هى مجرد كلمة لا تتعدى حروفها الأربعة أحرف، ينطقها الزوج فى لحظة غضب وأحياناً بذات السهولة التى يطلب بها فنجاناً من القهوة على أى مقهى، دون أن يدرك خطورة تداعياتها وتأثيرها السلبى على أطفاله، بعد أن «هدم» منزل الزوجية وبات أطفاله حيارى بين الأم والأب، وأحياناً مشردين فى الشوارع، لتُعلن «حالة الحرب» بين الطرفين اللذين كانا زوجين تجمعهما المودة والرحمة التى كانت..!
«طالق» تعبير قاسٍ للغاية يدمى قلوباً كانت مطمئنة قبل النطق به.. يشرخ نفوساً.. يمزق قلوباً.. يضيف دفعة جديدة إلى أطفال الشوارع.. وعادة ما يؤدى ذلك إلى انحراف أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم جاءوا إلى هذه الدنيا أبناء لأم وأب لا يقدران عظيم المسئولية الملقاة على عاتقهما تجاه تلك الأمانة التى حملها الله سبحانه وتعالى لهما، ويظنان أنهما بدآ حياة يرغبانها دون أن يدركا أن ما يبغياه هو بداية طريق للمتاعب لكل الأطراف «فالزوجة تبدأ مشوار مقاضاة زوجها من أجل النفقة ومصاريف الأبناء.. والزوج يخضع قسراً لحرمانه من أبنائه ويبحث عن مكان محايد بعيداً عن منزل الزوجية -التى كانت- لرؤيتهم سواء فى ناد أو حديقة عامة وتراقب فيها عيون غريبة تصرفاته معهم فى ذلك المكان الذى وقع عليه اختيار محكمة الأسرة ليرى فيه أبناءه..!».
فى إحصاء صادم للغاية كشف الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء فى مصر عن وقوع حالة طلاق كل أربع دقائق وبما يزيد على 250 حالة طلاق يومياً، لترفع مصر إلى المرتبة الأولى عالمياً، وهو ما أدى إلى وجود أكثر من 4 ملايين مطلقة و9 ملايين طفل ضحية الانفصال، فيما تستقبل محاكم الأسرة طوابير من النساء المتزوجات والراغبات فى اتخاذ القرار الصعب فى حياتهن والانفصال عن أزواجهن، من خلال لجوئهن إلى المحاكم المتخصصة فى الأحوال الشخصية.
تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء لم يكتف برصد هذه الظاهرة المؤلمة بل تتبعها، إذ كشف عن ارتفاع حالات الطلاق فى البلاد إلى 18.6 ألف حالة خلال شهر أغسطس الماضى، بالمقارنة مع 18.1 ألف حالة خلال الشهر ذاته من العام 2017، إضافة إلى عشرة آلاف حالة خُلع فى الشهر نفسه أمام محاكم الأسرة فى مختلف المحافظات المصرية.
وتصدرت القاهرة المشهد بأعلى نسبة طلاق وخلع من خلال محاكم الأسرة فى الجمهورية وتليها فى الترتيب الجيزة، الفيوم، أسيوط، القليوبية، الإسكندرية، المنيا وكفر الشيخ.. وأمام تلك الإحصاءات المفجعة والأرقام المسجلة لتلك الظاهرة طلب الرئيس السيسى فى نفس الشهر «أغسطس» من شيخ الأزهر ضرورة توثيق «الطلاق الشفهى» وعدم الاعتراف به شفهياً قبل توثيقه، إلا أنه للأسف الشديد كان لهيئة العلماء بالأزهر رأى آخر، إذ إنها أقرت «الطلاق الشفهى» دون قصر وقوع هذا القرار على التوثيق، وهو الأمر الذى يثير حيرة البعض، خاصة أن الدولة وكافة مؤسساتها «لا تعترف بالزواج شفهياً، فلماذا تعترف إذن بالطلاق الشفهى؟!».. وقد يخرج علينا صوت ليؤكد أنه فى الأيام الأولى للإسلام كان الطلاق والانفصال بين الزوجين يقع شفهياً، وهو رأى يتجاهل أن الزواج أيضاً كان يتم شفهياً ووسط شهود، وذلك لعدم وجود وثائق ومستندات لتوثيق سواء الزواج أو الطلاق وقتها..! وبالتأكيد لا أحد يريد مخالفة الشريعة وتعاليم الدين، ولكن هذا ما كان يحدث فى أيام الإسلام الأولى وتوارثه الفقهاء وعلماء الدين، وجميعنا يدرك تماماً أن الشريعة تنزيل من الله سبحانه وتعالى، أما الفقه فهو نتاج اجتهاد فقهاء بشر قد يصيبون أو يخطئون..!
بين الإنكار والتجاهل والتقليل من حجم المشكلة تباينت ردود الأفعال تجاه ذلك، وهو ما أثاره أعضاء المجلس القومى للمرأة من تهميش للمشكلة وعدم القيام بحلها.. وبشأن تضارب تلك التصريحات جرت مناقشة تلك الأرقام المعلنة عن الطلاق الواردة فى مختلف وسائل الإعلام، وبدأت الحكومة تحركها ممثلة فى مختلف أجهزتها ووزاراتها لاتخاذ إجراءات حاسمة حيال ظاهرة «أبغض الحلال عند الله سبحانه وتعالى» وتداعياتها المخيفة على المجتمع المصرى أو على أقل تقدير للحد منها، بدءاً من إقرار تشريعات جديدة تمنع الطلاق الشفوى وانتهاء بمشروعات تقوم بها وزارات وأجهزة متعددة.
خطورة هذه الأرقام دفعت مشيخة الأزهر أخيراً إلى تدشين وحدة «لم الشمل للصلح بين الأزواج» المختلفين حتى لا يصلوا لمرحلة الطلاق، بهدف الحد من الظاهرة وتبعاتها، وقد أصدر مركز الأزهر العالمى للفتوى الإلكترونية بيان «الوحدة» الذى يهدف لحماية الأسرة من التفكك.. هذا بالنسبة للدور النظرى، أما بالنسبة للدور العملى فقد تقرر تنظيم زيارات ميدانية للمراكز والقرى والصلح بين الأزواج المتخاصمين وخصص المركز رقماً موحداً للتواصل مع الوحدة.
من جانبه وإزاء تمسك الأزهر بموقفه الثابت تجاه إقرار «الطلاق الشفهى» أصدر الرئيس السيسى تكليفاته إلى وزارة التضامن الاجتماعى لإعداد المشروع القومى لتوعية الشباب المقبلين على الزواج «مودة»، الذى بدأ العمل به للحد من الارتفاع المطرد فى أعداد حالات الطلاق، بدأت الوزارة المرحلة التجريبية لهذا المشروع فى محافظات: القاهرة، والإسكندرية، وبورسعيد، باعتبارها المحافظات الأعلى فى نسب الطلاق بشكل ملحوظ، وفقاً للبيانات الدقيقة التى أعدتها فى هذا الصدد، لتبدأ تنفيذه فى باقى محافظات الجمهورية بعد التعرف على أهم نقاط القوة والتحديات والدروس المستفادة من المرحلة الأولى لتطبيقه، والوقوف على إمكانية تعميمه اعتباراً من أكتوبر المقبل.
ويهدف مشروع «مودة» بشكل عام إلى تضافر الجهودللحفاظ على كيان الأسرة المصرية، من خلال تدعيم الشباب المقبل على الزواج بكل الخبرات اللازمة، لتكوين الأسرة وتطوير آليات الدعم والإرشاد الأسرى وفض أى خلافات أو نزاعات، بما يساهم فى نهاية الأمر فى خفض معدلات الطلاق، عن طريق توفير معارف أساسية للمقبلين على الزواج، من بينها أسس اختيار شريك الحياة، وحقوق وواجبات الزوجين، والمشكلات الزوجية والاقتصادية للأسرة، وإدارتها وكذا الصحة الإنجابية.. كما يهدف المشروع إلى تفعيل جهات فض النزاعات الأسرية للقيام بدورها فى الحد من حالات الطلاق، وكذا مراجعة التشريعات التى تدعم كيان الأسرة وتحافظ على حقوق الطرفين والأبناء.
ويستهدف هذا المشروع القومى الشباب فى سن الزواج بمعدل 800 ألف سنوياً، وذلك فى الفئة العمرية ما بين 18 و25 عاماً، وهم غالباً طلبة الجامعات والمعاهد العليا، كما يندرج تحت هذه الفئات المستهدفة المجندون بوزارة الدفاع والداخلية، إضافة إلى المكلفين بالخدمة العامة من الشباب، الذين تشرف عليهم وزارة التضامن الاجتماعى سنوياً، كما يستهدف المشروع المتزوجين المترددين على مكاتب تسوية النزاعات على مستوى 212 مكتباً تابعاً لوزارة العدل على مستوى الجمهورية.
كل هذه الجهود تُبذل حتى يتم القضاء على الإسراف فى ظاهرة «أبغض الحلال عند الله»، التى ارتفعت معدلاتها بصورة مخيفة.. وحتى لا تنتقل أجيال من الأطفال الأبرياء للإقامة تحت أى كوبرى أو عمارة لا تزال تحت الإنشاء أو محطات ومخازن قطارات السكك الحديدية، أو نفاجأ بأجيال من المرضى النفسيين.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولأجيالك المقبلة كل السلامة دائماً.