توقيت القاهرة المحلي 20:22:15 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحزاب أتلفها «الهوى»..!

  مصر اليوم -

أحزاب أتلفها «الهوى»

بقلم : عبدالعظيم درويش

بمقاله المعنون «أحزاب تائهة»، الذى نشره جارى فى صفحة «نافذة رأى» بجريدة «الوطن» يوم السبت الماضى، أنعش صديقى الكاتب الصحفى حازم منير ذاكرتى لأنتبه أن هناك 104 أحزاب سياسية، لكن للأسف أتلف «الهوى» معظمها، وليس «الهواء»..!

و«الهوى» هنا هو «هوى وعشق» المقاعد القيادية، أو على الأقل الصفوف الأولى منها، إذ إن هذه الأحزاب قد أوصدت أبوابها على قياداتها، ليتفرغوا لإدارة صراعاتهم على هذه المواقع، دون أن ينتبهوا إلى الشارع ليلتحموا بمواطنيه، حتى أصبحت هذه الأحزاب أشبه «بقطع الفلين» على سطح الحياة السياسية دون أن تلامس قاعها..!

فهل من المنطق أن يمضى ما يقرب من ‏43 ‏عاماً منذ أن فُرضت علينا التعددية الحزبية بقرار رئاسى فى سبعينات القرن الماضى، وتظل هذه الكيانات دون أى فاعلية تُذكر سوى بعض اللافتات الصمّاء فى مواسم الانتخابات العامة، كما لو كانت هذه الأحزاب تطالب المواطنين «برد الجميل» الذى لم تقدمه لهم..! فيما خاصم المواطنون الانخراط فى عضويتها اقتناعاً بعدم جدواها فى إحداث الحراك السياسى المطلوب فى المجتمع..! ‏

جميعنا يعلم أن أسباباً كثيرة حالت دون انخراط المواطنين فى عضوية الأحزاب السياسية حتى بعد يناير 2011، وفى مقدمتها إيمان المواطن بأن هذه الأحزاب إنما جاءت مجرد ديكور لتجميل واجهة الحكم أمام الغرب، بينما اعتبرها المواطن مجرد وسيلة لظهور البعض أملاً فى التقرب للقصر الجمهورى، ظناً ‏من جانبهم دوام ما كان يجرى خلال العقود الماضية!‏

الصديق حازم منير حاول إيجاد مبرر لحالة الفراغ السياسى، إذ قال: «كنت، وما زلت، من المؤمنين بأن ضعف الحياة الحزبية وتراجع دور الأحزاب ليس مبرراً لمهاجمتها واتهامها وحدها بالمسئولية عن الفراغ الحاصل فى المشهد السياسى، كما أن لحظات تاريخية معينة فرضت على الأحزاب التخلى عن دور جوهرى من أدوارها لدعم الدولة الوطنية فى مواجهة أخطار محيطة بها، فسجلت بذلك موقفاً وطنياً محترماً». وهو هنا يتجاوز عن السبب الحقيقى الذى أدى إلى هذا الغياب، ألا وهو «الجفاف الجماهيرى»، بعد أن حادت التعددية الحزبية عن طريقها وأصبحت مجرد صراعات محمومة على مصالح ونفوذ، وفى أحيان كثيرة «المقار».. ‏ وبعدت كل البعد عن المواطن، وفشلت فى أن تجذبه إليها.

وأبرز دليل على عدم قناعة المواطن بمدى مصداقية الأحزاب فى التعبير عن آماله وآلامه وطموحاته أن حجم العضوية فى ‏21‏ حزباً فى سنوات الثمانينات وحتى العام 2011 لم يتجاوز بضع مئات الآلاف من المواطنين، فيما لم تتجاوز العضوية بالحزب الحاكم وقتها (الوطنى) مليوناً و‏900‏ ألف مواطن فقط، إذ إن «تركة النفور» التى ورثها المواطن قد حالت دون إقدامه على عضوية الحزب، باعتباره امتداداً للتنظيم الواحد بعد إبدال لافتته، بدءاً من الاتحاد القومى، ثم الاشتراكى، فحزب مصر، ثم الحزب الوطنى. ورغم العضوية المتواضعة، كان يحلو لقيادييه التشدق دائماً بأنه الحزب صاحب الأغلبية المطلقة والمعبر عن جماهير المواطنين وراعيهم الأول والأخير‏، وهو فى الواقع لم يكن سوى تجمع لأصحاب المصالح لتيسير مصالحهم دون النظر إلى إثراء الحياة السياسية أو رعاية مصالح المواطنين!!

وللحق، ففيما يتعلق بأحزاب الأقلية فإن محاولات التضييق التى كانت تمارسها عليها الأجهزة الأمنية بلا أى معنى جاءت كما تشتهى هذه الأحزاب، إذ وجدتها فرصة لتبرير غيابها عن الشارع وتقصيرها فى الوصول إلى المواطن‏!!

وإلى جانب هذه الممارسات الأمنية فإن لجنة الأحزاب السياسية -الموكل إليها قانوناً وقتها الترخيص للأحزاب السياسية- قصرت هذا الترخيص على أحزاب «ممسوخة»، بينما كانت تحظر على القوى السياسية الحقيقية الانتظام فى حزب رسمى، وهو ما أدى إلى زيادة اقتناع المواطن بأن هذه الأحزاب مجرد شكل لـ«الديكور الديمقراطى»، إن صح التعبير، فانصرف عنها‏. إضافة إلى أن بعضاً من هذه الكيانات التى كانت أحزاباً قد تحولت إلى مؤسسات وإقطاعيات عائلية صرفة، بعد أن هبطت الزعامة السياسية بصورة فجائية على الزوجة والأبناء بل والأحفاد فى كثير من الأحيان، فأصبحوا فجأة قيادات وكوادر حزبية!!

وحتى العام 2005 فرض التقييد الأمنى على الأحزاب المضىّ فى اتجاه واحد فى الشارع السياسى‏: من لجنة الأحزاب إلى المحكمة‏.. من حزب واحد إلى عدة أحزاب.‏. ومن رئيس أو قيادة إلى رؤساء وقيادات‏.. ومن حوار إلى نزاع‏.. ومن الصفحات السياسية بالصحف إلى صفحات الحوادث بها‏!!

لم ينجح أى حزب فى أن يحيد عن الطريق المرسوم له، إذ إن بداية عمله كانت محددة من جانب السادات وقتها، الذى كانت قراراته الشفوية المعلنة توزع القيادات على مختلف الأحزاب: هذا للمعارضة الدينية، وذاك ليمين الوسط، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الداخلية للأحزاب، فمن حزب العمل فى ثمانينات القرن الماضى، إلى الوفد فى نهاية ‏2005‏، مروراً بأحزاب مصر الفتاة والأحرار والعدالة الاجتماعية والشعب الديمقراطى والناصرى والغد‏، ‏كان الاتجاه نحو التفكيك أو الانشطار هو الاتجاه الإجبارى لها.. إذ كان مصيرها يتحدد على أساس مدى قرب أو بعد رؤساء هذه الأحزاب أو المتنازعين على رئاستها من أصحاب الكلمة فى الحزب الحاكم‏.. وكأن هذه الانشقاقات كان يجب أن تُدمغ بخاتم الحزب الوطنى، خصماً من حصيلة التعددية السياسية،‏ وهو ما أدى إلى اختفاء عدد منها!!‏

عدد غير كبير من هذه الأحزاب نجح فى تجاوز الأزمة، واكتفى بالانشطار أو خروج قوى رئيسية منها لتشكيل حزب جديد، وهو ما حدث بالنسبة للناصرى والغد، فيما ابتلعت دوامة الخلاف بقيتها، وتلاشت بقاياها، وسقطت من ذاكرة المواطن الذى أصبح يجد صعوبة بالغة فى إحصاء ‏7 أو 6‏ أحزاب على الأكثر من بين نحو ‏20‏ حزباً كانت لجنة الأحزاب رخصت لها العمل الرسمى‏!‏ وهو ذات المصير الذى انتظر الوفد فى ذات العام بسبب محاولات قياداته الاستئثار بالسلطة، إلا أن الوفديين رفضوا ذلك، وتحول إلى صراع على مقر الحزب وقتها‏!!

لكل هذه الأسباب أعلن المواطنون «كفرهم» بجدوى المشاركة، فاختار أغلبيتهم الوقوف متفرجاً أو مقاطعاً لأى أنشطة حزبية،‏ وشكلوا فيما بينهم -وبدون اتفاق- ما اصطلح على تسميته «حزب الكنبة»، حتى تخلى أعضاؤه عن سلبيتهم حينما شعروا بالخطر الذى يحيط بوطننا وقت أن اختطفه الإخوان الإرهابيون، فخرجوا فى ثورة يونيو!!

وإذا كانت الممارسات الأمنية الباطشة وتدخلات الحزب الحاكم قد اختفت تماماً الآن، فهل ستشارك الأحزاب فى سد الفراغ الحاصل فى المشهد السياسى؟! لا أظن..!

فى النهاية يبقى السؤال‏: هل حقاً نرغب فى حوار تعددى‏.. فى مشاركة شعبية تحترم مختلف وجهات النظر‏.. فى صياغة قرار يترجم رأى الأغلبية ويحترم ما تراه الأقلية‏‏؟‏!‏ إذا كانت الإجابة نعم فإن الواجب يحتم استثمار ما جرى فى ثورة 30 يونيو وبناء مصداقية حقيقية للكيانات الحزبية، بشرط أن تتخلى قياداتها عن «هواها وولعها بالمناصب».. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك كل السلامة.

نقلًا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحزاب أتلفها «الهوى» أحزاب أتلفها «الهوى»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات الأميرة رجوة الحسين تجمع بين الرقي والعصرية

عمان ـ مصر اليوم

GMT 00:02 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة
  مصر اليوم - انسجام لافت بين إطلالات الملكة رانيا والأميرة رجوة

GMT 11:23 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة
  مصر اليوم - نصائح قبل شراء طاولة القهوة لغرفة المعيشة

GMT 20:22 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

نتنياهو يعلق على وعد ترامب بشأن سراح الرهائن المحتجزين
  مصر اليوم - نتنياهو يعلق على وعد ترامب بشأن سراح الرهائن المحتجزين

GMT 10:20 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة
  مصر اليوم - سوسن بدر تخوض تجربة فنية جديدة

GMT 11:08 2024 الثلاثاء ,03 كانون الأول / ديسمبر

الكشف عن قائمة "بي بي سي" لأفضل 100 امرأة لعام 2024
  مصر اليوم - الكشف عن قائمة بي بي سي لأفضل 100 امرأة لعام 2024

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 06:00 2024 الخميس ,28 تشرين الثاني / نوفمبر

العلماء الروس يطورون طائرة مسيّرة لمراقبة حرائق الغابات

GMT 09:43 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

GMT 20:12 2024 الخميس ,15 آب / أغسطس

عمر كمال يوجه رسالة مؤثرة لأحمد رفعت

GMT 10:00 2016 الأربعاء ,09 آذار/ مارس

إصبع ذكي يعيد حاسة اللمس للاصابع المبتورة

GMT 23:53 2016 الثلاثاء ,26 كانون الثاني / يناير

مصمم مغربي يطرح تشكيلة راقية من القفطان الربيعي لموسم 2016

GMT 05:09 2015 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

توثيق ازدهار ونهاية مؤسس "داعش" أبو مصعب الزرقاوي

GMT 21:24 2017 السبت ,09 أيلول / سبتمبر

5 مواقف فتحت النار على سهير رمزي بعد خلع الحجاب

GMT 05:22 2017 الثلاثاء ,07 تشرين الثاني / نوفمبر

خبيرة موضة تقدم نصائح لارتداء فساتين الصيف خلال الشتاء
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon