بقلم - مشرق عباس
لن يكون بمقدور أحد ان يضع تعريفاً محدداً للحكومة العراقية الجديدة، فلم نعد امام ائتلاف سياسي "الكتلة الاكبر" كما لسنا امام اتفاق شامل "وحدة وطنية"، وبالتأكيد لانقف امام حكومة "تكنوقراط" ولا "محاصصة حزبية"، والأمر لايقتصر على التعريف، وانما الضبابية باتت تغلف اية قراءة منصفة لمستقبل تعاطي القوى السياسية مع هذه الحكومة ومخرجاتها.
ابتداء، نجح الجميع في التخلي عن التزام اختيار رئيس الوزراء العراقي الحالي عادل عبد المهدي، تملصوا من المسؤولية بحرفنة، واصبحنا عملياً امام رئيس حكومة لم يختره أحد، ولن يشاركه اي طرف في المسؤولية عن اداء حكومته، كما ان كل القوى احتفظت لنفسها بورقة الاعتراض والانقلاب على عبد المهدي عندما يحين ميعاد الانقلاب.
الاتفاق الغامض على عبد المهدي كان يمكن ان يكون خبراً جيداً في بلاد يعز فيها الاتفاق، ففي النهاية كان يمكن ان تتم الاستجابة الى مطالب الاحتجاجات المتواصلة منذ سنوات، والى دعوات النخب الثقافية والدينية بان يتم منح عبد المهدي حق اختيار وزراء حكومته، على اساس الكفاءة والمهنية، وخارج نظام الصفقات السرية وبيع وشراء المناصب والتورط الحزبي في تدمير مؤسسات الدولة.
قاد السيد مقتدى الصدر حملة لتطبيق هذه المطالب، وتنازل عن حصص ائتلاف "سائرون" ليختار عبد المهدي من يراه مناسباً للوزارات، وساهم في تشجيع قوى ائتلاف "الاصلاح" على تقديم التنازلات المطلوبة في السياق نفسه، لكنه وجد نفسه امام استحقاقات مغايرة، فالقوى السنية التي شكلت تحالفاً باسم "المحور" رفضت بشكل قاطع التنازل عن تمثيلها الحزبي لصالح "سنة" ربما أكثر كفاءة من الوزراء الحزبيين، والقوى الكردية رفضت بدورها ان تمنح رئيس الوزراء حق الاختيار، فيما تخندقت القوى الشيعية في تحالف "البناء" للدفاع عن منظومة "المحاصصة الحزبية" حتى تحول اسم مرشحها لوزارة الداخلية فالح الفياض الى عقدة عصية على الحل!.
القضية في جوهرها، ان قبول الصدر بهذه المعادلة غير المتوازنة قاد الى تشكيل حكومة بمعيارين، الاول انتج 5 الى 7 وزراء من حصة تحالف "الاصلاح" اختارهم عبد المهدي بنفسه، والثاني قاد الى 10 وزراء آخرين اختارتهم احزاب وقوى تحالف "البناء".
والعجيب في هذه المعادلة المختلة من اساسها انها تضع عبد المهدي في موقع المسؤول واللامسؤول معاً عن حكومته، كما انها تضع الاحزاب التي شكلت الحكومة في موقع الموالاة والمعارضة معاً، وبدلاً عن الآمال التي بذرها الانقسام السياسي الجديد بين مجموعتين تضم كل منهما شيعة وسنة وكردا وتركمان ومسيحيين، للعبور بالبلد من مرحلة الممثليات الطائفية والقومية الى مرحلة الكتل المتوافقة على اهداف سياسية عامة، اصبحنا امام خريطة فوضوية، تؤثر الارادات الخارجية في تجميعها وتفريقها أكثر بكثير مما سبق.
ليس خافياً الحديث عن ان التوافق الايراني – القطري – التركي كان حاسماً في تشكيل كتلة "البناء" بتنوعها الحالي، فيما ان تلك القوى نفسها ارادت ان تعتبر ان قوى "الاصلاح" اجتمعت على اساس توافق سعودي – اميركي، على رغم العداء المعلن والطويل والمرير بين الصدر كأبرز قيادات هذه الكتلة، والولايات المتحدة الاميركية.
وبصرف النظر عن الـتأثيرات الاقليمية ومصداقيتها، فإن سيناريوهات حكومة عبد المهدي وما سوف تواجهه خلال الشهور المقبلة يشكل جوهر اهتمام العراقيين، بسبب الهدر الهائل في الطاقات والموارد والفرص الذي تسبب به الصراع السياسي طوال السنوات السابقة وماقد يتسبب به في السنوات المقبلة.
ومع الاخذ في الحسبان سيناريو نجاح عبد المهدي المعروف بحنكة وهدوء في اكمال حكومته وحل عقدة منصب وزير الداخلية، والمضي بحكومته لعبور حاجز السنوات الاربع المقبلة متخطياً سلسلة من الهجمات السياسية وربما الاستجوابات المتوقعة، فان سيناريو تعرض هذه الحكومة الى انقلاب حزبي من احدى الكتلتين الرئيسيتين قبل انهاء فترتها، مازال موجوداً على الطاولة ايضاً.
بعد اسابيع فقط، عندما ينتهي جدل تشكيل الحكومة، والتخندقات والمصالح التي تأسست على هذا الجدل، سيكون بالامكان تلمس بوادر نهاية الصفقات التي شكلت الكابينة الوزارية، وسيكون علينا مراقبة انماط جديدة من التحالفات، والانتقالات الرشيقة بين الخنادق لعدد كبير من النواب الحاليين، وعلى عبد المهدي حينها مسؤولية قراءة الخرائط جيداً وانقاذ حكومته، بالتحضير من الان لتعديل معاييرها المزدوجة.
نقلا عن الحياة اللندنية