توقيت القاهرة المحلي 22:49:53 آخر تحديث
  مصر اليوم -

هي والتنمية

  مصر اليوم -

هي والتنمية

بقلم : د. محمود محيي الدين

قيل في أدب العرب، إن المرأة والرجل كجناحي طائر، فهل ترى الطائر بغير جناحيه يطير؟ ربما خُيل للبعض جهلاً أن هذا ممكن، فكبلوا أحد الجناحين وكبحوا عمله وضيقوا عليه، حتى صار للطائر ما صار.

وتمضي الأيام قصاراً أو طوالاً وفقاً لما تشهده من أحداث، ويأتي بعضها مُذكّراً بتعهدات والتزامات للنهوض بأحوال الناس. وقد مضت ثلاث سنوات منذ انعقدت مؤتمرات التنمية المستدامة على مستوى قادة الدول، إذ تم التعهد باتخاذ إجراءات وتبني سياسات وبرامج للتمويل للنهوض بشأن المرأة على مستوى العالم. وخُصص للمرأة هدف محدد من أهداف التنمية السبعة عشر، وهو الهدف الخامس. وزيد على ذلك بأن قيل إنه لا سبيل لتحقيق الأهداف الستة عشر الأخرى للتنمية، إلا بتحقيق طفرات نوعية في حقوق المرأة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.

فبالنظر من خلال عدسات العدالة بين المرأة والرجل لمجمل أهداف وغايات التنمية المستدامة، التي ينبغي تحقيقها مع حلول عام 2030 وفقاً للتعهدات الدولية، يمكن تقييم فرص بلوغها. فهل تظهر البيانات الصادرة عن المؤسسات الدولية المعنية، كهيئة الأمم المتحدة للمرأة، أن التنمية المستدامة على المسار السليم لتحقيقها؟

فبما يتعلق بمؤشرات الفقر المدقع، الذي يشكل القضاء عليه الهدف الأول للتنمية المستدامة، هناك 122 امرأة تعاني الفقر مقابل كل 100 رجل، في الشريحة العمرية بين 25 و34 عاماً على مستوى العالم.

أما بالنسبة للهدف الثاني من أهداف التنمية، المعني بالقضاء على الجوع، فإن المرأة أكثر عرضة من الرجل لسوء التغذية وعدم كفاية الطعام في ثلثي دول العالم. وتبلغ نسبة من يعانون من هذه المشكلات في المنطقة العربية 29 في المائة من النساء، مقابل 27 في المائة من الرجال.

وفيما يتعلق بالهدف الثالث المعني بالرعاية الصحية، تموت 216 امرأة من كل 100 ألف بسبب أمراض تتعلق بالحمل والإنجاب، ويصل الرقم إلى 105 نسوة، ورغم أن الرقم أفضل من المتوسط الدولي فإنه ما زال بعيداً عن الهدف الذي يسعى لأن تكون معدلات الوفيات أقل من 70 لكل 100 ألف.

أما بالنسبة للتعليم، وهو الهدف الرابع للتنمية، فهناك 26 في المائة من الفتيات في سن التعليم خارج المدارس، مقابل 22 في المائة من الصبية والشباب في المرحلة العمرية ذاتها. وهذه النسبة مرتفعة للغاية للذكور والإناث، وتنذر بعواقب وخيمة في المنطقة العربية؛ خاصة إذا أخذنا في الاعتبار أن النسبة الملتحقة بالمدارس لا يحظى أغلبها بتعليم لائق، وفقاً لمعايير الجودة والنوعية.

وفيما يخص الهدف الخامس المتعلق بالمساواة وإزالة العوائق المانعة للنساء من تحقيق ما يصبون إليه في حياتهن، فهناك تحديات هائلة تعاني المنطقة العربية من أكثرها. فاجتماعياً كثر الحديث عن عواقب زواج القاصرات وختان البنات، وحقوقياً تعالت النداءات بشأن جرائم العنف ضد المرأة واضطهادها داخل الأسرة والمنزل، وتصاعد حالات التحرش والمضايقات في الطرق ومحال العمل. واقتصادياً انهمرت الشكاوى من الحرمان من الميراث، والمنع من تملك الأراضي والحسابات المصرفية، والتفاوت في الأجور والمرتبات، وقلة الفرص لشغل المناصب الإدارية والتنفيذية العليا في مجالات العمل، رغم استيفاء معايير الكفاءة مقارنة بالرجل. أما عن المشاركة السياسية، فرغم تحسن نسبها ارتفاعاً على مستوى العالم بشغل المرأة لنحو 24 في المائة من مقاعد البرلمانات في عام 2017، بعدما كانت لا تتجاوز 15 في المائة حتى عام 2000، فإن نسب المشاركة السياسية ما زالت شديدة التواضع في المنطقة العربية، رغم تحسن طرأ على بعض منها.

أما الهدف السادس المتعلق بالحصول على المياه النقية، فإن المؤشر الدولي يظهر أن مسؤولية تدبير المياه في حال عدم توفرها في السكن تقع على المرأة في 80 في المائة في الحالات.

وبالنسبة للهدف السابع المرتبط بالطاقة، فإن حالات الوفاة التي رصدت على مستوى العالم بسبب استخدام مصادر ملوثة كوقود، تبلغ أكثر من 4 ملايين حالة في 2012، كان 60 في المائة من ضحاياها من النساء.

أما فيما يرتبط بسوق العمل والنمو الاقتصادي والنشاط الصناعي والابتكار، التي تشكل الهدفين الثامن والتاسع من أهداف التنمية، فإن مشاركة المرأة في المرحلة العمرية الأساسية في تشكيل قوة العمل، من 25 حتى 54 عاماً، لا تتجاوز 63 في المائة، مقارنة بنحو 94 في المائة للرجل على مستوى العالم، وتصل نسبة مشاركة المرأة العربية إلى 36 في المائة فقط، وهو رقم متدن بكل المقاييس. وتعاني المشروعات الصغيرة والمتوسطة التي تمتلكها المرأة من عجز في الائتمان بلغ 1.5 تريليون دولار على مستوى العالم. وفيما يتعلق بالابتكار ومستقبل الاقتصاد الرقمي، فإن نسبة من لديهن إمكانية الحصول على خدمات الإنترنت من النساء لا تزيد على 55 في المائة، مقارنة بنحو 60 في المائة من الرجال، وهما نسبتان لا تؤهلان لتحقيق نفع من الاقتصاد الرقمي.

وفي ظل ما سبق، ليس غريباً أن تظهر مؤشرات الهدف العاشر، المعني بمشكلات عدم العدالة في توزيع الدخل، تراجعاً في نصيب المرأة من الدخل والثروة. فعلى مستوى العالم، 30 في المائة من عدم عدالة الدخل ترجع لتفاوتات في محيط الأسرة ذاتها بين الرجل والمرأة. كما تعيش النساء في ظروف سكانية وحياتية أدنى من الرجل، على النحو الذي تظهره مؤشرات الهدف الحادي عشر، الذي يرصد المدن والمجتمعات. فعلى مستوى العالم نجد أن 50 في المائة من نساء الحضر يعشن في عشوائيات، أو مساكن تفتقد المياه النقية والصرف الصحي وسلامة المبنى وكفاية المساحة اللازمة للمعيشة الكريمة. وفي المنطقة العربية تصل هذه النسبة إلى 22 في المائة. ويوضح الهدف الثاني عشر الذي تشمل مؤشراته الاستهلاك والإنتاج، أن هناك استثمارات ضخمة مطلوبة في خدمات المواصلات، حتى تمكن النساء من الوصول الآمن لمقار تعليمهن وعملهن.

وتظهر مؤشرات البيئة وتغيرات المناخ، التي تنطوي تحت الأهداف الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من أهداف التنمية المستدامة، أن التأثيرات السلبية لتقلبات المناخ وكوارثه وأزماته أكبر على النساء وأطفالهن، إذ إن تعرضهن لخطر الموت في الكوارث الطبيعية يعادل 14 مرة لما قد يتعرض له الرجل، وهن أكثر عرضة للآثار السلبية الناجمة عن تدهور البيئة.

أما ما يرتبط بمؤشرات الهدف السادس عشر، عن الحوكمة والعدالة، فإن هناك مشكلة كبرى تعوق مسارات العدالة والحصول على الحقوق، تتمثل في الافتقاد لسجلات رسمية متكاملة عن المرأة لعدم القيد بها، ولعدم وجود بطاقات هوية لنسبة كبيرة من النساء؛ إذ يبلغ عدد من هم بلا هوية مسجلة 1.5 مليار إنسان على مستوى العالم، أغلبهم من النساء. ففي الدول الأقل دخلاً لا تملك 45 في المائة من النساء بطاقات للهوية، مقابل 30 في المائة من الرجال، بما يزيد من احتمالات الاستبعاد من الخدمات العامة الأساسية، كالرعاية الصحية ونظم الضمان الاجتماعي، وكذلك الحرمان من الاستفادة من برامج الشمول المالي. كما يشير الهدف السابع عشر عن برامج المشاركة، إلى أن التدفقات المالية الخارجة من الدول النامية تتجاوز مثلين ونصف حجم الدعم المقدم لهذه الدول، وأن المساندة المالية المقدمة لبرامج تمكين المرأة تتوارى حجماً مقارنة بهذه التدفقات.

انعكس هذا كله اقتصادياً على نصيب المرأة في ثروة رأس المال البشري، إذ لا تتجاوز 38 في المائة، مقابل 62 في المائة للرجال، كما أن الخسارة المتراكمة من جراء عدم العدالة بين المرأة والرجل في الأجور تبلغ 160 تريليون دولار، وفقاً لدراسة مشتركة بين البنك الدولي وجهات أخرى. كما أن الثروة الإجمالية، التي تشمل رأس المال البشري والإنتاجي والمادي وصافي الأصول الأجنبية، يمكن أن تصل في زيادتها لنحو 14 في المائة سنوياً، إذا ما تحققت العدالة في الأجور بين المرأة والرجل، مع إدراج معايير الكفاءة.

تحتاج الدول لسياسات متكاملة للنهوض والتقدم، من خلال برامج متوازنة لا تفتئت على حقوق المرأة ولا تبخسها ما لها. وبداية هذه السياسات تطوير قاعدة بيانات للتنمية ومؤشراتها التفصيلية عن نصيب المرأة فيها، وبرامج للتمويل تبدأ بالموازنة العامة وتحليل النفقات العامة الموجهة للمرأة، وتنفيذ برامج للرقي بشأن المرأة، ترتكز على محلية التنمية، فعندها تبدأ وتنتهي جهود الإصلاح والتقدم.

 

نقلا عن الشرق الآوسط اللندنية

المقال يعبّر عن رأي الكاتب وليس بالضرورة رأي الموقع

الإسم *

البريد الألكتروني *

عنوان التعليق *

تعليق *

: Characters Left

إلزامي *

شروط الاستخدام

شروط النشر: عدم الإساءة للكاتب أو للأشخاص أو للمقدسات أو مهاجمة الأديان أو الذات الالهية. والابتعاد عن التحريض الطائفي والعنصري والشتائم.

اُوافق على شروط الأستخدام

Security Code*

 

هي والتنمية هي والتنمية



GMT 20:22 2023 الخميس ,19 تشرين الأول / أكتوبر

مليونية ضد التهجير

GMT 03:11 2023 الأربعاء ,21 حزيران / يونيو

الخالدون أم العظماء

GMT 04:43 2023 الإثنين ,19 حزيران / يونيو

كل سنة وأنت طيب يا بابا

GMT 04:15 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

الزعامة والعقاب... في وستمنستر

GMT 03:32 2023 الأحد ,18 حزيران / يونيو

حدوتة مصرية فى «جدة»

إطلالات هند صبري مصدر إلهام للمرأة العصرية الأنيقة

القاهرة ـ مصر اليوم

GMT 09:22 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية
  مصر اليوم - قرية بورميو الإيطالية المكان المثالي للرياضات الشتوية

GMT 09:31 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة
  مصر اليوم - الزرع الصناعي يضيف قيمة لديكور المنزل دون عناية مستمرة

GMT 19:11 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة
  مصر اليوم - حزب الله يعلن قصف قاعدة عسكرية في جنوب إسرائيل لأول مرة

GMT 10:54 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر
  مصر اليوم - الفستق يتمتع بتأثير إيجابي على صحة العين ويحافظ على البصر

GMT 20:50 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض
  مصر اليوم - منة شلبي تقدم شمس وقمر في موسم الرياض

GMT 10:18 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

"نيسان" تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان "نيسمو" الـ25
  مصر اليوم - نيسان تحتفي بـ40 عامًا من التميّز في مهرجان نيسمو الـ25

GMT 10:24 2024 الأحد ,10 تشرين الثاني / نوفمبر

اليونان تمزج بين الحضارة العريقة والجمال الطبيعي الآسر

GMT 09:20 2024 الخميس ,08 شباط / فبراير

نصائح لعرض المنحوتات الفنية في المنزل

GMT 04:36 2024 الإثنين ,14 تشرين الأول / أكتوبر

فئات مسموح لها بزيارة المتحف المصري الكبير مجانا

GMT 15:44 2021 الجمعة ,22 تشرين الأول / أكتوبر

تفاصيل حوار باتريس كارتيرون مع رزاق سيسيه في الزمالك

GMT 06:24 2024 الخميس ,21 تشرين الثاني / نوفمبر

رينو 5 الكهربائية الجديدة تظهر أثناء اختبارها

GMT 08:54 2017 الأربعاء ,25 تشرين الأول / أكتوبر

نادية عمارة تحذر الأزواج من مشاهدة الأفلام الإباحية

GMT 00:03 2024 الجمعة ,01 تشرين الثاني / نوفمبر

كيت ميدلتون ترسل رسالة لنجمة هندية بعد شفائها من السرطان

GMT 07:36 2024 الإثنين ,28 تشرين الأول / أكتوبر

ياسمين صبري تتألق بالقفطان في مدينة مراكش المغربية
 
Egypt-today

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

Maintained and developed by Arabs Today Group SAL
جميع الحقوق محفوظة لمجموعة العرب اليوم الاعلامية 2023 ©

egypttoday egypttoday egypttoday egypttoday
Egypttoday Egypttoday Egypttoday
Egypttoday
بناية النخيل - رأس النبع _ خلف السفارة الفرنسية _بيروت - لبنان
Egypt, Lebanan, Lebanon