بقلم : د. محمد بسيونى
إنها مسيرة سلمية شعبية ضخمة تزحف لأول مرة فى كل أرجاء فلسطين المحتلة، وترفع شعار «العودة للأرض».. موجات من البشر تركت الشوارع والقرى وزحفت لتواجه الأسلاك والدُّشم والأسلحة الثقيلة على الحدود التى صنعها المحتل الصهيونى حول غزة والضفة الغربية. وعلى غير العادة فى التظاهرات الشعبية والفعاليات الكلامية التى يشهدها «يوم الأرض» كل عام، لم نجد هذه المرة ذلك الانقسام بين الفصائل السياسية والمقاومين، حيث تحرك الشارع الفلسطينى كله أولاً.. فلم تجد قيادات السلطة والأحزاب السياسية وفصائل المقاومة سبيلاً سوى الانضمام إلى الانتفاضة الفلسطينية السلمية الجديدة، التى تجسّدها المسيرات والهتافات والإقامة فى الخيام القماشية على الحدود دون رفع أى أدوات للمقاومة، ولا حتى الحجارة التى كانت تمثل الرد المعتاد على اعتداءات الجيش الصهيونى المحتل.
ولم يتحمّل المحتل صوت الهتافات السلمية التى تطالب بحق العودة للاجئين إلى أرضهم، وأمطر المسيرات السلمية بالرصاص والطائرات والغازات، فسقط 22 شهيداً -حتى الآن- وارتفع عدد الجرحى والمصابين إلى ما يزيد على 1200 من الجرحى من المسالمين.. وما زالت المسيرات مستمرة، ومعها الصمت الدولى والإحراج العربى والوسطية المعروفة من جامعة الدول العربية.
وابتدع المتظاهرون السلميون وسيلة جديدة للتشويش على تركيز القناصة الصهاينة الذين كانوا يصطادون المتظاهرين كالعصافير.. إنها وسيلة إحراق إطارات السيارات الكاوتشية.. ونتج عن إحراقها الدخان الكثيف الذى ساقته الرياح باتجاه قناصة الصهاينة، مما أربكهم وحدّ من فاعليتهم طوال حريق الكاوتش.. وسارت التظاهرات مستترة بالدخان، ونجحت الحيلة مؤقتاً.. ووجدنا صراخاً من نوع خاص فى عدد من المنظمات الدولية يدين الفلسطينيين، ويتّهمهم بتلويث البيئة!!!! ونسى هؤلاء أصل المشكلة. إن اتجاه الفلسطينيين إلى الحدود مع المحتل الصهيونى يقدم سلوكاً مقاوماً جديداً وإعادة المطالبة بحق العودة على تلك الوتيرة القوية يُجدّد العزم الفلسطينى لتحرير الأرض وينسف غالبية مشروعات التسوية السابقة التى رفضها الصهاينة ومعها ما يسمى بصفقة القرن التى أصبحت فى خبر كان بإرادة شعبية فلسطينية جارفة.
رحم الله الشهداء، وشفى الله المصابين.. والله غالب..
نقلا الوطن االقاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع