أن تسدد ثمن سلعة أو خدمة تقدم لك فهو أمر منطقى للغاية بشرط أن تحصل عليها بالفعل، أما أن يُفرض عليك ثمن سلعة أو خدمة ولا تحصل عليها فهو ما يسمى بـ«البلطجة»، خاصة إذا صاحبها تهديد بصوت عال وربما تلويح بـ«سلاح أبيض» -فى بعض الأحيان- وهو ما يتعرض له عدد غير قليل من أصحاب السيارات، خاصة إذا ما رفض أحدهم تلك «الإتاوة» التى يحاول فرضها عليه «بلطجى الشارع»، وهو شخص ينتشر فى كل وأى مكان ويفرض سيطرته على بضعة أمتار من الشارع، ولا يملك من الأدوات ما يمكّنه من هذه السيطرة سوى «صافرة» أقرب إلى «صافرات حكام المباريات الرياضية» وصوت زاعق، ويُخفى فى طيات ملابسه «سلاحاً أبيض» يستخدمه إذا ما دعت الحاجة إلى استخدامه، بعد أن يكون قد رمق صاحب السيارة بنظرة تشى بالانتقام، خاصة أن ملامح وجهه -فى العادة- أقرب إلى ملامح خريطة تتقاطع خطوطها بالطول والعرض من كثرة التشويه..!
إلى جانب هؤلاء «البلطجية» هناك من يتوهمون أنهم أصحاب «تميُّز» عن غيرهم من البشر ويحلو لهم دوماً استغلال إمكانات الدولة ومرافقها دون أى وجه حق. ويكفى هنا تلك الشوارع التى أحالوها إلى جراج خاص يؤجرونه لـ«قبضايات» كل همهم انتزاع ما فى جيوب كل من ساقه قدره إلى ركن سيارته لبضع دقائق، ويشترط على صاحب السيارة «الدفع أولاً»..!
ما يحدث فى شوارع القاهرة والجيزة وغيرهما من المدن بات أمراً يفوق كل التصورات، إذ أحكمت «مافيا الطريق»، إن صح التعبير، سيطرتها وقبضتها على جميع شوارع المدن، وفرضت «إتاوات» على كل من تسول له نفسه ركن سيارته فى الشارع!!
«مافيا الطريق» أخذت أبعاداً جديدة إلى جانب صورتها التقليدية التى اعتاد عليها قائدو السيارات عندما يفاجأون عند إدارة محرك السيارة بمن يقفز أمامها متظاهراً بمساعدة قائدها فى الخروج من صف الانتظار إلى الطريق العام، ليطلب فى النهاية مبلغاً من المال -كما لو كان قد احتجز للسيارة غرفة «Day Use» فى أى فندق - يصل فى حده الأدنى إلى 5 جنيهات، بينما يرتفع إلى 15 أو 20 جنيهاً وفق نوع السيارة وموديلها وموقع ركنها سواء أمام «بنك أو سوبر ماركت أو مول» لبضع دقائق نظير مجهود وعمل لم يبذله أو يؤده ذلك البلطجى الذى يسمى «سايس»!!
إذا اعترض صاحب السيارة ومضى فى طريقه فإن «اللعنات» التى تودعه تطول أجداده بدءاً من «الملك مينا موحد القطرين» لتصل فى النهاية إلى أحفاد أحفاده، وذلك فى أبسط الحالات!! إذا لم يلحق باسمه تعبير «الله يرحمه» على يد بلطجية آخرين تنشقّ الأرض دائماً عنهم فجأة!
الشكل الجديد الذى اكتسبه أعضاء «مافيا الشوارع» يتمثل فى تكرار السيناريو بذات مشاهده، عدا تعديل طفيف يُبرز فيه إمبراطور الشارع «دفتراً» لا تعلم أى جهة يشير إليها «الخاتم المطبوع» عليه ليطالبك بمبلغ مالى، وليعلن لك بكل ثقة أن تحصيل هذه الرسوم لصالح إحدى شركات الأمن التى حصلت على امتياز تحويل الشارع العام إلى موقف خاص!!
السؤال هنا يفرض نفسه: من أعطى حق تأجير الشوارع إلى الشركات الخاصة، وبأى حق مُنحته؟ وعلى أى أساس قانونى استندت إليه المحافظة أو المجلس المحلى عند إقرار تأجير الشارع؟ وإذا كان هناك سند قانونى لأى جهة عند منحها هذا الحق، وأشك فى أن يكون هناك نص قانونى أو تشريع، فلم لا تحدد هذه الجهة بلافتة واضحة تلك المساحة التى يحق للشركة الخاصة فرض إتاوتها على كل صاحب سيارة فيها، وقيمة هذه الإتاوة؟ حتى لا تصل الأمور إلى درجة يفاجأ المواطن فيها بمن يفرض عليه رسوماً عند دخوله منزله أو شقته الخاصة!!
الغريب أن وزارة الداخلية قد صدعت رؤوسنا بأنه تم تحديد خط تليفونى ساخن برقم «136» للشكوى من «السايس»، وأتحدى أن يكون هناك أى تحرك إذا ما تم الاتصال به، فالرد لا يخرج عن نصيحة بتحرير «محضر فى قسم الشرطة»..!
هذا من جانب، ومن جانب أكثر حدة فإن معظم، إن لم يكن جميع، الشوارع الرئيسية وأرصفتها قد تحولت إلى «أجنس» سيارات جديدة يمتلكه أحد «المسنودين» ليسد الطريق أمام المارة، أو مقهى نشر مقاعده فى عرض الطريق أو على الأرصفة، إضافة إلى عصابات البلطجية التى باتت من ركائز المحلات أو المطاعم، وهى أمور أصبحت معتادة ويجب أن تلفت نظر الداخلية التى يبدو أنها لا تتحرك إلا إذا وقعت الكارثة، ولنا فى ضحية «كيف» بمصر الجديدة نموذجاً للمأساة التى نعيشها..!!
أخيراً انتبه مجلس «النواب» لهذه الظاهرة التى تكتسب يومياً أبعاداً جديدة، إذ وافقت لجنة الإدارة المحلية بالمجلس على مناقشة مشروع قانون منادى السيارات «السايس»، الذى يستهدف تنظيم أماكن وساحات انتظار السيارات فى الشارع، حيث تضمنت مواده النص على إنشاء لجنة لإدارة وتنظيم أماكن وساحات انتظار السيارات بكل محافظة برئاسة المحافظ المختص وعضوية عدد من ممثلى الجهات الحكومية.
ووفقاً للمشروع فإن هذه اللجنة تختص بإصدار القرارات واللوائح المنظمة للعمل، وتحديد المناطق التى تصلح للانتظار دون إعاقة حركة المرور، وتحديد عدد ساعات العمل ونهايتها، والقيمة المراد تحصيلها من طالب الخدمة من خلال دفتر، إلى جانب تحديد مهام الأفراد المكلفين بالعمل، ووضع «لائحة الجزاء»، وإخطار الشركات المرخص لها بتطبيقها على الأفراد التابعين لها.
نصوص القانون، فى حد ذاتها، تُعد «نموذجية»، غير أن الأهم منها أن تكون هناك «آلية» محددة تضمن التطبيق الفعلى لها حتى لا ينضم هذا القانون إلى تلك «الكراكيب التشريعية» التى تتراكم فوق سطح «مجلس النواب» فلا يجرى تطبيقها أو حتى يتم إلغاؤها ونظل نحتفظ بها بلا أدنى جدوى..!
نقلا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع