران، وملف التحالف الموضوعي بين الإرهابين «الشيعي» و«السني»، على حساب استسهال محاولات النيل من مناعة الدول الوطنية في الشرق الأوسط، تحت عناوين الديمقراطية وحقوق الإنسان. هل سنشاهد مثلاً إنتاجاً عربياً ضخماً عبر منصات «نيتفليكس» وأشباهها، يوثق درامياً هذا الصراع، أم سنكتفي بالاعتراض على أجندة «نيتفليكس» على قاعدة صراع القيم، وإنتاج مشهدية تضاد، تثبت صورة «المتقدم» و«المتخلف» في العقل الغربي، وتكون ذخيرة لخصومنا؟!

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إيران و«القاعدة» مجدداً ما هي مسؤوليتنا إيران و«القاعدة» مجدداً ما هي مسؤوليتنا



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 10:52 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة
  مصر اليوم - انطلاق الدورة الثانية من مهرجان الشارقة للسيارات القديمة

GMT 10:38 2024 الأحد ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية
  مصر اليوم - واتساب يتيح تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص تشمل العربية

GMT 01:58 2021 الأربعاء ,01 أيلول / سبتمبر

البورصة المصرية تربح 31.4 مليار جنيه خلال شهر أغسطس

GMT 23:21 2020 الأربعاء ,26 آب / أغسطس

بورصة بيروت تغلق على تحسّن بنسبة 0.37%

GMT 13:08 2020 الإثنين ,24 شباط / فبراير

7 قواعد للسعادة على طريقة زينة تعرف عليهم

GMT 01:27 2018 الإثنين ,26 شباط / فبراير

باحثون يؤكدون تقلص عيون العناكب الذكور بنسبة 25%

GMT 15:46 2018 الأربعاء ,07 شباط / فبراير

كارل هاينز رومينيجه يشيد بسياسة هاينكس

GMT 12:17 2018 الجمعة ,02 شباط / فبراير

Mikyajy تطلق أحمر شفاه لعاشقات الموضة والتفرد

GMT 16:48 2018 الخميس ,25 كانون الثاني / يناير

المقاصة يسعى لاستعادة الانتصارات أمام الانتاج

GMT 14:39 2018 الإثنين ,22 كانون الثاني / يناير

"ثقافة أبوقرقاص" تنظم فعاليات في قرية الكرم وقصر الإبداع
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon