توقيت القاهرة المحلي 12:48:29 آخر تحديث
  مصر اليوم -

أحزاب أتلفها «الهوى»..!

  مصر اليوم -

أحزاب أتلفها «الهوى»

بقلم : عبدالعظيم درويش

بمقاله المعنون «أحزاب تائهة»، الذى نشره جارى فى صفحة «نافذة رأى» بجريدة «الوطن» يوم السبت الماضى، أنعش صديقى الكاتب الصحفى حازم منير ذاكرتى لأنتبه أن هناك 104 أحزاب سياسية، لكن للأسف أتلف «الهوى» معظمها، وليس «الهواء»..!

و«الهوى» هنا هو «هوى وعشق» المقاعد القيادية، أو على الأقل الصفوف الأولى منها، إذ إن هذه الأحزاب قد أوصدت أبوابها على قياداتها، ليتفرغوا لإدارة صراعاتهم على هذه المواقع، دون أن ينتبهوا إلى الشارع ليلتحموا بمواطنيه، حتى أصبحت هذه الأحزاب أشبه «بقطع الفلين» على سطح الحياة السياسية دون أن تلامس قاعها..!

فهل من المنطق أن يمضى ما يقرب من ‏43 ‏عاماً منذ أن فُرضت علينا التعددية الحزبية بقرار رئاسى فى سبعينات القرن الماضى، وتظل هذه الكيانات دون أى فاعلية تُذكر سوى بعض اللافتات الصمّاء فى مواسم الانتخابات العامة، كما لو كانت هذه الأحزاب تطالب المواطنين «برد الجميل» الذى لم تقدمه لهم..! فيما خاصم المواطنون الانخراط فى عضويتها اقتناعاً بعدم جدواها فى إحداث الحراك السياسى المطلوب فى المجتمع..! ‏

جميعنا يعلم أن أسباباً كثيرة حالت دون انخراط المواطنين فى عضوية الأحزاب السياسية حتى بعد يناير 2011، وفى مقدمتها إيمان المواطن بأن هذه الأحزاب إنما جاءت مجرد ديكور لتجميل واجهة الحكم أمام الغرب، بينما اعتبرها المواطن مجرد وسيلة لظهور البعض أملاً فى التقرب للقصر الجمهورى، ظناً ‏من جانبهم دوام ما كان يجرى خلال العقود الماضية!‏

الصديق حازم منير حاول إيجاد مبرر لحالة الفراغ السياسى، إذ قال: «كنت، وما زلت، من المؤمنين بأن ضعف الحياة الحزبية وتراجع دور الأحزاب ليس مبرراً لمهاجمتها واتهامها وحدها بالمسئولية عن الفراغ الحاصل فى المشهد السياسى، كما أن لحظات تاريخية معينة فرضت على الأحزاب التخلى عن دور جوهرى من أدوارها لدعم الدولة الوطنية فى مواجهة أخطار محيطة بها، فسجلت بذلك موقفاً وطنياً محترماً». وهو هنا يتجاوز عن السبب الحقيقى الذى أدى إلى هذا الغياب، ألا وهو «الجفاف الجماهيرى»، بعد أن حادت التعددية الحزبية عن طريقها وأصبحت مجرد صراعات محمومة على مصالح ونفوذ، وفى أحيان كثيرة «المقار».. ‏ وبعدت كل البعد عن المواطن، وفشلت فى أن تجذبه إليها.

وأبرز دليل على عدم قناعة المواطن بمدى مصداقية الأحزاب فى التعبير عن آماله وآلامه وطموحاته أن حجم العضوية فى ‏21‏ حزباً فى سنوات الثمانينات وحتى العام 2011 لم يتجاوز بضع مئات الآلاف من المواطنين، فيما لم تتجاوز العضوية بالحزب الحاكم وقتها (الوطنى) مليوناً و‏900‏ ألف مواطن فقط، إذ إن «تركة النفور» التى ورثها المواطن قد حالت دون إقدامه على عضوية الحزب، باعتباره امتداداً للتنظيم الواحد بعد إبدال لافتته، بدءاً من الاتحاد القومى، ثم الاشتراكى، فحزب مصر، ثم الحزب الوطنى. ورغم العضوية المتواضعة، كان يحلو لقيادييه التشدق دائماً بأنه الحزب صاحب الأغلبية المطلقة والمعبر عن جماهير المواطنين وراعيهم الأول والأخير‏، وهو فى الواقع لم يكن سوى تجمع لأصحاب المصالح لتيسير مصالحهم دون النظر إلى إثراء الحياة السياسية أو رعاية مصالح المواطنين!!

وللحق، ففيما يتعلق بأحزاب الأقلية فإن محاولات التضييق التى كانت تمارسها عليها الأجهزة الأمنية بلا أى معنى جاءت كما تشتهى هذه الأحزاب، إذ وجدتها فرصة لتبرير غيابها عن الشارع وتقصيرها فى الوصول إلى المواطن‏!!

وإلى جانب هذه الممارسات الأمنية فإن لجنة الأحزاب السياسية -الموكل إليها قانوناً وقتها الترخيص للأحزاب السياسية- قصرت هذا الترخيص على أحزاب «ممسوخة»، بينما كانت تحظر على القوى السياسية الحقيقية الانتظام فى حزب رسمى، وهو ما أدى إلى زيادة اقتناع المواطن بأن هذه الأحزاب مجرد شكل لـ«الديكور الديمقراطى»، إن صح التعبير، فانصرف عنها‏. إضافة إلى أن بعضاً من هذه الكيانات التى كانت أحزاباً قد تحولت إلى مؤسسات وإقطاعيات عائلية صرفة، بعد أن هبطت الزعامة السياسية بصورة فجائية على الزوجة والأبناء بل والأحفاد فى كثير من الأحيان، فأصبحوا فجأة قيادات وكوادر حزبية!!

وحتى العام 2005 فرض التقييد الأمنى على الأحزاب المضىّ فى اتجاه واحد فى الشارع السياسى‏: من لجنة الأحزاب إلى المحكمة‏.. من حزب واحد إلى عدة أحزاب.‏. ومن رئيس أو قيادة إلى رؤساء وقيادات‏.. ومن حوار إلى نزاع‏.. ومن الصفحات السياسية بالصحف إلى صفحات الحوادث بها‏!!

لم ينجح أى حزب فى أن يحيد عن الطريق المرسوم له، إذ إن بداية عمله كانت محددة من جانب السادات وقتها، الذى كانت قراراته الشفوية المعلنة توزع القيادات على مختلف الأحزاب: هذا للمعارضة الدينية، وذاك ليمين الوسط، مما أدى إلى تفاقم الأزمات الداخلية للأحزاب، فمن حزب العمل فى ثمانينات القرن الماضى، إلى الوفد فى نهاية ‏2005‏، مروراً بأحزاب مصر الفتاة والأحرار والعدالة الاجتماعية والشعب الديمقراطى والناصرى والغد‏، ‏كان الاتجاه نحو التفكيك أو الانشطار هو الاتجاه الإجبارى لها.. إذ كان مصيرها يتحدد على أساس مدى قرب أو بعد رؤساء هذه الأحزاب أو المتنازعين على رئاستها من أصحاب الكلمة فى الحزب الحاكم‏.. وكأن هذه الانشقاقات كان يجب أن تُدمغ بخاتم الحزب الوطنى، خصماً من حصيلة التعددية السياسية،‏ وهو ما أدى إلى اختفاء عدد منها!!‏

عدد غير كبير من هذه الأحزاب نجح فى تجاوز الأزمة، واكتفى بالانشطار أو خروج قوى رئيسية منها لتشكيل حزب جديد، وهو ما حدث بالنسبة للناصرى والغد، فيما ابتلعت دوامة الخلاف بقيتها، وتلاشت بقاياها، وسقطت من ذاكرة المواطن الذى أصبح يجد صعوبة بالغة فى إحصاء ‏7 أو 6‏ أحزاب على الأكثر من بين نحو ‏20‏ حزباً كانت لجنة الأحزاب رخصت لها العمل الرسمى‏!‏ وهو ذات المصير الذى انتظر الوفد فى ذات العام بسبب محاولات قياداته الاستئثار بالسلطة، إلا أن الوفديين رفضوا ذلك، وتحول إلى صراع على مقر الحزب وقتها‏!!

لكل هذه الأسباب أعلن المواطنون «كفرهم» بجدوى المشاركة، فاختار أغلبيتهم الوقوف متفرجاً أو مقاطعاً لأى أنشطة حزبية،‏ وشكلوا فيما بينهم -وبدون اتفاق- ما اصطلح على تسميته «حزب الكنبة»، حتى تخلى أعضاؤه عن سلبيتهم حينما شعروا بالخطر الذى يحيط بوطننا وقت أن اختطفه الإخوان الإرهابيون، فخرجوا فى ثورة يونيو!!

وإذا كانت الممارسات الأمنية الباطشة وتدخلات الحزب الحاكم قد اختفت تماماً الآن، فهل ستشارك الأحزاب فى سد الفراغ الحاصل فى المشهد السياسى؟! لا أظن..!

فى النهاية يبقى السؤال‏: هل حقاً نرغب فى حوار تعددى‏.. فى مشاركة شعبية تحترم مختلف وجهات النظر‏.. فى صياغة قرار يترجم رأى الأغلبية ويحترم ما تراه الأقلية‏‏؟‏!‏ إذا كانت الإجابة نعم فإن الواجب يحتم استثمار ما جرى فى ثورة 30 يونيو وبناء مصداقية حقيقية للكيانات الحزبية، بشرط أن تتخلى قياداتها عن «هواها وولعها بالمناصب».. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك كل السلامة.

نقلًا عن الوطن القاهرية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

أحزاب أتلفها «الهوى» أحزاب أتلفها «الهوى»



GMT 08:51 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

أين نحن من المفاوضات الدولية مع إيران؟

GMT 08:50 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

المعرفة التي قتلت لقمان سليم

GMT 08:46 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

لقمان سليم وتوحش النظام الإيراني

GMT 08:44 2021 الأحد ,07 شباط / فبراير

4 مليارات ثمن 12 بيضة

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon