بقلم : أيمن النحراوى
فى الجمهورية الجديدة، أنشئت حتى الآن ٢٢ مدينة وتجمع عمرانى جديد ضمن مخطط استراتيجى يقوم على إنشاء ٣٠ مدينة جديدة تستوعب ٣٠ مليون نسمة، كما تم إنشاء ثلاثة مطارات جديدة وخمسة قواعد عسكرية، وأنجزت مجموعة من المشروعات القومية الكبرى فى جميع القطاعات من خلال إنشاء قناة السويس الجديدة واستصلاح مليون ونصف مليون فدان، وإنجاز المشروع القومى للطرق بتنفيذ وإنشاء ثمانية آلاف كم من الطرق والكبارى والمحاور الرئيسية، وإنجاز مشروعات البنية الأساسية الهائلة وحفر الأنفاق الكبرى التى ربطت سيناء بالدلتا والمشروعات الزراعية والصناعية والتخطيط لتنفيذ وإنشاء ٢٢ مجمعا ومنطقة صناعية تم تنفيذ منها ١٣ منطقة صناعية ومشروع إنشاء وتطوير المحطات الكهربائية والمائية الكبرى.
وبذلك فإن مصطلح الجمهورية الجديدة التى أرساها الرئيس عبدالفتاح السيسى، يعبر عن رؤية وتطلعات وطموحات كبرى لما يجب أن تكون عليه بلادنا مصر الخالدة من تقدم وقوة وازدهار فى خضم التحديات العالمية المحيطة، وقد عبر تأسيس وبناء العاصمة الإدارية الجديدة عن ذلك كعاصمة حديثة لمصر، كما عبرت عنها العديد من الخطوات العملاقة التى اتخذتها مصر لتحقيق تلك الرؤية للمستقبل على مختلف الأصعدة.
• • •
مما لاشك فيه أن شعار الدولة هو رمز على قدر عظيم من الأهمية باعتباره يعبر عن كيان الدولة وهويتها، وعادة ما يكون هذا الشعار مستمدا من تاريخ الدولة وتراثها الحضارى والفكرى، ووطننا الغالى مصر هو مهد الحضارة وأول وأعرق دولة فى التاريخ، بل إن مصر جاءت أولا ثم جاء التاريخ.
وقد ظهر أول استخدام لشعار النسر فى مصر فى عهد السلطان الناصر صلاح الدين الأيوبى، فى ذروة الصراع والحروب الصليبية، وبعد عدة قرون من الزمان عاد النسر من جديد كشعار للدولة بعد إعلان الجمهورية فى مصر فى عهد الرئيس جمال عبدالناصر، وكان ذلك النسر ينظر إلى اليمين كدليل على التيمن، وعلى صدره هلال وثلاث نجوم فى خلفية خضراء.
وخلال الوحدة المصرية السورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة من 1958 إلى 1961 تواصل استخدام النسر لكن برسم مختلف وعلى صدره درع يحمل نجمتين خضراوين تمثلان مصر وسوريا، واستمر اتخاذه شعارا لمصر حتى تم تغييره فى عصر الرئيس السادات بعد قيام اتحاد الجمهوريات العربية بين مصر وسوريا وليبيا عام 1972، الذى اتخذ شعارا جديدا وهو صقر قريش.
وفى عهد الرئيس الأسبق مبارك، تم اعتماد الشعار الحالى عام 1984 شعارا رسميا للجمهورية، ومكان النسر فى المنطقة البيضاء من العلم، بلون أصفر ذهبى رافعا رأسه ناظرا ناحية اليمين، ويتخلل النسر اللون الأبيض فى الفوراغ، ويحمى صدره درع عليه الألوان الثلاثة الرئيسية المكونة لعلم مصر وهى الأحمر والأبيض، ويرتكز النسر بمخالبه على قاعدة مزخرفة مكتوب عليها جمهورية مصر العربية بالخط الكوفى.
هذه الشعارات جميعها معتبرة ومقدرة ويرتبط كل منها بمرحلة تاريخية لبلادنا الحبيبة، وفى ذات الوقت يمكن إدارك ملاحظة هامة وهى أن نفس هذا النسر ونظرا لمكانة مصر وقيمتها تم استخدامه فيما بعد وإلى الآن، مع إحداث تغيير طفيف فيه من قبل دولتين شقيقتين غاليتين هما العراق وفلسطين، وهذا ولا شك يسعدنا فنحن جميعا ننتمى إلى أمة عربية ووطن عربى واحد، لكننا فى ذات الوقت نشير إلى أهمية أن يكون شعار الدولة المصرية شعارا متمايزا ومعبرا عن مصر وشخصية مصر.
وعليه ففى رؤيتنا أن الجمهورية الجديدة يتعين أن يكون لها شعار رسمى يعبر عن هويتها وكيانها وتاريخها، ومصر وهى أعرق دول الدنيا وشمس الحضارة والصفحة الأولى فى تاريخ الإنسانية، قامت حضارتها العظيمة على الفلسفة العليا التى صاغتها العقليات الفــذة العبقرية لأجدادنا ورؤيتهم للكون ومخلوقاته فى إطار الميثولوجيا المصرية التى يتم دراستها ضمن العلم الوحيد فى هذا العالم الذى يحمل اسم بلد وهو علم الايجيبتولوجى، علم المصريات الذى ألفت فيه عشرات الآلاف من الكتب ورسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث.
فالصقر حورس الذهبى هو الشعار الذى نقترحه شعارا للدولة المصرية فى الجمهورية الجديدة، وهو صقر شاهين يتسم بالقوة والسرعة والانقضاض والتحليق فى السماء إلى ارتفاعات شاهقة، وقد أدرك أجدادنا تلك الصفات المميزة فيه فقدروه وقدسوه ونظروا إليه باعتزاز كبير، وفى الميثولوجيا المصرية النقاط المميزة لصدره تمثل النجوم، وبجناحيه اللذين يلامسان الأفق عند آخر حدود الأرض، بينما تسبب حركتهما الرياح، واعتبروه يمثل الشمس والسماء الشاسعة، ولذلك فاسمه الذى عرفه به أجدادنا منذ أكثر من سبعة آلاف عام هو «حرو» ومعناه باللغة المصرية القديمة هو الذى فى العلياء، أو هو الموجود فى السماء، واحتل لذلك مكانته الهامة فى الميثولوجيا المصرية.
• • •
حورس فى العقيدة المصرية هو ابن أوزيريس وإيزيس، وهو يرمز للانتصار على الشر وإحقاق الحق بالقــوة الخيرة العادلة المتزنة، ولذلك اعتبره ملوك مصر منذ فجر التاريخ مثلهم الأعلى وقدوتهم وشرفوا بالانتماء إليه وتقديسه، وفى ذات الإطار فقد ظهرت مصر كأول دولة موحدة فى التاريخ على يد أحد أبناء مدينة نخن فى مصر العليا، وهى المدينة التى كان معبودها الحامى ورمزها هو الصقر حورس الذى انتمى إليه رمزيا هذا الملك وحمل اسمه وبات ممثلا له على الأرض، ورمزا لتوحيد مصر، وقد صورت لوحة نارمر حورس ممسكا بمخالبه برءوس أعداء مصر يقدمها للملك، ودرج ملوك مصر القدماء لآلاف السنين على أن يكون اسم حورس ضمن ألقابهم الملكية.
وبالتأمل فى آثار أجدادنا الخالدة لمصرنا الحبيبة، سنلحظ وجود حورس ذلك الرمز الجميل فى أشياء جميلة وعظيمة ترتبط بوطننا الحبيب، كان رسم حورس ورموزه مرسوما ومنقوشا على جدران المعابد والصروح العظيمة فى جميع أنحاء مصر، وعلى رايات فرق الجيش المصرى، وحتى طريق الجيش المصرى فى سيناء اسمه طريق حورس الحربى، كما أن الفلسفة المصرية القديمة ونظريات أجدادنا وأفكارهم عن الكون والحياة والبعث والحساب، كان فيها حورس يحتل مكانة مميزة ومحورية، ولذلك فمئات الملايين فى جميع أنحاء العالم من محبى وعلماء التاريخ والحضارة المصرية القديمة يعرفونه تمام المعرفة.
وفى ذات الإطار سيكون تقديم شعار جديد للدولة ممثلا فى الصقر الذهبى حورس، بمثابة فرصة كبرى لعمل بعث جديد للثقافة المصرية والتاريخ المصرى بفعاليات ترتبط بذلك الحدث وتعرف عنه، وتحيى فى العقول والقلوب الجوانب والمفاهيم الخالدة التى أسسها أجدادنا وأرسوا بها أسس الفكر والحضارة للإنسانية، وأسسوا من العلم والإنجازات والصروح ما يجعلنا اليوم نباهى بها العالم.
• • •
إن مسألة اختيار شعار الدولة هى مسألة ذات أبعاد هامة لأنها تعبر عن ذاتية وشخصية وكيان وتاريخ وحضارة وشعب تلك الدولة، والمرحلة التى نحن فيها اليوم هى مرحلة جديدة وفارقة وواعدة فى تاريخ مصر تحمل فى طياتها آمالا كبيرة وطموحات أكبر للمستقبل لوطننا الغالى، وستكون عملية استحداث الشعار الجديد عملية لها أبعادها وصداها، وستكون ــ لو تحققت ــ معبرة خير معبر عن التاريخ العريق لمصر وارتباطه بالجمهورية الجديدة، والعاصمة الجديدة، والجامعات الجديدة والصروح الصناعية والهندسية والإنشاءات والمشروعات الكبرى التى تشيد فى كل أنحاء مصر، ومنها المشروعات الحضارية مثل المتحف المصرى الكبير.
وفى ذات الوقت ستكون فرصة سانحة لعمل تغيير وتطوير لختم شعار الجمهورية بحيث يصبح أكثر تعقيدا وعسيرا على التقليد أو التزوير ولا سيما أن الختم القديم يمتد عمره إلى أكثر من خمسة وثلاثين عاما، وهو لا يتسم بالتعقيد الكافى للحيلولة دون تقليده وتزويره، ومن ثم ستكون فرصة لإدخال عناصر حديثة وعلامات وكتابات مميزة قائمة بذاتها لكل وزارة أو هيئة أو جهة حكومية، مع التنفيذ التدريجى الدقيق المتأنى لذلك باستخدام تكنولوجيا الأختام الحديثة.
إن اتخاذ الصقر حورس الذهبى كما صوره أجدادنا محلقا بجناحيه الدائريين المحلقين ومخالبه القوية الضارية الممسكة بعلامة الشن والرن، موضوعا على علم مصر، وبحجم كبير يتجاوز الجزء الأبيض من العلم ويمتد إلى القطاعات الثلاثة الملونة العرضية فيه بحيث يكون جليا واضحا، سيكون قرارا موفقا بعون الله، ولا سيما أنه مستمد من تاريخ مصر العريق وتكوينها الفكرى والفلسفى والحضارى وشخصيتها التاريخية الفريدة، وسيكون معبرا خير معبر عن الآمال والطموحات التى يحملها مفهوم الجمهورية الجديدة لحاضر ومستقبل مصرو الشعب المصرى.