بقلم : عبدالعظيم درويش
حقيقة لا أدرى أى خديعة انزلق فيها ومعه عدد من شباب العشرين.. ولا أدرى إلى أى مدى تعرضوا جميعاً لعمليات «غسيل المخ» ليتحولوا هم وغيرهم إلى مجرد «عرائس ماريونيت» قاتلة تحركها أيادٍ تقطر دماء الضحايا الأبرياء.. ربما يكون قد وقع ضحية هو وشركاؤه من المغدور بهم لبعض كتب التراث المظلمة التى تحمل بين دفتيها قصصاً عن الجاهلية ودار الحرب والجهاد ضد المجتمع الكافر.. وربما كان من بين هؤلاء الذين «سحقهم الفقر» فألقت له «جماعة إخوان الأبالسة» حفنة من المال لتطفئ ظمأه للمال.. وربما يكون قد استسلم لتلك «الخرافات» التى كانت ترددها قيادات الإرهاب وقت احتلالهم ميدانى رابعة العدوية ونهضة مصر بأن «سيدنا جبريل» عليه السلام لم يتأخر ليلة واحدة -طوال مدة احتلال الميدانين- عن الاطمئنان على هؤلاء السذج الذين كدستهم فيهما «جماعة الضلال والتضليل» ليؤمهم فى الصلاة «تكبير».. وربما أيضاً يكون «أباطرة الدم» قد استغلوا فوران شبابه وأغروه بلقاء «حور العين» فى الجنة.. غير أن المهم أنه و8 غيره من الشباب قد دفعوا حياتهم ثمناً لتنفيذ هذه العملية الغادرة التى استشهد فيها النائب العام هشام بركات محامى الشعب.
هو أبوبكر السيد عبدالمجيد على، طالب بكلية الهندسة جامعة الزقازيق، وثمانية غيره من شباب الجامعات المنفذ بحقهم حكم الإعدام قبل نحو 10 أيام «قصاصاً عادلاً» نطق به رجال القضاء بعد استنفادهم جميع مراحل التقاضى واعترفوا خلالها بتفاصيل لوقائع ثابتة مدعومة بأدلة وبراهين قطعية ثابتة الدلالة واليقين عن كل خطوة قاموا بها منذ لحظة الاتفاق والتحضير حتى لحظة التنفيذ.
نحن إذن أمام نماذج جديدة من الإرهابيين المتعلمين جامعياً المختطفين ذهنياً مغايرين تماماً لأولئك الذين دفعتهم الحاجة إلى الاصطفاف خلف «جماعة الإرهاب» -بحثاً عن وجبة عشاء أو 100 جنيه كل ليلة- ليكونوا وقوداً لعملياتهم الإجرامية الدنيئة فى مواجهة الأمن ورموز الدولة، انتقاماً من دولة وملايين المواطنين الذين أجهضوا «وهم» الجماعة فى اختطاف الوطن كـ«نواة» لتحقيق حلمها فى إعادة تأسيس دولة الخلافة الإسلامية مجدداً بينما الإسلام منها براء.
وقتها لم يدرك هؤلاء المجبرون على اتباع الجماعة أن «تجار الدم» دفعوهم إلى هذا المستنقع، فربما تنفعهم زيادة أعدادهم فى تحسين موقفهم التفاوضى إن جرى التفاوض معهم فى أى يوم من الأيام -كما كانوا يتوهمون- غير أن هذه الجماعة الغادرة التى تتمسك واهمة فى بياناتها المتلاحقة بما تسميه «عودة الشرعية» وتدعى ضرورة إعادة مندوبها الرئاسى إلى موقعه السابق هى أول من سيضحى بهذا المندوب إذا تعارض «وهم عودته المستحيلة» مع مستقبلها - إن كان لها مستقبل بيننا.
ما كشفت عنه أحداث استشهاد محامى الشعب وتنفيذ حكم القصاص العادل فى مجرميها يدفعنا إلى ضرورة الإسراع بتطوير الخطاب الدينى -الذى جفت حلوق الكثيرين وفى مقدمتهم الرئيس السيسى- فى مطالبة أئمة الدعاة وقيادات الأزهر الدينية باعتبارهم يمثلون وسطية الإسلام المعتدلة لتحقيقه، إذ إن الدولة حتى الآن تكتفى بمقاومة الإرهابيين الذين يحملون السلاح دون أن تحارب منابع الإرهاب ذاتها.. فالإرهاب -إلى جانب أنه عمل يعتمد على القنبلة والبندقية فى قتل الأبرياء- إلا أنه فى أساسه «فكرة خائنة خادعة» تسكن العقل ويجب أن نواجهها بفكرة مناهضة لها.. نعم فلا تزال «كتب الضلال» فى أيدى البعض ولم تصل إليها جهود الدولة أو إلى المعلم الطائفى الذى يلقن الأطفال الكراهية والنبذ، ولا تزال «منابر الزوايا» تصرخ بالدعاء فى مكبرات الصوت على المجتمع بأسره، وتحرض على مسيحيى الوطن، إلى جانب تلك الأحزاب القائمة على الفكرة الدينية -على الرغم من أن الدستور يحظر تشكيلها- على الساحة مما أدى إلى أن كثيراً من جيل الشباب المصرى أصبح أسيراً لهذا الفكر المهلك ومجنياً عليه.
اللافت للنظر أن عدداً من الخائنين يشكلون «الطابور الخامس» ويقودون بعض مؤسسات اصطلح على تسميتها حقوق الإنسان -والصحيح أنها عقوق الإنسان- يشككون فيما توصلت إليه مراحل محاكمة مجرمى اغتيال النائب العام من الوقائع الثابتة غير القابلة للطعن عليها، ويسعون إلى دفع البعض إلى عدم الاعتراف بها..!.. والأغرب أن فريقاً من هؤلاء الخائنين يلقون باللوم على الدولة لتنفيذها حكم الإعدام على هؤلاء المجرمين قصاصاً عادلاً لأرواح أُزهقت ودماء أبرياء أسيلت ويطالبونها بالإبقاء على حياتهم داخل السجون كما لو كانت هذه السجون عنابر لتربية «عجول الإرهاب»..!
الأكثر لفتاً للانتباه أن والد أحد مجرمى تنفيذ اغتيال الشهيد هشام بركات ووالدة مجرم آخر كشفا عن مفاجأتين تثبتان أن ابنيهما ليسا وحدهما قد خدعا.. إذ إن والد الأول قال إن ابنه ترك وصية لوالدته فى آخر زيارة لها قبل تنفيذ العملية، وطلب منها ألا تفتحها إلا بعد تلقيهم ما وصفه بأنه «نبأ استشهاده».. فأى استشهاد كان يرغب فيه هذا المجرم؟!.. ومضى هذا القاتل فى وصيته: «فيا أمى لا تحزنى لفراقى فإنى مضيت لأرض الجهاد.. فامسحى عنك دمع المآسى فما سرت إلا لدحر اليهود.. فعذراً أبى قد عشقت الجهاد.. ودينى دعانى لأحمى العباد».. فأى أرض للجهاد مضى فيها هذا القاتل؟! بينما للحق أنه مضى فى طريق «الإرهاب والضلال».. وأى يهود قد سار لدحرهم؟!.. فربما كان قد اختلط عليه الأمر وظن أنه يقف وسط معسكر للصهاينة وقت أن نفذ جريمته فى حى مصر الجديدة بالقاهرة.. وأى دين طالبه بقتل أهل الكتاب من أتباع الدين اليهودى.. وأى شريعة فرضت القتل لحماية العباد؟!..
أما «والدة المجرم الآخر» فقد كشفت عن أن دور ابنها كان «مجرد الإرشاد عن منزل النائب العام فقط، وبشهادة ضابط المباحث»، كما لو كان ابنها المجرم لم يكن يرصد خط سير الشهيد لإتمام الجريمة الغادرة فى نهار شهر رمضان الكريم وإنما كان يرشد أحد الأشخاص التائهين إلى عنوان لا يعرفه..!.. وبثقة كاملة كما لو كانت من أساطين القانونيين تابعت والدة الإرهابى «إن اللى يرشد عن البيت مياخدش إعدام.. معروفة يعنى لكن عملوا معاه كده علشان كان راجل!» فإلى أى صنف من الرجال ينتمى هذا القاتل؟!!.. فى النهاية فإن للخيانة وجوهاً عدة فلننتبه.. ولك يا أحلى اسم فى الوجود ولمواطنيك السلامة دائماً ولجميع شهدائك الأبرار جنة الخلود.
نقلًا عن الوطن القاهرية
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع