لا أعرف إن كان تسنى لرئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب أن قرأ شكسبير. وإن كان قرأه؛ فلا أعرف إن كان قرأ مسرحية «يوليوس قيصر» بالتحديد... وإن كان قرأها، فلا أعرف إن كان لا يزال يحفظ الخطبة العصماء لمارك أنتوني؛ أحد رجالات القيصر المقتول، وفوق جثمانه المسجى.
سأعود لشكسبير ويوليوس قيصر...
في «خطبته» التي أعلن فيها تخلف لبنان عن سداد ديونه، استخدم الرئيس دياب عبارات كبيرة، حول «فشل النموذج الاقتصادي اللبناني» وحول الوطن الذي بات «أسيراً»... النموذج والسياسات الاقتصادية القائمة «على الاستدانة» والفشل في «تحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل»!!
عملياً أعلن انطلاق حرب «الاستقلال» على الديْن وعلى الارتهان لفوائده، جاعلاً العدو الأول للدولة النموذج الاقتصادي المحتذى، ومحدداً أزمات لبنان بثلاث هي: الديون، والمصارف، والعملة.
وبعد «خطبته» العصماء، خلص الرئيس دياب إلى أن الحل السحري هو الوحدة التي فيها النجاح؛ في مقابل الانقسام الذي فيه الفشل. الوحدة أيها اللبنانيون؛ صدح دياب، بالتوازي مع التشدق بالديمقراطية اللبنانية، ومن دون التوقف برهة أمام حقيقة أن الديمقراطية ما هي إلا آلية، لإدارة سلمية للانقسام.
حمل دياب مسؤولية إفلاس لبنان للنموذج الاقتصادي نفسه، بآلياته المصرفية وغلبة قطاعات فيه على قطاعات أخرى، وعرج ثانياً على الفساد الذي بات، بحسبه، جزءاً من الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية.
أصاب حين قال إن المصارف حادت عن دورها بصفتها ممولاً للدورة الاقتصادية، وبتحولها إلى ماكينة ربا هائلة تعمل على إقراض الدولة بفوائد خيالية وبلا مخاطر تذكر، مما أدى إلى شلّ حركة رؤوس الأموال خارج لعبة الودائع والفوائد، التي لا تنتج نمواً ولا تخلق وظائف.
بيد أن ما غاب عن الخطاب هو الأهم... فالأخطر من الأكاذيب أنصاف الحقائق، وأنصاف التشاخيص، وأنصاف النظريات.
ففيما كان الرئيس دياب يلقي كلمته حول استقلال لبنان عن قيود الديْن والفوائد، ويقدح النموذج الاقتصادي اللبناني، ويهاجم القطاع المصرفي (على جشعه ومسؤوليته الخطيرة عن الأزمة الراهنة)، كان بعض لبنان يشيّع عشرات الشبان اللبنانيين العائدين من معركة إدلب وسراقب، التي يخوضها «حزب الله» امتداداً لدوره في الماكينة العسكرية الإيرانية، في سوريا والعراق واليمن وحيث يُؤمر الحزب أن يكون فيكون...
إن أي تناول لأزمات النظام الاقتصادي اللبناني من دون تناول المسؤولية المباشرة لسلاح «حزب الله» وسياسات «حزب الله»، عن فشل هذا النموذج، وعن التحولات والتشوهات التي أصابته بسبب الفشل في دوره الأصلي، هو تناول ناقص؛ ما لم يكن تناولاً مشبوهاً، يريد إحلال الأعراض مكان المرض.
وأي محاولة لإيجاد المعالجات خارج البحث الجاد في تحديد موقع السلاح من الكارثة التي حلت بلبنان، هو تناول إنشائي، غافل أو متغافل عن كل الإشارات الصادرة تجاه لبنان من الشركاء الموضوعيين في خطة الإنقاذ غرباً وعرباً.
لا شك عندي في أن رئيس الحكومة سمع من وزير خارجيته نتائج اللقاءات الفرنسية. وسمع مثلها ممن توسطهم لتأمين مواعيد زيارات عربية له، لا سيما مصر. سمع كلاماً محدداً؛ أن أمام لبنان حلاً يقوم على مرتكزات ثلاثة؛ اثنان منها في الاقتصاد، هما: حزمة إنقاذية عبر صندوق النقد الدولي، وحزمة استثمارية عبر مؤتمر «سيدر»، وواحد في السياسة، هو البنود السياسية الواردة في الورقة الصادرة عن مجموعة دعم لبنان التي تصدرتها الإشارة إلى القرارين الدوليين «1559» و«1701» المتعلقين بإنهاء ظاهرة سلاح ميليشيا «حزب الله»، بوصفه عائقاً مركزياً أمام سلامة لبنان الاقتصادية والسياسية.
رئيس الحكومة يعلم أن لبنان عاجز عن الخروج من أزمته بقدرات ذاتية، وأن حاجته للمجتمع الدولي؛ بصندوق نقده والمخصصات الاستثمارية للحكومات؛ مركزية وحاسمة، ويعلم أن الشروط السياسية للمجتمع الدولي، فيما يتعلق بميليشيا «حزب الله»، ليست مما يحتمل تذاكياً لغوياً أو قدرات خطابية.
غاب كل ذلك عن خطاب رئيس الحكومة. ولم يجرؤ حتى على التطرق إلى ملف صندوق النقد الدولي إزاء الرفض القاطع الذي أبداه «حزب الله» لهذا الخيار. وصبّ بدل ذلك جامّ إحباط اللبنانيين على النموذج الاقتصادي وضرورة تغييره، مستلاً من الجعبة الاقتصادية الساذجة مفردتي «الزراعة» و«الصناعة»، من دون الإعلان عن أي استراتيجية حقيقية للنهوض بالقطاع الزراعي مثلاً أو تسويق إنتاجه، الذي سيصطدم بما تصطدم به القطاعات الأخرى كافة، وهو سوء العلاقات مع دول هذه الأسواق الطبيعية لتصريف الإنتاج اللبناني، التي تتفنن ميليشيا «حزب الله» في استعدائها…
لا يملك حسان دياب حتى الآن سوى التسلح بالسمعة الطيبة للجزء الأكبر من وزراء حكومته. كأنه مارك أنتوني في جنازة القيصر، الذي ظل يحرض على بروتوس بصفته بين المتآمرين على القيصر وظل يذكر أن بروتوس رجل شريف...
تراه في خطبته يقول إن حكومتي خاضعة بالكامل لسطوة سلاح «حزب الله»؛ «لكن حكومتي حكومة شرفاء»… حكومتي غير قادرة على إعادة وصل لبنان بالعالم ووضعه على سكة الحلول بسبب «حزب الله»؛ «لكن حكومتي حكومة شرفاء». حكومتي تعاني من حيازة الثقة العربية المطلوبة بسبب شبهة هيمنة «حزب الله» عليها وعدم قدرتي على تبديد هذا الانطباع؛ «لكن حكومتي حكومة شرفاء»...
ظل مارك أنتوني يردد العبارة هذه حتى قلب أهل روما على بروتوس، وهو الذي كان ضمير الشعب الروماني قبل أن يتورط في التآمر على ذبح القيصر... وسيظل حسان دياب يلمح إلى الشرفاء في حكومته من دون التجرؤ على تناول مصيبة ميليشيا «حزب الله»، بصفتها أمّ المصائب التي حلت على لبنان، حتى يقلب أهل لبنان على «الشرفاء في حكومته» ويدفع هو الثمن.
فعلها مارك أنتوني بدهاء ضد خصم له. حسان دياب يفعلها متبرعاً بإطلاق النار على نفسه.
لا أعرف إن كان تسنى لرئيس الحكومة اللبنانية حسان دياب أن قرأ شكسبير. وإن كان قرأه؛ فلا أعرف إن كان قرأ مسرحية «يوليوس قيصر» بالتحديد... وإن كان قرأها، فلا أعرف إن كان لا يزال يحفظ الخطبة العصماء لمارك أنتوني؛ أحد رجالات القيصر المقتول، وفوق جثمانه المسجى.
سأعود لشكسبير ويوليوس قيصر...
في «خطبته» التي أعلن فيها تخلف لبنان عن سداد ديونه، استخدم الرئيس دياب عبارات كبيرة، حول «فشل النموذج الاقتصادي اللبناني» وحول الوطن الذي بات «أسيراً»... النموذج والسياسات الاقتصادية القائمة «على الاستدانة» والفشل في «تحفيز الاستثمار وخلق فرص عمل»!!
عملياً أعلن انطلاق حرب «الاستقلال» على الديْن وعلى الارتهان لفوائده، جاعلاً العدو الأول للدولة النموذج الاقتصادي المحتذى، ومحدداً أزمات لبنان بثلاث هي: الديون، والمصارف، والعملة.
وبعد «خطبته» العصماء، خلص الرئيس دياب إلى أن الحل السحري هو الوحدة التي فيها النجاح؛ في مقابل الانقسام الذي فيه الفشل. الوحدة أيها اللبنانيون؛ صدح دياب، بالتوازي مع التشدق بالديمقراطية اللبنانية، ومن دون التوقف برهة أمام حقيقة أن الديمقراطية ما هي إلا آلية، لإدارة سلمية للانقسام.
حمل دياب مسؤولية إفلاس لبنان للنموذج الاقتصادي نفسه، بآلياته المصرفية وغلبة قطاعات فيه على قطاعات أخرى، وعرج ثانياً على الفساد الذي بات، بحسبه، جزءاً من الحياة السياسية والاجتماعية اللبنانية.
أصاب حين قال إن المصارف حادت عن دورها بصفتها ممولاً للدورة الاقتصادية، وبتحولها إلى ماكينة ربا هائلة تعمل على إقراض الدولة بفوائد خيالية وبلا مخاطر تذكر، مما أدى إلى شلّ حركة رؤوس الأموال خارج لعبة الودائع والفوائد، التي لا تنتج نمواً ولا تخلق وظائف.
بيد أن ما غاب عن الخطاب هو الأهم... فالأخطر من الأكاذيب أنصاف الحقائق، وأنصاف التشاخيص، وأنصاف النظريات.
ففيما كان الرئيس دياب يلقي كلمته حول استقلال لبنان عن قيود الديْن والفوائد، ويقدح النموذج الاقتصادي اللبناني، ويهاجم القطاع المصرفي (على جشعه ومسؤوليته الخطيرة عن الأزمة الراهنة)، كان بعض لبنان يشيّع عشرات الشبان اللبنانيين العائدين من معركة إدلب وسراقب، التي يخوضها «حزب الله» امتداداً لدوره في الماكينة العسكرية الإيرانية، في سوريا والعراق واليمن وحيث يُؤمر الحزب أن يكون فيكون...
إن أي تناول لأزمات النظام الاقتصادي اللبناني من دون تناول المسؤولية المباشرة لسلاح «حزب الله» وسياسات «حزب الله»، عن فشل هذا النموذج، وعن التحولات والتشوهات التي أصابته بسبب الفشل في دوره الأصلي، هو تناول ناقص؛ ما لم يكن تناولاً مشبوهاً، يريد إحلال الأعراض مكان المرض.
وأي محاولة لإيجاد المعالجات خارج البحث الجاد في تحديد موقع السلاح من الكارثة التي حلت بلبنان، هو تناول إنشائي، غافل أو متغافل عن كل الإشارات الصادرة تجاه لبنان من الشركاء الموضوعيين في خطة الإنقاذ غرباً وعرباً.
لا شك عندي في أن رئيس الحكومة سمع من وزير خارجيته نتائج اللقاءات الفرنسية. وسمع مثلها ممن توسطهم لتأمين مواعيد زيارات عربية له، لا سيما مصر. سمع كلاماً محدداً؛ أن أمام لبنان حلاً يقوم على مرتكزات ثلاثة؛ اثنان منها في الاقتصاد، هما: حزمة إنقاذية عبر صندوق النقد الدولي، وحزمة استثمارية عبر مؤتمر «سيدر»، وواحد في السياسة، هو البنود السياسية الواردة في الورقة الصادرة عن مجموعة دعم لبنان التي تصدرتها الإشارة إلى القرارين الدوليين «1559» و«1701» المتعلقين بإنهاء ظاهرة سلاح ميليشيا «حزب الله»، بوصفه عائقاً مركزياً أمام سلامة لبنان الاقتصادية والسياسية.
رئيس الحكومة يعلم أن لبنان عاجز عن الخروج من أزمته بقدرات ذاتية، وأن حاجته للمجتمع الدولي؛ بصندوق نقده والمخصصات الاستثمارية للحكومات؛ مركزية وحاسمة، ويعلم أن الشروط السياسية للمجتمع الدولي، فيما يتعلق بميليشيا «حزب الله»، ليست مما يحتمل تذاكياً لغوياً أو قدرات خطابية.
غاب كل ذلك عن خطاب رئيس الحكومة. ولم يجرؤ حتى على التطرق إلى ملف صندوق النقد الدولي إزاء الرفض القاطع الذي أبداه «حزب الله» لهذا الخيار. وصبّ بدل ذلك جامّ إحباط اللبنانيين على النموذج الاقتصادي وضرورة تغييره، مستلاً من الجعبة الاقتصادية الساذجة مفردتي «الزراعة» و«الصناعة»، من دون الإعلان عن أي استراتيجية حقيقية للنهوض بالقطاع الزراعي مثلاً أو تسويق إنتاجه، الذي سيصطدم بما تصطدم به القطاعات الأخرى كافة، وهو سوء العلاقات مع دول هذه الأسواق الطبيعية لتصريف الإنتاج اللبناني، التي تتفنن ميليشيا «حزب الله» في استعدائها…
لا يملك حسان دياب حتى الآن سوى التسلح بالسمعة الطيبة للجزء الأكبر من وزراء حكومته. كأنه مارك أنتوني في جنازة القيصر، الذي ظل يحرض على بروتوس بصفته بين المتآمرين على القيصر وظل يذكر أن بروتوس رجل شريف...
تراه في خطبته يقول إن حكومتي خاضعة بالكامل لسطوة سلاح «حزب الله»؛ «لكن حكومتي حكومة شرفاء»… حكومتي غير قادرة على إعادة وصل لبنان بالعالم ووضعه على سكة الحلول بسبب «حزب الله»؛ «لكن حكومتي حكومة شرفاء». حكومتي تعاني من حيازة الثقة العربية المطلوبة بسبب شبهة هيمنة «حزب الله» عليها وعدم قدرتي على تبديد هذا الانطباع؛ «لكن حكومتي حكومة شرفاء»...
ظل مارك أنتوني يردد العبارة هذه حتى قلب أهل روما على بروتوس، وهو الذي كان ضمير الشعب الروماني قبل أن يتورط في التآمر على ذبح القيصر... وسيظل حسان دياب يلمح إلى الشرفاء في حكومته من دون التجرؤ على تناول مصيبة ميليشيا «حزب الله»، بصفتها أمّ المصائب التي حلت على لبنان، حتى يقلب أهل لبنان على «الشرفاء في حكومته» ويدفع هو الثمن.
فعلها مارك أنتوني بدهاء ضد خصم له. حسان دياب يفعلها متبرعاً بإطلاق النار على نفسه.