بقلم - مشرق عباس
لا أحد يتوقع أن يكون عادل عبد المهدي رئيس الوزراء العراقي المكلف، حراً في اختيار كابينته الوزارية، لكن هناك من يأمل بأن يكون موضوعياً ومهنياً، كما أن أحداً لا يعتقد أن الرجل سيكون مطلق اليد في سياساته الداخلية أو الخارجية، بل أن المطلوب أن يكون ناجحاً وحازماً ومتوازناً، والأهم من كل ذلك أن يكون صادقاً في تعريف هذه المرحلة والتعامل مع استحقاقاتها في نطاق برنامج حكومي يتم إعلانه على المستوى الوطني قبل التصويت على الحكومة.
وعلى أساس ذلك يجب أن يتم الحديث بوضوح عن مستوى التدخل الحزبي في كابينة عبد المهدي وفي برنامجه وسياساته المستقبلية، وإهمال الإعلانات التي ترد من معظم الأحزاب بأنها ستمنحه الحرية الكاملة في الاختيار.
المشكلة التي لا نتمنى أن يقع فيها رئيس الحكومة المكلف، هو تعريفه «الحرية» فاختيار وزراء من بين 5 مرشحين يقدمهم كل حزب ليست حرية، بل إن الذهاب إلى فتح باب الترشيح الإلكتروني ليس حرية بدوره، وإنما التعريف يرتبط أساساً بتحمل رئيس الحكومة لنتائج خياراته وسياساته وتطبيق مفردات برنامج حكومته.
إن الحديث الحزبي المتواتر عن فتح باب الاختيار لعبد المهدي، على رغم أنه يبدو للوهلة الأولى مشجعاً، خصوصاً بعد المخاطر التي كشف عنها الغضب الشعبي خلال الشهور الماضية، لكنه مقلق أيضاً، فلسنا أمام طبقة سياسية تقصد حقاً ما تقول، ولسنا في مواجهة مافيا فساد سياسية مختصة بنخر الدولة ومقاصدها وبناها والحدود ورمزيتها والمواطنة وقيمتها، تختار فجأة التوبة والذهاب طوعاً إلى الاصلاح.
ومبرر في هذه الحال الخشية من محاولة القوى السياسية استخدام عبد المهدي كغطاء شامل لقسمة الغرماء، وتحميله لاحقاً مسؤولية أي تلكؤ وتقاعس واستعصاءات، والرجل المعروف بأنه من السياسيين الاكثر هدوءاً وتوازناً في سلوكه السياسي، قد يكون مكبلاً بالأساس بخطوط حمر يتعلق بعضها بكونه ابن منظومة الأحزاب العراقية المتنفذة، والغارقة في التنكيل بالدولة، ويخص الآخر عمره ونزعته غير الصدامية، ويقترب الآخر من منظومة علاقاته الشخصية مع زعماء القوى وشخصيات سياسية مؤثرة داخل العراق وخارجه تمتد لعقود وتفرض بدورها خطوطها وموانعها.
وكل هذه المعطيات قد تكون بمثابة مفاتيح نجاح إذا ما استخدمت في نطاقها، واستثمرت لخدمة العمل الجاد لإصلاح النظام الإداري والقانوني العراقي الذي يمثل جوهر الفشل الحالي للدولة، تماماً كما ينبغي استثمار الغضب والسخط الشعبي كعامل دعم وإحراج ورافعة ممكنة للنهوض بالاداء الحكومي.
لن تكون مهمة عبد المهدي سهلة، لكنه بحاجة ماسة إلى المصارحة مع القوى السياسية والشعب حول الواقع الحالي، والخطوات التي ينوي اتخاذها، وخريطة الطريق التي سيعمل عليها.
خلال أقل من أسبوعين قد يكمل رئيس الوزراء المكلف كابينته، لكن دور عبد المهدي الأول هو إنتاج برنامج حكومته قبل شخوصها، والبرنامج يجب أن يكون عملياً ومباشراً وخالياً من الوعود الجوفاء والخطط الوهمية التي حفلت بها برامج الحكومات السابقة، وأن يعتمد نظاماً زمنياً لخطوات الإصلاح المنتظرة، مرصوفاً بالأولويات ومدياتها ابتداء من القوانين التي يحتاج البرنامج الى سنها أو تعديلها، والإجراءات التي يجب اتخاذها ضمن صلاحيات الحكومة، وصولاً الى آليات العمل.
اغلب الظن أن عبد المهدي يقوم في هذه الأثناء بعملية إعداد برنامج حكومته لعرضه في ليلة التصويت على كابينته، وفي الغالب لن يعترض أحد عليه فالجميع مشغول بتمرير أسماء الحكومة، ومعظم المداولات التي يجريها المكلف في هذه الأثناء مازالت محشورة في زاوية الأسماء.
لكن البرنامج الحكومي هو ما يحتاج إليه الشعب العراقي ونخبه بالفعل، ما يتطلب أن يعلن قبل مدة معقولة من جلسة التصويت لتتسنى مناقشته شعبياً، وربما تطويره أو تعديله، مع الاقرار بأن البرامج الحكومية في آخر سلم أولويات الأحزاب نفسها، لكننا نأمل بأن يكون في صدر اهتمامات عبد المهدي نفسه.
نقلا عن الحياة
المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع