توقيت القاهرة المحلي 23:40:01 آخر تحديث
  مصر اليوم -

في مواجهة «حماس» ونتنياهو معاً

  مصر اليوم -

في مواجهة «حماس» ونتنياهو معاً

بقلم - نديم قطيش

تكرر القول إن «حرب غزة الراهنة ليست كسابقاتها» كثيراً. وهي ليست كذلك. وضعتنا الحرب من حيث لم نحتسب، أمام تحدي حرب أخرى ستكون هي عنوان معركة العقول في السنوات المقبلة، ولا أقول الأسابيع أو الأشهر.

نحن اليوم في قلب معركة عقول ثقافية وسياسية وإعلامية، هي الأشد منذ جريمة 11 سبتمبر (أيلول) 2001.

سبق وأن كتبت في هذه الصحيفة، أن السياسة ستدور في العشرية الثالثة من هذا القرن وما بعدها، حول موضوع السلام. ما سبقها من عقدين استُهلكا بعنوانَي «الحرب على الإرهاب» (2001- 2010) و«الربيع العربي (2010 - 2020)».

زاد اندلاع الحرب الأخيرة بمداها التدميري والتفاصيل الدموية لشرارتها الأولى التي قدحتها «حماس»، والهيجان العاطفي والسياسي والتعبوي الذي لا يزال يرافقها، قناعتي بأن معركة العقول ستكون أكبر بكثير مما شهدناه سابقاً.

لو نظرنا إلى التغطيات الإعلامية للحدث؛ لا سيما في القنوات التي تخالف «حماس» وعموم محور المقاومة، سرديتها حول مستقبل المنطقة، لوجدنا أن أجزاءً ضخمة من هذه التغطيات لا تزال أسيرة منطق تغطيات الحروب، كما راج في السنوات الكثيرة الماضية، والتي يعتمد جُلّها على استثمار الإثارة العاطفية المتأتية من فواجع الموت والدمار، لا سيما الأطفال.

ليست هذه دعوةً بالطبع للقفز فوق الأثمان البشرية المريعة للحروب، ولا حضاً على الاستهانة بالكرامة الإنسانية، لا سيما لمن لا رأي لهم في المصائر التي وجدوا أنفسهم وسطها. بل تحذير من أن نسقط في فخ الانقلاب الذي تقوده إيران، أولاً عبر الحرب نفسها، كخيار مضاد لخيار السلام، وثانياً عبر إحياء سرديات إطلاقية عن الحق والعدل والشر والخير وصراع الملائكة والشياطين، في كل ما هو دائر حولنا الآن.

إن الضغط الهائل، المدعوم بسرديات تبسيطية، يهدف لتأطير إنسانيتنا جغرافياً كدعوة لتسييس العاطفة والقيم. وهو تحضير للاستثمار السياسي في صناعة وعي كاره للآخر أولاً، وثانياً للمجتمعات والحكومات التي لها رأي سياسي مختلف عما يقترحه علينا محور الحرب، إسرائيلياً كان أم فلسطينياً أو مقاومتياً.

فإذا كان الهدف من التغطيات بشكلها الراهن، أن نضيء على فواجع الحرب، فالفواجع في المكانين، في غزة التي تدكها آلة إسرائيل الغاضبة، وفي إسرائيل التي استباحت «حماس» ناسها العزل في بيوتهم وبلداتهم. أما غير ذلك فهو جعل الإعلام امتداداً لسردية واحدة مشوهة، منزوعة السياق، والتاريخ، وهي ضدنا أولاً قبل أن تكون ضد إسرائيل.

إن مهمة الإعلام، إعلامنا، في معركة العقول التي انطلقت من رحم حرب غزة، هي في توفير السياق السياسي والقيمي للرؤى المتصارعة في هذه الحرب، وبما يتجاوز اللاعبين المباشرين فيها، أي «حماس» وحكومة بنيامين نتنياهو. ما نحتاج إليه هو «ميديا السياق» Contextual Media، وليس الإعلام اللحظي الغارق في استثمارات عاطفية وترداد ببغائي لشعارات أو ما يشبه الأقوال المأثورة، من نوع: «ما أخذ بالقوة لا يسترد بغير القوة» أو «ماذا جلب لنا السلام؟».

نحن بإزاء حدث يعكس صدعاً آيديولوجياً أوسع. وعليه، تلعب وسائل الإعلام دوراً عملاقاً في تشكيل رواية الحدث، بما يؤثر على الإدراك العام ومسارات السياسة، لا سيما في ظل حدة المتابعة الراهنة والتي كنا نشكو من غيابها سابقاً.

لذلك؛ تبرز «ميديا السياق» شرطاً أساسياً لتوفير زاوية رؤية للأحداث تتجاوز المشهد المباشر للضحايا، وتضعه ضمن سياق اجتماعي وسياسي وتاريخي أوسع، يشكل رافعة لفهم سياسي متنور. لنأخذ مثلاً مظاهرة لندن قبل أيام التي ستُرفع عَلماً على حجم التعاطف الأممي مع «حماس» كمقاومة، وستطبع في الأذهان بهذه الصفة، وتستخدم نَصلاً للطعن في «النخب العربية المتقاعسة عن نصرة المقاومة»... ولكن، هل قيل لنا أو قلنا إن لندن هي واحدة من أهم عواصم تنظيم «الإخوان المسلمين»، وإن السؤال يصير بالتالي: أين مظاهرات العواصم الأوروبية الأخرى؟ مجرد مثال على ليّ الحكايات وإعادة تشكيلها لصناعة وعي يخدم أجندات بعينها.

بهذا المعنى تمثل «ميديا السياق» حصناً ضد المعلومات المضللة، ومحركاً نحو حوار أكثر دقة وشمولاً، بدلاً من الخطاب المعزز للانقسامات، والمُثري لبيئة الكراهية والهدم المتبادل.

امتحان غزة هو امتحان لقدرتنا على تجاوز التقاليد الإعلامية التي رسّخها بعض الإعلام. لا أدعو إلى ذلك بدافع إغراء التجديد؛ بل لأننا غارقون في ممارسات تؤدي عن غير قصد إلى نصرة الخطاب السياسي المضاد لخط العقلانية والاعتدال في السياسة العربية، الذي تتبناه إيران وما يسمى محور المقاومة. إنها معركة طويلة ومعقدة، وتستلزم أعلى درجات الشجاعة الفكرية والاستعداد للمغامرة في مناطق فكرية غير شعبية؛ بغية إنتاج سردية سياسية غير ملوثة بالتحيزات السائدة والمُعدّة سلفاً.

ستنتهي الحرب. وسيفتتح انتهاؤها الأسئلة الصعبة التي تعنينا في صميم وجودنا ومستقبلنا السياسي. من الصعب تصور سيناريو تكون فيه «حماس» جزءاً من مستقبل أي عملية سياسية فلسطينية. الأرجح أن تدمر الحرب بنيتها العسكرية وتقضي على مستقبلها السياسي، وإن لم تستطع اجتثاث الفكرة نفسها. ماذا يكون آنذاك المستقبل السياسي في غزة؟ ولمن ستؤول السيطرة وتمثيل مصالح الفلسطينيين؟ وكيف سيخرج الإسرائيليون من موجة الغضب والانتقام ويستردون استعداداتهم لمنطق السلام؟ كيف لنا أن نتجاوز كل هذا الموت والدمار والحقد والكراهية لتأسيس اقتراح لما بعد الصراع، وأن نعيد فتح مسارات التسوية، وإعادة تعريف العلاقات الإسرائيلية - الفلسطينية؟

ليست هذه الأسئلة من النوع الذي يُجاب عنه بسذاجات الحق المطلق والبرامج المطلبية القصوى في الجانب الفلسطيني. ولا هي مما يجاب عنه بعنجهية اليمين الإسرائيلي الذي راهن على «حماس» لتبديد مشروع السلام قبل أن ينفجر رهانه في وجهه.

هي إذن معركة عندنا وعندهم.

السائد اليوم، إلى حدٍ بعيد، معركة قلوب وعواطف في الاتجاه الخطأ. الناقص هو معركة عقول لا نملك رفاهية التأخير في خوضها، وتوسعة رقعة أصواتها والاستثمار في بناها التحتية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

في مواجهة «حماس» ونتنياهو معاً في مواجهة «حماس» ونتنياهو معاً



GMT 14:59 2024 الثلاثاء ,03 أيلول / سبتمبر

مشاهد مُستَفِزَّة.. “راكبينكم راكبينكم..”!

GMT 06:36 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

… لأي قائمة يسارية ديمقراطية نصوت ؟!

GMT 06:23 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

ماذا قال يمامة؟

GMT 06:16 2024 الأحد ,25 آب / أغسطس

مشكلة إصلاح التعليم

GMT 07:57 2024 الأحد ,21 تموز / يوليو

رصاصة النجاة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 07:44 2024 الإثنين ,11 تشرين الثاني / نوفمبر

البنك المركزي المصري يعلن تراجع معدل التضخم السنوي

GMT 22:26 2018 السبت ,20 كانون الثاني / يناير

مبيعات Xbox One X تتجاوز 80 ألف فى أول أسبوع

GMT 14:26 2016 الجمعة ,16 كانون الأول / ديسمبر

أبطال " السبع بنات " ينتهون من تصوير أدوارهم في المسلسل

GMT 18:22 2017 الخميس ,23 تشرين الثاني / نوفمبر

الكشف عن "هوندا سبورت فيجن GT" الجديدة بتصميم مثير

GMT 05:34 2016 الثلاثاء ,27 كانون الأول / ديسمبر

إيفانكا ترامب تحتفل بعيد الميلاد في هاواي

GMT 09:27 2024 الخميس ,09 أيار / مايو

أهم صيحات فساتين السهرة المثالية

GMT 10:34 2023 الثلاثاء ,24 كانون الثاني / يناير

الأردن يسلم اليونسكو ملف إدراج أم الجمال إلى قائمة التراث

GMT 04:47 2021 السبت ,02 تشرين الأول / أكتوبر

الفنان محمد فؤاد يطرح فيديو كليب «سلام»
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon