توقيت القاهرة المحلي 13:28:44 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هل يستقيم ظل الاقتصاد وعوده أعوج؟

  مصر اليوم -

هل يستقيم ظل الاقتصاد وعوده أعوج

بقلم - محمود محيي الدين

في سرديات الإقناع المنطقي البسيطة يقتطف المتحدثون شطر بيت من الشعر العربي القديم نصه: «متى يستقيم الظل والعود أعوج - وهل ذهبُ صرف يساويه بهرج».

ومن عجائب ما تسوقه تقارير عن الاقتصاد العالمي احتفاؤها المبالغ بمظاهر لما تعتبره من علامات المتانة والصمود اكتفاءً منها بالتركيز على رصد بعض المؤشرات لأحوال بعض البلدان المتقدمة. وما تخفيه إحصاءات ومتوسطات رقمية لبعض المتغيرات التي تظهر على السطح لا تستطيع أن تواري ما يعانيه الاقتصاد العالمي من ضعف، وما يعتري نظامه من تقادم وما أصاب مؤسساته من ترهل في ما يمكن أن يطلق عليه بالانحدار الكبير.

وفي العدد الأخير لمجلة «الإكونوميست» كان موضوعها الرئيسي عن النظام الاقتصادي الجديد جارت في مطلعه ما يساق عن تعافي الاقتصاد العالمي رغم الصدمات المتوالية: فالاقتصاد الأميركي يشهد نمواً رغم الحرب التجارية المشتعلة مع الصين، والماكينة الألمانية التي تساند الاقتصاد الأوروبي تتفادى آلام خسارتها لإمداد الغاز الطبيعي الروسي بعد اندلاع الحرب في أوكرانيا، وتشير إلى أن الحرب في الشرق الأوسط لم تسفر عن صدمة بترولية، والاضطرابات في البحر الأحمر لم تظهر آثاراً سلبية تُذكر على التجارة العالمية كنسبة من الناتج العالمي. ولكنها تعود مؤكدة على أن النظرة الأعمق في الاقتصاد تظهر هشاشته، وأن النظام الذي يدير أموره منذ الحرب العالمية الثانية قد أكل عليه الدهر وشرب وتراه وقد أوشك على الانهيار. وأن عوامل متعددة قد تدفع العالم إلى حالة من الفوضى؛ إذ تعتقد القوى المتغطرسة أنها على حق، وبذلك تكون الحروب نتيجة طبيعية كسبيل لحسم النزاعات.

وفي حوار استضافه الأسبوع الماضي الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي في دولة الكويت، ضم مؤسسات مجموعة التنسيق العربية ولجنة المساعدة الإنمائية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ألقيت كلمة عن دور التمويل الدولي في علاج ما تعانيه التنمية من أزمة وانحراف عن مسارها. حذرت من اتساع الفجوة بين البلدان النامية والدول المرتفعة الدخل مع تراجع في صافي التدفقات المالية حتى وصل إلى أرقام سالبة، وتعويق حركة التجارة الدولية وتراجع الاستثمارات الأجنبية المباشرة كنسبة من الناتج المحلي وفرض قيود على التعاون التكنولوجي. فضلاً عن الآثار السلبية للسياسات الصناعية المتبعة في البلدان المتقدمة وانتهاك بعض إجراءاتها قواعد العمل وفقاً لمقررات منظمة التجارة الدولية التي تشهد تجاهلاً وعدم اكتراث بقواعدها. كما أن بعض الإجراءات المتبعة في سبيل التحول للاقتصاد الأخضر وتخفيض الانبعاثات الضارة بالمناخ تتستر وراءها أو يترتب عليها إجراءات حمائية تعوق التجارة وتضر باستثمارات البلدان النامية. فاقتصادات عالم الجنوب أصبحت مشاريعها التنموية الخضراء بين مطرقة وسندان. فالمطرقة تتمثل في ما يعرف بآلية تعديل الكربون عبر الحدود التي فرضها الاتحاد الأوروبي على صادرات قادمة إليه من منتجات الحديد، والصلب، والألمنيوم، والأسمدة والأسمنت. وفرضت المملكة المتحدة إجراءات مماثلة على القطاعات ذاتها وأضافت إليها منتجات السيراميك. وتدرس الولايات المتحدة فرض آليات مماثلة على وارداتها.

أما السندان فهو ما ارتبط بالسياسة الصناعية الجديدة والتي تتجلى في حالة الولايات المتحدة بصدور ثلاثة قوانين في عامي 2021 و2022 للاستثمار في البنية الأساسية، والرقائق وأشباه الموصلات والتحول الأخضر. وهي قوانين صنّفها بنك الاستثمار الأميركي (جيه بي مورغان) بأنها تتشكل من مزيج من الإنفاق الحكومي وفرض قيود على التجارة والاستثمار. ورصد البنك المذكور إجراءات مماثلة من اليابان والاتحاد الأوروبي وكوريا الجنوبية.

تذكرنا مقالة «الإكونوميست» مرة أخرى بدروس التاريخ لظروف مشابهة انتهت بحرب شاملة عُرفت بالحرب العالمية الأولى التي قضت على مغانم العهد الذهبي العالمي للعولمة، مع ما قضت عليه من أرواح بريئة ودمار شامل ومهّدت لحرب أخرى بعدها أكثر بشاعة ودماراً. وفي كتاب صدر لي في عام 2022 بعنوان «في التقدم: مربكات ومسارات» قارنت في مواضع عدة بين الأحوال الراهنة لعالمنا التي تشهد عجزاً في الثقة وفائضاً في الأزمات، والفترة السابقة لحرب لم يردها أحد ولم يتوقع حدوثها أحد، ولكنها رغم ذلك اندلعت. فقد اقتتل في الحرب العالمية الأولى 70 مليون جندي مات منهم 9 ملايين وقُتل 7 ملايين آخرين من المدنيين، وأصيب عشرات الملايين بعاهات لازمتهم مدى الحياة، وإصابات جسيمة عانوا منها حتى وافتهم المنية. كما أسفرت هذه الحرب الكبرى عن مذابح تلتها، كما تفشت الأوبئة فقتل بسببها أضعاف هذه الأرقام، كما مهدت للحرب العالمية الثانية بدمار أوسع وبخسائر أكبر، وكان من الممكن إنهاء هذه الحرب الأولى، التي لولاها ما كانت الثانية، إذا ما توافق قادة القوى الكبرى على حسم نزاعاتهم سلماً.

ولكن الحروب من هذا النوع تحدث لأن من يدخلها يظن أنه سينتصر ثم تنتهي بخسائر للكافة على النحو الذي رصدته المؤرخة باربارا توكمان في كتابها العمدة عن الحرب العالمية الأولى تحت عنوان «بنادق أغسطس».

تسود الاقتصاد العالمي تصرفات الحمقى بتبادل الأذى والإضرار بقواعد التجارة الدولية والاستثمار، وتترك فيه البلدان لتنهشها أعباء الديون بلا آليات فاعلة للتسوية أو إعادة الهيكلة. وأُهملت فيه مؤسساته المالية الدولية بلا دعم يزيد رؤوس أموالها التي تحتاج إليها للقيام بعملها في مساندة التنمية، وأُضيعت سنوات في مبادرات شكلية تحت مسميات للإصلاح بلا مضمون لتطوير لحوكمتها أو زيادة فاعليتها بالارتقاء بالحوكمة وعدالة وكفاءة تمثيل البلدان المختلفة فيها. هذه المبادرات تأتي مرة تحت مسمى رفع كفاءة استخدام رؤوس الأموال ومرة بدعوى إعداد «خريطة طريق للتطور» وهي تعاني من تهافتها واستهلاكها للوقت وعدم تحديدها مواقيت ملزمة بمبالغ محددة لزيادة رؤوس الأموال. أرى ما يجري خريطة طريق للتطور نحو الانكماش حتى الفناء بما يعجل بنهاية ما تبقى من ترتيبات نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية.

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هل يستقيم ظل الاقتصاد وعوده أعوج هل يستقيم ظل الاقتصاد وعوده أعوج



GMT 10:17 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

ممدوح عباس!

GMT 10:15 2024 الإثنين ,18 تشرين الثاني / نوفمبر

القديم والجديد؟!

GMT 08:33 2024 السبت ,02 تشرين الثاني / نوفمبر

فرنسا تتصالح مع نفسها في المغرب

GMT 03:37 2024 الأحد ,13 تشرين الأول / أكتوبر

حزب المحافظين البريطاني: «لليمين دُرْ»!

GMT 23:09 2024 الأحد ,06 تشرين الأول / أكتوبر

هل يمكن خلق الدولة في لبنان؟

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 15:05 2024 الأربعاء ,20 تشرين الثاني / نوفمبر

شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي
  مصر اليوم - شيرين رضا خارج السباق الرمضاني 2025 للعام الثالث علي التوالي

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 08:11 2024 الخميس ,31 تشرين الأول / أكتوبر

وجهات سياحية مميزة توفر متعة التزلج في فصل الشتاء

GMT 16:32 2020 الجمعة ,18 كانون الأول / ديسمبر

والدة الفنان المصري عمر كمال تكشف موقفها من عمله

GMT 09:42 2020 الأحد ,06 كانون الأول / ديسمبر

تعرف على قائمة الإجازات الرسمية 2021 في مصر

GMT 02:51 2020 الجمعة ,27 تشرين الثاني / نوفمبر

إصابة لاعب الأهلي المصري محمد أشرف بكورونا

GMT 20:23 2020 الأربعاء ,28 تشرين الأول / أكتوبر

طوارئ في قرية في محافظة قنا بسبب كورونا

GMT 18:31 2020 الإثنين ,28 أيلول / سبتمبر

مورينيو يوضح إصابة سون هي الأولى فقط المزيد قادم

GMT 09:49 2020 الإثنين ,27 تموز / يوليو

جيونبك يعزز موقعه في وصافة الدوري الكوري
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon