توقيت القاهرة المحلي 18:10:22 آخر تحديث
  مصر اليوم -

«بريكس بلس»... هل تلتقط واشنطن الرسالة؟

  مصر اليوم -

«بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة

بقلم - نديم قطيش

صحيح أن هوية المجموعة تشكلت في الأصل على أسس اقتصادية استثمارية بوصفها أسواقاً ناشئة وواحدة من العلاجات المبتكرة للآثار الاقتصادية المهولة لأحداث 11 سبتمبر (أيلول) 2001، إلا أنها اليوم تتطور باتجاه كيان جيوسياسي سيكون له كبير الأثر على توازنات العلاقات الدولية.

لنضع جانباً في البدء الأوهام الطوباوية عن أن المجموعة هي البديل السحري التام لنظام عالمي تقوده الولايات المتحدة. ولنتجاهل الدعوات المتسرعة لتشييع الدولار الأميركي بوصفه عملة الكوكب الرئيسية، وإن غير الوحيدة في سلة عملات متنوعة سيزيد استخدامها في الصفقات المتعلقة بالنفط والغاز.

فنحن إزاء كيان وليد مزنر بالتناقضات البنيوية السياسية والاقتصادية وبالهواجس المتبادلة والرهانات المختلفة لأعضائه.

الهند، على سبيل المثال لا الحصر، أكبر الأعضاء لناحية عدد السكان بعد تجاوزها الصين، شديدة الحساسية بشأن فرضية تحول «بريكس» إلى أداة جيوسياسية بيد غريمها/حليفها الصيني. وقد تعمد رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي أن يزور أميركا قبل قمة «بريكس» ليعود ويعلن في خطاب الاستقلال، قبلها أيضاً، أن بلاده صديقة العالم. وروسيا لم يستطع رئيسها الحضور، بسبب قلق جنوب أفريقيا من تداعيات العقوبات الأميركية على بلاده إن لم يفِ بالتزاماته الدولية وينفذ مذكرة الاعتقال الدولية بحق فلاديمير بوتين. هذا تذكير بحجم التأثير المستمر للشروط والقواعد الأميركية على العلاقات الدولية.

ولو تعمّقنا أكثر في طبيعة الأنظمة السياسية للأعضاء الحاليين والوافدين، فسنجد أننا إزاء خلطة عجيبة من النظم السياسية التي تتراوح بين الديمقراطيات والملكيات وما بينهما، وكذلك الحال بالنسبة لنماذجها الاقتصادية.

في المقابل تمتلك المجموعة سجل نجاحات لا يجوز إغفاله، أكان ذلك في تجربة بنك التنمية الجديد (NDB)، أو نجاحها في جمع 100 مليار دولار للإقراض الطارئ والموافقة على قروض بقيمة 33 مليار دولار تقريباً لمشروعات البنية التحتية. كما يشار إلى نمو التجارة البينية بين الأعضاء الحاليين بنسبة 56 في المائة لتصل إلى 422 مليار دولار في الفترة من 2017 إلى 2022. في حين أن انضمام دول مثل السعودية والإمارات يرفد المجموعة بقدرات مالية واستراتيجية هائلة لناحية السيولة النقدية وسلاسل التوريد والبنية التحتية الصلبة والناعمة.

مع ذلك، فإن ظني أن الأثر السياسي، حتى إشعار آخر، على توازنات العلاقات الدولية، وزيادة جرعة الاستقلال في القرار الاستراتيجي للدول، وفرملة التفرد الأميركي نسبياً، هي الآثار الأهم لمجموعة «بريكس» بصيغتها الموسعة.

إذا أخذنا الهند وجنوب أفريقيا مثالين على المستوى العالمي، والسعودية والإمارات مثالين من الشرق الأوسط، فسنجد أننا أمام مفهوم جديد في السياسة الدولية يقوم على قاعدة «تعدد الانحياز»، أي التعامل مع كل من الولايات المتحدة والصين، فضلاً عن القوى الإقليمية والدولية الأخرى، وبناء مجموعة معقدة من التقاطعات والتوافقات معها. يحل هذا الملمح، لدى معظم الدول، مكان ما عُرف سابقاً بمدرسة «عدم الانحياز» أو «الانحياز التام» أي التمترس في معسكرات متقابلة كما كان الأمر إبان الحرب الباردة وبعدها.

فعلى الرغم من لائحة الهواجس الهندية الطويلة إزاء الصين، لا سيما ما يتصل منها بالنزاعات الحدودية بين البلدين، نرى الهند تستخدم اليوان الصيني في مدفوعات النفط. وتسعى الهند لجذب استثمارات صينية في قطاعات التكنولوجيا والأدوية الهندية، إضافة إلى تعاونها العميق مع الصين في المنتديات الإقليمية كمنظمة شنغهاي، على سبيل المثال لا الحصر. وإذ تستضيف نيودلهي قمة العشرين الشهر المقبل فإنها تؤكد على ملمح «تعدد الانحياز» الذي تعد الهند اليوم أبرز نجومه.

كما الهند، فإن السعودية والإمارات، بوصفهما عضوين جديدين، في مجموعة «بريكس»، منخرطتان في لعبة «التوازن الناعم» بغية تنويع قاعدة علاقاتهما الدولية وتجنُّب الدخول الصريح في تحالفات حصرية في لعبة التضاد بين واشنطن وبكين.

وإذا استثنينا روسيا وإيران بشكل رئيسي، سنلاحظ أنه وعلى الرغم من بعض الضجيج الإعلامي، فإن استراتيجية «تعدد الانحيازات»، تخلو بشكل كبير من المضمون اليساري المناهض لأميركا الذي ساد خلال الحرب الباردة. كما تخلو من المضامين التبسيطية لفكرة «عدم الانحياز» التي تبنتها دول مستقلة حديثاً في أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية سياسة لتبقى خارج لعبة التنافس بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي.

المختلف اليوم أن «تعدد الانحيازات» لا يتعلق غالباً بالمقاومة الآيديولوجية أو أوهام الاكتفاء الذاتي، بل بتعزيز البراغماتية عند الحكام ومدهم بمقدار أكبر من المرونة الاستراتيجية. والأهم أنها مدرسة تعترف بالترابط بين دول العالم اقتصادياً وسياسياً وبيئياً ووبائياً، بل وتراهن على الاستفادة من هذا الترابط لتحقيق الأهداف الوطنية، يحصل هذا الأمر بسرعات تفوق توقعات المراقبين والمسؤولين.

أعطت جائحة «كورونا» والحرب الروسية الأوكرانية جرعات دفع غير متوقعة لهذا الملمح الناشئ في العلاقات الدولية، الذي تسعى الدول من خلاله إلى تكبير حجم الاستقلال الاستراتيجي في التعامل مع مراكز القوى المتعددة، وبالتالي تعظيم الفرص وتقليل المخاطر.

دخل العالم عملياً في مرحلة ما بعد تعدد الأقطاب، التي تفترض هي الأخرى معسكرات متقابلة يرأسها أقطاب متنافسون. ما نشهده هو نمو المزيد من السيولة في التحالفات التي تستعدي، بسبب تعقيداتها، المزيد من الابتكار الدبلوماسي، بدل الركون إلى آليات التعامل الماضية. إن النجاح في منع هذا الملمح المتنامي من التحول إلى مشهد فوضى في العلاقات الدولية، دونه فهم أكثر تطوراً لسلوك الدول ومصالحها الاستراتيجية، لا سيما عند كبار اللاعبين وعلى رأسهم الولايات المتحدة.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

«بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة «بريكس بلس» هل تلتقط واشنطن الرسالة



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 12:40 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت
  مصر اليوم - محمد حيدر مسؤول العمليات في حزب الله هدف عملية بيروت

GMT 17:30 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة
  مصر اليوم - ميرهان حسين تكشف مفاجأة عن أعمالها المقبلة

GMT 16:28 2024 السبت ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته
  مصر اليوم - نائبة الرئيس الفلبيني تتفق مع قاتل مأجور لاغتياله وزوجته

GMT 00:26 2021 الأربعاء ,24 تشرين الثاني / نوفمبر

كريستيانو رونالدو يضيف لسجله أرقاماً قياسية جديدة

GMT 10:18 2020 الجمعة ,26 حزيران / يونيو

شوربة الخضار بالشوفان

GMT 08:15 2020 الثلاثاء ,09 حزيران / يونيو

فياريال يستعين بصور المشجعين في الدوري الإسباني

GMT 09:19 2020 الجمعة ,24 إبريل / نيسان

العالمي محمد صلاح ينظم زينة رمضان في منزله

GMT 09:06 2020 الأربعاء ,22 إبريل / نيسان

تعرف علي مواعيد تشغيل المترو فى رمضان

GMT 12:50 2019 الثلاثاء ,31 كانون الأول / ديسمبر

علالو يؤكّد الجزائر "تعيش الفترة الأهم في تاريخ الاستقلال"

GMT 04:46 2019 الأحد ,29 كانون الأول / ديسمبر

اتجاهات ديكور المنازل في 2020 منها استخدام قطع أثاث ذكي

GMT 00:42 2019 الثلاثاء ,24 كانون الأول / ديسمبر

بدء تصوير فيلم "اهرب يا خلفان" بمشاركة سعودية إماراتية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon