توقيت القاهرة المحلي 14:27:48 آخر تحديث
  مصر اليوم -

إرث «داعش»

  مصر اليوم -

إرث «داعش»

بقلم - مشرق عباس

ليس اسهل من أن يقرر مسؤول سياسي أو عسكري أو امني، إبعاد عشرات الآلاف من عائلات عناصر تنظيم «داعش» إلى مخيمات عزل، بهدف حمايتهم من الانتقام، أو ربما حماية المجتمع من انتقامهم، لكن الأصعب هو محاولة اعادة دمجهم، حماية للجميع.

بعد أكثر من عام على نهاية وجود «داعش» الفعلي في العراق، ربما صارت مصطلحات مثل «المجاهدين» و «المهاجرين» و «الدولة الاسلامية» و «الخلافة» و «الخليفة» و «ديوان الجند» و «الحسبة» في أرشيف ذاكرة معظم سكان المناطق التي احتلها التنظيم، لكنها ما زالت في الحقيقة تشكل جوهر ثقافة مخيمات العزل الخاصة بعائلات التنظيم، ليس لأن اطفالاً ونساء وشيوخاً عزلاً ما زالوا مؤمنين بها وبمصداقية استخدامها من قبل تنظيم ارهابي، بل ببساطة لأن واقع العزلة لم يتح لهم مغادرة إرث «داعش».

لقد تسبب العجز السياسي والحزبي والفكري في العراق بعد 2003 في إنتاج عدالة انتقالية حقيقية، ونمط قانوني وانساني لدمج المخالفين في الوضع الجديد، بكل الكوارث التي اعقبت ذلك التاريخ، ويبدو من باب السخرية المرة فقط أن يسأل أحد الخارجين من رحم سياسة التغاضي وانعدام الرؤية، بحيرة عن الاسباب التي تقف خلف تبني أجيال جديدة ولد بعضها بعد الاحتلال فكر البعث، وتمجيد صدام حسين، ونخشى ان ننتظر لبضع سنوات حتى يخرج السياسي عديم الرؤية نفسه للتساؤل بالحيرة نفسها عن اسباب ولادة اجيال جديدة من المتطرفين.

ان تاريخ القهر والعزل والعقاب الجماعي للسكان بجريرة مجموعة منهم، لم يكن واضحاً للعراقيين ابان الحقب السابقة، فالماكنة الاعلامية، والازمات المتلاحقة، وستراتيجية القمع والتجهيل، لم تسمح بتداول حقيقي لاسباب انتاج مخيمات العزل واللجوء والتهجير العراقية، اجيالاً من الشباب العراقيين الأكثر عداءً وتوجساً من المجتمع الذي عاش في ظل نظام صدام حسين، كما ان استخدام هؤلاء انفسهم بعد عام 2003 لسياسة الترهيب والتخوين والتشكيك بحق عراقيي الداخل، ومنعهم من شغل المناصب الرسمية، لصالح من اطلقوا على انفسهم «مناضلي الخارج» وابنائهم واقاربهم، كان بداية نموذجية لقياس دورة العنف التي لم تتوقف منذ ذلك الحين.

لكن الاخطاء القاتلة لايمكن ان يتم السماح بها مرة ومرتين وعشرة، والفرص المهدورة لايمكن الهروب من نتائجها، ومخيمات العزل الحالية لعائلات «داعش» تحيل الى تلك الاخطاء التي يتوجب الوقوف عندها بحكمة، ومعالجتها بهدوء، وتجنب استخدامها لأعراض سياسية.

كل ذلك لاينفي، ان هذه العائلات قد تكون معرضة بالفعل الى انتقامات عشائرية او فردية في حال عادت الى مناطقها، وهذه المسألة ليست عصية امام التسوية الاجتماعية اذا ماتوفرت النية، والاهم ان عودة هؤلاء ليست الاولوية التي يجدر الانتباه اليها، وانما قبل ذلك التأهيل الصحيح، والرعاية والتعليم، خصوصاً للاطفال من تلك العائلات، والذين على المجتمع اليوم ان يحدد مستقبلهم، ومآلات توجهاتهم، قبل فوات الاوان، واهدار الفرصة التي يسبقها الزمن.

انه أمر محزن ومربك حقاً، ان يهدر مجتمع عاش تجارب مريرة من العنف ودفع اثماناً باهضة بسبب التربية الممنهجة على الشك بالآخر واهماله واقصائه وتشويه تاريخه، فرصته لكسر الدائرة المغلقة وانهاء قدرتها على انتاج المزيد من الكراهية، وهو أمر مربك أكثر عندما يتعلق بفشل دولة في تحقيق التكيف الصحي لبضع الاف من الاطفال في المجتمع.

هناك معلومات عن نية الدولة جمع معسكرات عائلات داعش المتوزعة عبر البلاد، في مدينة يتم تشييدها، برعاية اممية على اطراف الصحراء، وهذه المعلومة لو صحت فانها تنتمي الى الهروب من المشكلة بديلاً عن معالجتها مهما كانت معقدة.

ومع الاقرار بان جزءاً من المشكلة يخص آباءَ غير معروفين وربما غير عراقيين، واطفالاً لم يتم تسجيلهم في اي قيد رسمي، وزوجات تزوجن بأكثر من مقاتل، وكبار سن من الأجداد والجدات يتحملون جزءاً من مسؤولية ما آل اليه مصير عائلاتهم، لكن كل ذلك في الهامش في رؤية الأمم لمصالحها العليا، اما المتن فهو واحد، وملخصه ان هذه المعسكرات، هي حقول الغام نزرعها في صميم مستقبل هذا البلد.

نقلا عن الحياة

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

إرث «داعش» إرث «داعش»



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon