بقلم : منى أنيس
سعيدة بالمناقشات اللى تواكبت مع رحيل أحمد خالد توفيق واكتشاف الناس لظاهرة الادب واسع الشعبية وشعبية كاتبه فى اوساط واسعة. ونادمة لانى وانا بشتغل فى دار الشروق بقالى سنة، فوت فرصة لقاء هذا الكاتب الظاهرة لما جه الدار عشان يمضى عقد روايته الاخيرة شأبيب، اللى ما عجبنيش اسمها ولم اقرأها وأوكلت قراءتها لزميلة تحب ادب أحمد توفيق، بس أنا عشان أبقى صريحة معاكم وبعيدا عن معايير النقد الأدبى انا بخاف (خوف زى خوف العيال الصغيرين) من روايات الرعب والديستوبيا بكل اللغات، وبتجنبها عشان الواحد مش ناقص كوابيس.
أول ما النقاشات حول قيمة ادب أحمد خالد توفيق بدأت من يومين، رجعت لايام كنت فيها شابة حديثة التخرج، وكنت عايزة ادرس فى انجلترا مع واحد من اهم النقاد الثقافيين (ستيوارت هول)، اللى اسس فى اول السبعينيات من القرن الماضى، فى جامعة برمنجهام، مركزا رائدا لدراسة الثقافة اسمه «مركز الدراسات الثقافية المعاصرة».
فى اول مقابلة لى مع هذا الرجل العظيم (هو أفرو كاريبى من جامايكا) فى مكتبه، أخذت اقرأ المكتوب على حائط الحجرة (وقتها كانت الحيطان بجد مش فرتشوال) حتى يجىء. وكانت اكتر حاجة لفتت نظرى مقولة لجرامشى مفادها ان اللى بيحتقر الادب الشعبى والمسلسلات عمره ما حيفهم ثقافة الناس اللى حواليه. بعد شوية اكتشفت ان المركز بيدرس الادب واسع الانتشار فى انجلترا من أغانى عمال المناجم للمرويات الشعبية، وحيث ان دى مش ثقافتى أصلا نصحنى ستيوارت هول بعمل ماجستير فى سوسيولوجيا الادب فى جامعة اسكس اولا، وبعدين اشوف لو كنت عايزة ارجع لهم المركز تانى.
سمعت كلامه، وروحى يا ايام تعالى يا ايام، بقيت اتابع ستيوارت هول فى كل حتة، من الجامعة الشيوعية (ايوه كان فى حاجة اسمها كده فى انجلترا) للجامعة المفتوحة اللى ستيوارت هول بقى رئيسها. وفضلت اتعلم 15 سنة حاجات نسيتها لما رجعت نهائيا ارض الوطن الحبيب عام 1990.
وجت وفاة أحمد خالد توفيق عشان تفكرنى بكتير من اللى اتعلمته ورميته ورا ظهرى لما قررت استقر فى مصر وأصبح صحفية مش أكاديمية. وكثيرا ما كنت اسأل صديقاتى الأكاديميات، وعلى رأسهن امينة رشيد، ورضوى عاشور وتلميذتها النجيبة فاتن مرسى (التى جاءت إلى اسكس وانا أشد الرحال بعيدا)، عن الطريقة التى يتناولون بها اشكالية الادب الرفيع مقابل الاداب واسعة الانتشار، وها انا اكتشف ان قسم اللغة الانجليزية بجامعة القاهرة يدرس نصا لأحمد خالد توفيق، وعندما سألت هل هناك أقسام ادب اخرى تقوم بذلك، اجابتنى الدكتور فاتن مرسى:
«لا أعتقد يا منى، ولكن برحيل أحمد خالد توفيق شايفة إن النقاش صحى جدا وجاد بخصوص ماذا يقرأ الجمهور ومفهوم الثقافة الجماهيرية وموقعها، هذا النقاش الثقافى أخذ أجيال وأجيال من النقاد والمثقفين فى بلد زى انجلترا من بدايات القرن العشرين مع المحافظين اللى رأوا أن القيمة الأدبية تكمن فى الكتاب الرسميين أو المعتمدين كما رأى إليوت وكيودى وف.ر. ليفيس ومن بعدهم رايموند وليامز وهوجارت وابديج اللى رأوا قيمة فى الثقافة الشعبية اللى بتعبر عن قطاعات عريضة تم إهمالها كالطبقة العاملة إلى أن أصبحت أشكال الثقافة السائدة والجماهيرية تأخذ بشكل جاد بل تدرس فى أقسام الآداب إلى جانب الأنواع الأدبية التقليدية. مفاهيم الذوق الأدبى والقيمة الأدبية وفرز الجيد من الغث محتاجة ضبط شوية. وخالد توفيق قالها وكان محقا أن الـbestseller ليس بالضرورة أحسن كاتب كما أن من لا يقرأه الناس ليس بالضرورة سيئا. شكرا خالد توفيق على إتاحة الفرصة لنا لفتح هذا النقاش المهم».
نقلاً عن الشروق القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع