بقلم: د. محمد بسيونى
يتناول الكثيرون خبراً غريباً عن توقيع عقوبة الحبس لستة أشهر وغرامة مائة ألف جنيه لكل مَن يصوِّر مواطناً دون تصريح مسبق.. ويبرر ذلك بحماية الخصوصية، والأغرب أنه يتحدث عن تصريح من جهة غير معلومة لانتهاك حق الخصوصية.
وحق الخصوصية ببساطة هو حق كل إنسان فى حماية معلوماته وسماته وعلاقاته وسلوكه الخاص من الضرر نتيجة استخدام آخرين لتلك الخصوصيات لإحداث أضرار محددة وواضحة بالإنسان.. ولذلك فإن كل دساتير وقوانين العالم تعظم من حق الخصوصية وتحميه وتعاقب مَن يسبب الضرر لإنسان عبر انتهاك خصوصيته.. ولكن هذه الدساتير والقوانين لا تسمح باستخدام حق الخصوصية لمنع حرية الرأى والتعبير والنشر أو الرقابة على الحريات العامة، ولا تقبل تهرب الموظف العام أو الشخصية العامة من المساءلة.. وذلك حفاظاً على الشفافية وحقوق المجتمع فى المعرفة والمحاسبة والاستقرار فى الدولة.
وجريمة النشر المتعلقة بانتهاك حق الخصوصية لا تقوم إلا بأربعة أركان: وقوع النشر، فلا جريمة دون النشر المحدد للشخصية بوضوح، والانتشار فلا جريمة إذا كان المنشور محدوداً ووقوع الضرر للفرد وإثباته مادياً ومعنوياً، والشكوى أو رفع قضية للمتضرر، وصدور حكم قضائى بات بتجريمه، فإذا لم يتوافر أحد الأركان لا تكون هناك جريمة.
وننبه هنا إلى خطأ النائبين المحترمين أحمد رفعت ومى البطران، حيث اقترحا عقوبة الحبس لستة أشهر وغرامة مائة ألف جنيه لمن يقوم بتصوير الفرد دون تصريح مسبق لحماية حق الخصوصية!!
ومنع حرية التصوير أو البحث وتقصّ للحقائق ونشرها من الأساس يقضى على قانونية المهن الاستقصائية.. فلو منعنا تصوير الأفراد والأحداث مثلاً، فإننا نمنع الصحفيين والإعلاميين ورجال البحث الجنائى والتحريات والباحثين العلميين والاجتماعيين من ممارسة عملهم.. كما أن التصريح المسبق قد يخرب الأدلة المادية!!
والاقتراح الغريب رقابة قبْلية مرفوضة، كما يجرم قرارات السادة الوزراء والمحافظين بوضع كاميرات تصوير فى الشوارع والمحال التجارية والمنازل، وجميعها تصور الأفراد للحماية من السرقة والإرهاب.. ويتناقض هذا الاقتراح أيضاً مع الحريات العامة والرأى والتعبير والنشر ودستور مصر 2014 و8 من الاتفاقيات الدولية المستقرة فى مصر منذ الثمانينات!
يا سادة.. إن دستورنا وقوانيننا تحترم حق الوطن والمواطن والاستقرار والصالح العام.. والله غالب.